نعم هي قمّة بدون قيمة تلك التي احتضنتها موريتانيا أواخر الشهر الماضي في العاصمة "نواكشوط". قد يقول قائل : وهل كانت للقمة التي سبقتها في " شرم الشيخ" بمصر) 2015 ( قيمة، حتى تَصحّ المقارنة، ويكون الحكمُ عليها صائبا؟، بل هل كانت للقمم العربية منذ بداية تهاوي ما يُسمى " النظام الإقليمي العربي" قبل أكثر من عقدين من الزمن تراكمات إيجابية تُذكر؟. إذا كان الجواب بالإيجاب فإن ما ينطبق على قمة نواكشوط هو ما يسري تماماً على مجمل القمم العربية، أي التعبير القائل:" المصيبةُ إذا عمّت هاَنت". تشترك قمة " بلاد شنقيط" مع غيرها من القمم العربية في تضخّم الشكليات والمراسيم البروتوكولية التي دأب عليها القادةُ العرب أكثر من المبادرات والقرارات الفعالة، وتتماهى معها في غياب الرؤية ووضوح الأفاق، ولا تختلف عنها في تفاقم التحديات وتوالي الانكسارات. غير أن قمة نواكشوط كان لها ما يميزها عن سابقاتها من القمم، فقد كانت أقل القمم حضوراَ ووزناً من حيث التمثيلية، وتمخض عن أشغالها بيانُ ختاميٌ أقل ما يقال عنه أنه سقيمُ ولا روح فيه، ونسخة مكررة في أكثر مقاطعه، وفاقِد المعنى من حيث الرؤية والنظر إلى المستقبل، ولا حُمولة له من حيث التطلعات التي تنتظرها المجتمعات العربية من منظمتهم الإقليمية.. فباستثناء انعقاد القمة في وقتها ولم يقع تأجيلها، وانتظمت في موريتانيا بالذات، لم يحمل الحدث ما يجعله حدثاً عربياً مشتركاً. لاشك أن لإمكانيات الدولة المُضيفة، وأوضاعها العامة، وتجربتها المتواضعة في احتضان قمم من هذا الحجم جانباً من المسؤولية في حصيلة القمة العربية السابعة والعشرين، وما أسفرت عنها من نتائج وقرارات. فموريتانيا، كما هو معروف، بلد متواضع الإمكانيات والموارد، لا تكفي موازنتُه العامة تغطيةَ نصف احتياجاته الوطنية، كما أن بنياته التحتية محدودة جداً لاستقبال وفود اثنتين وعشرين دولة عضو في الجامعة العربية. فقد أتيحت لي فرصة زيارة هذا البلد مرات عديدة ولمست تواضع بنيته الفندقية لاستقبال السياح والقادمين العاديين، فبالأحرى ممثلي الوفود العربية الذين دأبوا على تحويل القمم العربية إلى " لحظات استجمام بمقاييس عالية الجودة".. وقد سمعنا روايات كثيرة عن رأي بعضهم في ظروف إقامتهم في قمة نواكشوط الأخيرة!! . مَن قَرأ البيانَ الختامي لقمة نواكشوط يُلاحظ، كما أشرنا أعلاه، أنه جاء عاماً، سقيماً، وبلا روح. فباستثناء ترحيبه بالمبادرة الفرنسية للسلام في فلسطين، غلبت عليه اللغة الإنشائية، والمفردات العامة، والمواقف التي تقول كل شيء ولا تقول أي شيء، سواء تعلق الأمر بإيران وسياساته في المنطقة، أو ما يجري في دول الصراع، أي سوريا والعراق واليمن وليبيا، أو في ما يخص الإرهاب وسُبل مكافحته. لكن ، بالمقابل، لم يُشر البيان ألختامي إطلاقاً إلى " الانقلاب في تركيا"، على الرغم من المكانة المهمة والخطيرة التي تحتلها تركيا في كل ما يجري في جوارها العربي. إن الحكم على قمة نواكشوط بكونها " قمة بدون قيمة"، يدعو ، مع ذلك، إلى التساؤل عن " مكاسب" موريتانيا والموريتانيين من هذه التظاهرة الإقليمية العربية. لاشك أن القيادة الموريتانية كانت مُدركةً طبيعة الصعوبات التنظيمية والعملية التي ستواجهُها، وواعيةً، في الآن معا، المكاسب التي قد تجنيها ، وإلا لما أقدمت على قرار الاستضافة وتحملت تبعاتِه. لا نرى شخصيا منافع كثيرة فعالة ومُجدية تكون قد جلبتها موريتانيا لبلدها، لا سياسياً، ولا مالياً، ولا حتى من زاوية تسويق صورة بلدها..فسياسياً كانت القمة من أضعف القمم على ألإطلاق، ودون شك أحسن المغرب صُنعا حين إعتذر عن استضافتها، أما مادياً فالمتداول أن موريتانيا تلقت دعماً ماليا خليجيا لتنظيم القمة، وأن الخيمة التي نُصِبت، انسجاماً مع تقاليد أهل الصحراء، لاجتماع الوفود كلفتها لوحدها ملوني دولار، أي ما يساوي 700 مليون أوقية موريتانية، ناهيك عن الاستعدادات الأمنية والعسكرية لضمان أمن وحماية التمثيليات العربية. أما من ناحية تسويق صورة موريتانيا والسعي إلى فك العزلة عنها، فالراجح أنها أبانت وأكدت مرة أخرى أن موريتانيا، هذا البلد العربي، القابع بين فكي العرب والأفارقة، يحتاج إلى كثير من الرعاية والعناية من أشقائه، ويحتاج قبل ذلك إلى الحكمة من نخبته القائدة لتنصت لأبنائه وتخدمهم حقّاً.