عاد برنامج شذى الألحان، بعد فترة غياب ليحمل أحاسيسنا المنهكة والمتعبة في هذا الزمن الذي تملأه فقاعات الألحان الشبابية والتي لا تترك أثرا سوى الطنين ، ليست لها أمصال تؤهلها لاختراق الأحاسيس الرزينة، والناهلة من عيون الأدب واللحن العربيين الجميلين، جعلتنا مستمعين ناقدين، غير قنوعين بالأعمال المفبركة التي تنجز في طنجرة الطبخ السريع، خالية من كل جمالية وعذوبة، بل أخذها يصيب بمغص في الأذن، إذا صح التعبير، نحتاج بين الفينة والأخرى إلى مساحات تنقذنا من هذا الوجع، الذي تحدثه فينا ما يسمى موسيقى الشباب... ذات الأجناس المتعددة، وأنا شخصيا، منفتح على كثير من الاعمال الفنية، الأصيل منها والمعاصر، وأتلمس الجميل منها وأدرك الجهد المبذول في صياغة جملة لحنية، منبعثة من القلب، وما ينبعث من شطحات، بحكم دراستي المتواضعة للموسيقى. وتنفرد القناة الثانية بتقديم هذه المساحة الفنية التي تأخذنا إلى عصر النهضة الموسيقية في الشرق العربي، من خلال برنامج شذى الألحان، الذي يعده الباحث والأستاذ عبد السلام الخلوفي والذي استحضر في حلقات سابقة التراث المغربي بكل أشكاله في قالب بديع جميل إخراجا وتصويراً، وتنسيقا، ها هو يعد اليوم مجموعة من الأعمال شاهدنا إحداها يوم الجمعة الماضية، وكانت مخصصة لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم في ذكرى وفاتها السادسة والثلاثين، التي ستحل في أوائل فبراير التي استعدنا من خلالها فترة الزمن الجميل والأصيل، واللحن الهادف، والشعر الرقيق في أجواء شبه صوفية، مع مطربين شباب خريجي استوديو دوزيم والمسابقات الغنائية العربية، أمسية عبقت بأريج أنغام زكريا أحمد، ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجي ومحمد القصبجي، وغيرهم وهكذا قدمت في هذه الحلقة فرقة خوالد الطرب للموسيقى العربية، بقيادة الأستاذ جمال القواس العازف البارع على آلة الكمان والذي يشتغل أيضا أستاذا لهذه المادة بمعهد دار البارود بسلا. موسيقى الافتتاح وهي مقدمة «القلب يعشق كل جميل»، وكأنها تشي بشعار الحلقة، ثم رائعتين من روائع أم كلثوم، «الورد جميل» و «غني لي شوية» في ختام الحلقة، أما الفائز في الدورة السابعة لاستوديو دوزيم محسن صلاح الدين ، فقد أدى قطعتين من أجمل ما شدت به سيدة الطرب العربي: «رباعيات الخيام» و «أهل الهوى» إحدى إشراقات الملحن زكرياء أحمد، وشاركت في الحلقة كذلك خريجة الدورة الثالثة لاستوديو دوزيم، سميرة بلحاج، لتشدو بقطعتين من ربرطوار أم كلثوم، «هذه ليلتي» من كلمات اللبناني جورج جرداق وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وهي تمثل انفتاح أم كلثوم على صعيد الكلمة على شعراء غير مصريين، و «إسأل روحك» من ألحان محمد الموجي، وهي تمثل منح أم كلثوم الفرصة للملحنين الشباب آنذاك. وقدمت المطربة دنيا لطفي التي وصلت نهاية برنامج سوبر ستار اللبناني، في دورته الخامسة، إحدى درر ربرطوار أم كلثوم «رق الحبيب» من لحن محمدالقصبجي، كما غنت «حيرت قلبي معك» رفقة عود الفنان والباحث محمد الأشرقي، الذي رافق منشطة البرنامج، في تسليط الأضواء، على مجموعة من محاور الحلقة، التي تناولت مسيرة أم كلثوم الإنسانية والفنية، على مدى ستة عقود. وتعتبر هذه الحلقة واحدة من خمس حلقات أعدها الأستاذ الخلوفي، حيث سنتابع مستقبلا حلقة خاصة بالموسيقار المغربي الراحل عبد السلام عامر وحلقة خاصة بعيد المولود النبوي وثلاث حلقات أخرى تتناول أجناسا مختلفة من الفنون. ويراهن برنامج شذى الألحان على توجه جديد يتمثل في إشراك الشباب والنهل من معين الأغنية العربية المحترمة لمقومات الأغنية العربية.