نصف قرن من الزمان مر على ولادة "القمر الأحمر".. أول أغنية مغربية أدخلت فيها المؤثرات الصوتية، أغنية اجتمعت عذوبة اللحن وانسياب جمال الحرف وبهاء صوت عبد الهادي بلخياط.. بهذه المناسبة تم الاحتفاء مؤخرا بمؤلفها الشاعر عبد الرفيع جواهري، وخلال الاحتفاء أدى الأغنية بتميز، لأول مرة، المطرب البشير عبده. هي واحدة من الروائع المغربية الخالدة التي أكدت أن البقاء للأجمل والأقرب إلى الروح التي لا تفنى.. إنها أغنية «القمر الأحمر» التي احتفت جمعية نغم للموسيقى حديثا في البيضاء بمرور 50 سنة على ميلادها، بتكريم مؤلف كلماتها الشاعر عبد الرفيع جواهري.. تلك القصيدة التي متى ما أنصتت إليها تكلم فيك الجمال، والتي ما كان ليتهيأ لها كل ذلك لولا تلك الهندسة الفريدة للملحن العبقري الذي لم يتقن العزف على أي آلة موسيقية، وأتقن قيادتها جميعا، الفنان الراحل عبد السلام عامر، والتي نقل كينونتها الموسيقية بأمانة الفنان الموسيقي عمر الطنطاوي، لينثرها بهاء الصوت الفريد للمطرب الكبير عبد الهادي بلخياط، وشاركته في جزء من ذلك المطربة بهيجة إدريس، التي أدت بعض مقاطع الأغنية الخالدة. «القمر الأحمر»، هذه الأغنية التي أنارت ولاتزال تنير سماء الأغنية المغربية، لم يعِد أداءها أي فنان قبل أن ينجح في ذلك باقتدار كبير المطرب البشير عبده، إلى جانب الفرقة الموسيقية الحرة بقيادة الأستاذ مصطفى الركراكي، ليلة حفل تكريم كاتب كلماتها الشاعر عبد الرفيع جواهري الذي اعتبرها «نهر المغاربة الذي يحلو لهم التغني به». وتعد هذه الأغنية الطربية أول أغنية مغربية تدخل عليها مؤثرات صوتية، ممثلة في صوت الماء، وهو ما تم الاشتغال عليه، حسب ما حكاه الشاعر عبد الرفيع جواهري على منصة تكريمه حديثا في الدارالبيضاء، في بداية ستينات القرن الماضي بأدوات بسيطة جدا. هذه الأغنية التي أنصت إليها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب قبل أن يقرر، بعدما أبهرته، أن يضعها في خزانته، تمرن عليها الجوق الوطني، بمساعدة عمر الطنطاوي والملحن عبد السلام عامر، مدة شهر كامل، وكان يحضر هذه التمارين ما بين الفينة والأخرى الشاعر عبد الرفيع جواهري. وتم تسجيل عزفها منفردا، على مدى يومين، قبل إدخال المؤثرات الخاصة، تحت إشراف مهندس الصوت محمد الكوكبي. وبلغت مدة تقديم هذه الأغنية 45 دقيقة. وفي ما يلي بعض من جمال هذه التحفة التي يحلو للمرء أن يغمض عينيه وينصت إلى جمال كلماتها: «خجولا أطل وراء الجبال.. وجفن الدجى حوله يسهر.. ورقراق ذاك العظيم.. على شاطئيه ارتمى اللحن والمزهر.. وفي موجه يستحم الخلودُ.. وفي غوره ترسب الأعصر.. خشوعا أطل كطيف نبي.. وفي السفح أغنية تزهر.. توقعها رعشات الغصون.. يصلي لها ليلنا الأسمر..»، ويستمر بهاء هذه الكلمات إلى أن يقول واهبها الحياة الشاعر جواهري: «لقد ظمئت روحها للضياء.. وفي بلدتي أكؤس تسكر.. وقلبها مل ليالي الضباب.. وفي ليلنا أنجم تنشر..»، إلى نهاية قصيدة ألهمت أنفاسها عبد السلام عامر ليلبسها ألحانه الخالدة، التي وثقها صوت مطرب اختار اليوم درب الأنشودة الدينية بعدما اعتزل فنه الذي فتن به الألباب.