بمناسبة الاختبار الحقوقي في جنيف (هذا الأسبوع)، كان لابد من استدعاء «داعش» إلى وسط القاهرة وربطه بحركة «6 أبريل» في جملة واحدة. أحد الأصدقاء تندر على التصريحات الأمنية بضبط عناصر «داعش» في منطقتي فيصل والهرم بمحافظة الجيزة بتسميته «تافه» اختصاراً ل«تنظيم الدولة في فيصل والهرم». والحاصل أن العالم لا يحتاج إلى مزيد من الجهد في مراجعة الملف المصري الخاص بحقوق الإنسان لكي يدرك أن مصر بلد هجرتهُ قيّم العدل والحريات وحقوق الإنسان. السجل متخم بالكوارث، ويكفي فقط، مراجعة عناوين الصحف المصرية «العسكرية وشبه العسكرية على السواء» خلال الأسبوعين الماضيين لكي يتأكد من يهمه التأكد أن مزيجا فريدا من الفاشية والنازية والمكارثية والعنصرية يحكم الآن. لم يعد المسؤولون في مصر يهتمون بمحاولة إخفاء عنصريتهم ضد مخالفيهم، بما يبدو معه أن الأغنية الشهيرة للمطرب علي الحجار التي تتحدث عن شعبين وإلهين وعالمين في مصر، لم تكن «فلتة خيال» من مؤلف استبدت به الكراهية، وإنما كانت مقدمة مكتوبة بالأمر لمشروع سياسي وأمني يتبناه النظام الجديد في تعامله مع المجتمع.. أو يمكنك اعتبارها النشيد القومي للسلطة الجديدة، ونصها المقدس. إن أنباء واردة من مصر تقول إن شخصيات حقوقية معروفة لم يعد مسموحا لها بالاستفاقة، ومحاولة العمل باستقلالية وتجرد، حتى أن أوامر ضبط و إحضار صدرت لبعضهم، فآثروا الخروج من البلاد نهائياً، قبل أن يزاحموا المعتقلين في زنازينهم. وفي ظل هذا الوضوح في ممارسة كل أنواع العنصرية المجتمعية والسياسية من قبل السلطة وأتباعها، يدهشك أن شخصاً يطلق على نفسه «حقوقياً» يقبل على نفسه أن يدافع عن كل هذا القتل وكل هذا الظلم وكل هذا البطش والتنكيل بمن لا يسيرون في ركب الانقلاب. والحاصل أن احتمالين لا ثالث لهما يقفان وراء تحول شخصيات عرفت نفسها بكلمة «حقوقية» إلى مسوقين ومروجين للفظائع المرتكبة بحق المصريين: إما أن منحنى الترهيب والترويع بلغ حداً جعلهم يبتلعون ضمائرهم وألسنتهم، فلم يعد بمقدورهم احترام المعايير التي طالما بشروا بها في قياس حالة حقوق الإنسان.. أو أنهم وصلوا إلى مرحلة التماهي التام مع قمع السلطة وجبروتها، الذي بلغ حد الإجرام، فصاروا جزءا منها، يشبهونها في كل شئ، بما يجعلهم يتصورون أنهم يخاطبون مجموعة من السذج والبلهاء في المحافل الدولية المعنية بالحالة الحقوقية. وأغلب الظن أن الاحتمال الثاني أقرب للواقع، ذلك أن الذين كانوا يحاضرون بأجر عن حقوق الإنسان في أكاديمية مبارك وحبيب العادلي للأمن قبل ثورة يناير، لن يكون صعباً عليهم أن يتحولوا من حقوقيين إلى جنود أمن مركزي في خدمة السلطة الجديدة، ومنهم من تلوثت يداه بدماء شهداء فض الاعتصامات، من خلال توفير المسوغات الكاذبة لاتخاذ قرار الإبادة الجماعية للمعتصمين عبر تقارير بالزيف. لقد بلغ الشطط في الدفاع عن القتلة أن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان جمّدت عضوية المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في العام الماضي بعد أن صارت جزءا من النظام الحاكم، وكأنها صارت إدارة تابعة لوزارة الداخلية، فما الذي يجعل هؤلاء يقفون ببجاحة في اختبار حقوقي دولي آخر اليوم؟ أخشى أن أقول إن فشل النظام الدولي السياسي انتقل إلى الملف الحقوقي، فصار معيار «الصفقة» حاكما للمواقف ومحددا لاتجاهات التصويت، وأصبح «الكيل بمكيالين» أسلوبا معتمدا في ميدان حقوق الإنسان أيضا. عن «العربي الجديد»