«لماذا حققت كتب بعينها أرقام مبيعات «خيالية»؟ هل للأمر علاقة بالموضوعات التي تتم معالجتها؟ أم بطريقة الكتابة والصياغة؟ أم بوجود اهتمام واسع من قبل القراء؟ . اليوم نكتشف النجاح الذي حققه كتاب الناقد نور الدين صدوق. يعتبر كتاب «أوراق: دراسة وتحليل» للناقد والروائي صدوق نور الدين من أهم الكتب النقدية، التي رافقت رواية «أوراق» للروائي والمفكر عبد الله العروي في البرنامج الدراسي للسلك الثانوي للتعليم. إذ كانت معينا للتلاميذ في فهم أحداث الرواية وخصائصها الفنية، خاصة أنها تميزت بتداخل تقنياتها وأشكالها التعبيرية. أما من حيث انتشارها، فقد تجاوزت هذه الدراسة النقدية، التي نشرت في المركز الثقافي العربي سنة 1996، عتبة 15 ألف نسخة، حيث صدرت منها خلال السحب الأول فقط عشرة آلاف نسخة. شكل الكتاب، في البداية، جزءا فقط من دراسة موسعة بعنوان «عبد الله العروي وحداثة الرواية»، أعدها الناقد نور الدين صدوق في رباعية العروي الروائية (الغربة، اليتيم، الفريق، أوراق)، التي يعتبرها امتدادا روائيا واحدا من حيث الشخصيات والمكان والزمان والقضايا المطروحة، والتي تشكل رواية «أوراق» الجزء الأخير منها، على اعتبار أن المتن الرباعي يهتجس بمشروع روائي واحد. كما أن شخصية واحدة تخترقها جمعيها هي شخصية إدريس. ولما تقررت الرواية في المقرر الدراسي، عاد الناقد إلى الجزء المتعلق برواية «أوراق»، ليعالجها من جديد، حيث وسع أفق الدراسة، ويسّر منهجها ومفاهيمها، لتصبح في متناول التلاميذ. أما من حيث الموضوع، فقد لاحظ الناقد أن الرواية تطرح سؤال الكتابة الروائية، وتتناول علاقة الذات بالكتابة، على اعتبار أن شخصية إدريس (بطل الرواية) تتماهى بشكل كبير مع الكاتب/ الروائي عبد الله العروي، وبحكم أن موضوع الرواية هو موضوع ذاتي بامتياز. أضف إلى هذا انشغال هذه الرواية بعلاقة الذهني بالروائي، وطرحها الجوانب المعرفية في الرواية. كما شمل هذا التحليل جوانب الكتابة الروائية: المكان والزمان والشخصيات والسرد، إلى غير ذلك. يقول صدوق نور الدين معرّفا بهذه الرواية على الغلاف، إن «أوراق هي النص الجامع المتضمن للإبداع، التاريخ والفكر، كتاب المعارف المفتوح على كل الحقول والمتفاعل مع كل الأجناس: الرواية والسيرة والتاريخ.» ومن هنا، فهو يسعى إلى أن يقدم لنا الرواية، إلى جانب الروايات الثلاث السابقة عنها، باعتباره مشروعا أدبيا مستقلا يروم من خلاله معالجة قضية معينة في الأدب هي قضية العلاقة بين الذات والكتابة، كما سبق القول. وهو مشروع يشكل لبنة أساسية إلى لبنات أخرى في صرح فكري وأدبي وتاريخي (الفكر، والأدب، والتاريخ، وأخيرا الترجمة). جدير بالذكر أنه لم يكن لهذه الدراسة لتنتشر على نطاق واسع، ولتصبح أحد الكتب الأكثر مبيعا، لولا ارتباطها برواية «أوراق». وهذان العملان معا يدينان في انتشارهما الواسع إلى ارتباطهما بمادة «المؤلفات» التي كانت مقررة ضمن البرنامج الدراسي للسلك الثانوي، على غرار روايات وأعمال نقدية أخرى نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر: «لعبة النسيان» لمحمد برادة، و»الريح الشتوية» و»رفقة السلاح والقمر» لمبارك ربيع، «وادي الدماء» لعبد المجيد بنجلون، بالإضافة إلى مجموعة من الروايات العربية مثل «رجال في الشمس» لغسان كنفاني، و»يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، الخ. هكذا، لا يقل العمل النقدي، مثلما هو شأن دراسة نور الدين صدوق، عن الرواية المقررة ذاتها، على اعتبار أنه يعمق فهم الرواية، وييسر إدراك أبعادها الرمزية.