كان سفرا ربيعيا جميلا، أخذنا بالتحديد إلى لحظة انبلاج نجم فني في سماء المغرب، ركبنا صهوة برنامج اعتاد ان يعرج بنا إلى المحطات التي يكاد يلفها النسيان، أو يعلوها الصدأ.. انه برنامج شذى الألحان، الذي لا يبحر إلا في العوالم الموسيقية البديعة، ويتجول بنا في بساتين الأنغام، والمقامات، والألحان الحالمة وهذا ثمرة مجهود مشكور للباحث والفنان عبد السلام الخلوفي معد مثل هذه الأنواع من البرامج، وما أكثرها، والتي تعنى بالأغنية المغربية والعربية الأصيلة. عاد بنا، برنامج شذى الألحان الذي تم تأخيره إلى ما بعد منتصف الليل إلى تقليب أوراق دفتر الذكريات للفنان المغربي المبدع والموسيقار الراحل المتميز، عبد السلام عامر، الذي لعبت الصدفة وحدها في بروز هذا الفنان، بعد أن تم رفضه في مباراة بالإذاعة. ٭ عندما تستمع إلى ألحان الراحل عبد السلام عامر، من مختلف الأصوات المغربية تشعر انك داخل بستان من الأنغام الموسيقية العذبة يأبى المرء مغادرته، وأعطت إضافة ولونا جديدا للأغنية المغربية الجميلة بكل المقاييس وما كان لهذه الطفرة ان تتحقق لولا المصادفة العجيبة التي وجدها عبد السلام حين استمعت إليه لجنة موسيقية، في بعض أعماله لكن تلك اللجنة تعاملت معه باللامبالاة.. وصادفه الاعلامي البارز أحمد ريان بباب الإذاعة حزينا. فاستفسره ، وأخبره بما لقيه من اللجنة، فوعده بالوقوف بجانبه. سائلا إياه، هل درست الموسيقى؟ قال عامر لا، وسأله ثانية، وهل تعزف على آي آلة؟ ثم قال لا.. وسأله أحمد ريان هل لديك جوق؟ فأجابه بنعم، فقال له أحضره، وأنا سأكون بجانبك وفعلا حضر في الأسبوع الموالي، واستمع إليه ريان، وبدأ، يربط له اتصالات بالجوق الوطني، ومن تم كانت الانطلاقة. وقدم كل الإضاءات اللازمة لكل هذه المراحل، في حلقة الجمعة الشاعر المبدع الأستاذ عبد الرفيع جواهري، الذي كان له نصيب وافر، من الأعمال التي لحنها عامر، «القمر الأحمر»، «راحلة»، «قصة الأشواق» ، «ميعاد»....، والذي يعتبر شاهدا على العصر، وحضر الحلقة عازف العود المتميز سعيد الشرايبي ورافق كلا من لمياء زايدي الفائزة بالدورة السابعة لاستوديو دوزيم، في خالدة القمر الأحمر، والفائز بالدورة السادسة توفيق البوشيتي في رائعة «الشاطئ» من كلمات مصطفى عبد الرحمان، وأدت لمياء كذلك قصيدة «واحة العمر» من كلمات الشاعر المصري فاروق شوشة، والبوشيتي «راحلة» إحدى روائع المطرب الراحل محمد الحياني. وشارك في السهرة كذلك ابنة القناة الثانية كذلك المطربة فاتن هلال بك، الفائزة بالتأنيت الفضي لمهرجان قرطاج الأخير، وقدمت «قصة الأشواق» و«آخرآه» من إبداع محمد الخمار الكنوني، ثم «حبيبتي»، من طرف أحد خريجي القناة الثانية إلياس طه، والذي أدى أيضا في نفس الحلقة إحدى أقوى الروائع التي أداها الفنان عبد الهادي بلخياط «ميعاد». والفنان عبد السلام يعتبر فلته من تاريخ الزمن الجميل للأغنية المغربية واستطاع في ظرف وجيز ان يصطف ضمن فطاحل الموسيقى المغربية وأسس لنفسه مدرسة خاصة، تحظى بالتقدير والإعجاب، موهبته فعلا خارقه، ، وظل خزانا وشلالا من الأنغام والابداعات ومن حبيبتي وآخر آه إلى ميعاد، إلى القمر الأحمر، التي اعتبرها المغاربة ثوبا أنيقا للأغنية المغربية يستحق ان نباهي به المشارقة واستمع لها محمد عبد الوهاب في رحلة عامر وبلخياط والصقلي للقاهرة واستمتع بها، وطلب نسخة منها. مستغربا ان يصدر مثل هذا الإبداع من شاب مكفوف، لم يدرس الموسيقى ولا يتقن عزف آلة موسيقية. وقد غنى له أهم المغنين المغاربة من بلخياط والصقلي والدكالي والحياني ومحمود الإدريسي واسماعيل احمد وغيرهم، وكذلك برع في الألحان الوطنية، وكان أبرزها مواكب الخالدين. بعد أن كانت البداية بأغنية ما بان خيال حبيبي، والساقية والبير، واختتمت برائعة وغنت لنا الدنيا، وفي مثل هذه الأيام (14/5/1979) امتدت يد المنون لتآخذ منا هذا الفنان المقتدر، الذي مازالت ألحانه تطرب ويتغنى بها الشباب.