كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء عندما زار اليوم 24 جمعية جنات لإيواء مرضى السرطان، كلمة مقر لا تنطبق مع الواقع فالموقع هو عبارة عن منزل تقليدي من منازل حي يعقوب المنصور بالرباط لا يشبه مقرات الجمعيات إنما هو أقرب إلى بيت الأسرة المغربية، الأمر الذي أضفى حميمية للمكان. رئيسة الجمعية، خديجة القرطي سيدة تجاوزت العقد السادس من عمرها اختارت أن تمد يد العون لمرضى السرطان بسب معاناتها مع هذا المرض، فهو داء أودى بحياة زوجها وأختها الصغرى وكذلك أمها وأبيها، تقول خديجة: "عند وفاة زوجي، وهو رجل حامل للقران، وعند انتهاء الجنازة نزل الفقهاء من البيت وهم يرددون: ذهب المال وذهب العمل وذهب كل شيء ولم يتبق سوى العمل الصالح، آنذاك فكرت في هذا العمل فأنا لا أملك شيئا سوى هذا البيت الذي تركه لي زوجي فقررت أن أهب هذا الأخير كصدقة جارية، قمت بإعطاء كل الورثة حقوقهم لكي يبقى هذا البيت حتى بعد مماتي مفتوحا أمام هؤلاء المرضى". الهدف من الجمعية أساسا هو استقبال مرضى السرطان الذين يأتون من مناطق بعيدة للعلاج بمستشفيات الرباط، حيث توفر لهم المأكل والمشرب والمأوى، وتقول الحاجة خديجة: "عملنا يقتصر فقط على هذه الأشياء فنحن لا نقدم مساعدات مادية لمن يلجأ إلينا". النساء هن فقط المرحب بهم داخل بيت الحاجة سواء المريضات أو أهاليهن، وفيما يخص الذكور تقول الحاجة بعفوية تامة: "أنا في منأى عن كلام الناس في هذا البيت أستقبل فتيات قاصرات ونساء متزوجات وغير متزوجات وبالتالي لا أحبذ استقبال الذكور حتى ولو كانوا من عائلتي". "إن مرضت فهو يشفيني" هذه الآية القرآنية أول ما تقع عليه أعين الزائر للطابق الثالث من بيت الحاجة خديجة، وهو المكان المخصص ليجمع كل من طرقت أبواب منزلها، نساء من مختلف المدن من الجديدة، القصر الكبير، طنجة، تطوان، تازة وغيرها… جمعتهم أسوار بيت واحد كما تجمعهم المعاناة مع المرض. عائشة واحدة من بين هؤلاء النسوة تعاني سرطان الثدي، معاناة دامت لمدة عشر سنوات منذ استئصالها لأحد الثديين حيث أن الورم الذي تعاني منه يزداد في كل مرة. تقول عائشة: "عندما أتيت لأول مرة للعلاج كنت أكتري بيتا في دور الصفيح أنا وأختي بثمن 600 درهم للشهر، وفي يوم من الأيام بعد أن خرجت من عملية جراحية توجهت إلى ذلك المكان الذي تم إسقاطه فوق رأسي"، تضيف عائشة: "عندما نفذت نقودي كنت أبيت في المحطات الطرقية ليلا أنا وأختي وعندما يحل الصباح أعود للمستشفى، هناك أخبروني بمكان هذه الجمعية وفعلا وجدت في هذا المكان بيتي الثاني ووجدت في الحاجة خديجة أمي الثانية، فأنا هنا منذ سنتين وهم يحسنون معاملتي". أغلبية نساء الجمعية كن يقطن بنزل يقع قبالة مستشفى مولاي عبد الله لأمراض السرطان بثمن 20 درهما لليوم لكنهن مع طول مدة العلاج لم يعدن قادرات على أداء سعر الكراء فرحن يبحثن عن ملجأ اخر، ثم تعرفن على بيت الحاجة خديجة التي أصبحت معروفة لدى العاملين بالمستشفى، حيث تقول الزوهرة، وهي سيدة في العقد الرابع من عمرها قدمت من مولاي بوسلهام تعاني سرطان الثدي: "لم أعد قادرة على أداء ثمن الكراء بنزل مولاي عبد الله آنذاك اشتكيت لأحد الممرضين بالمستشفى وهو من أرشدني إلى هذه الجمعية، وعند وصولي لم أكن أملك ولا سنتا واحدا لكن الحاجة استقبلتني خير استقبال ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش هنا". منذ تأسيس جمعية جنات عام 2008 وهي مخصصة لمرضى السرطان، تقول الحاجة: كبما طرقت بابي أي مريضة لا يمكنني أن أرفضها ما دامت تملك بطاقة التعريف وأوراقا تثبت مرضها. هذا هو حال حفيظة المنحدرة من إقليمالجديدة، هي سيدة في الثلاثينيات من عمرها جاءت أول مرة قبل سنتين ونصف برفقة ابنتها التي تعاني مرضا في القلب، تحكي حفيظة: "عندما كان عمر ابنتي تسعة أشهر كانت تعاني مرضا في القلب وكان يجب أن أجري لها عملية جراحية قيمتها 20000 درهم، لم أكن أملك هذا المبلغ لذلك تكلف أحد المحسنين بهذه المصاريف، بعد إجراء العملية لم أجد مكانا لأذهب إليه، فعائلتي لا حول لها ولا قوة، وأبو ابنتي توفي في حادثة قبل ولادة الطفلة، فرحت أبحث عن بيت للكراء، سألت سائق سيارة أجرة وهو أحضرني إلى هنا، عندما وصلت إلى هنا قابلت الحاجة خديجة فرحت أبكي وأتوسلها البقاء عندها وفعلا هي رحبت بي ومنذ ذلك الحين وأنا أقطن هنا ببيت أمي الحاجة، هنا وجدت أحسن أم وأفضل أخوات وتعلمت الكثير، وأساسا تعلمت الصبر". عند سؤال الحاجة خديجة عن مصدر تمويل الجمعية أكدت أنها تقوم بعملها الخيري هذا بمساعدة محسنين سواء من داخل البلاد أو خارجها لذلك تم تخصيص حساب بنكي من أجل هذا الغرض، إضافة إلى ذكرها أن عدد القاطنات لديها بدأ يتقلص بعدما تم فتح مراكز للعلاج بمدن مغربية أخرى، لكن رغم ذلك ففي المناسبات والأعياد وفي رمضان يزداد عدد المقيمات بالجمعية حيث يمكن أن يصل عددهن إلى أربعين وخمسين سيدة. جدير بالذكر أيضا أن الحاجة خديجة إضافة إلى إيوائها لمرضى السرطان فهي تقوم بمساعدة الفتيات الفقيرات اللواتي يردن الزواج عن طريق التكفل بإحياء حفلات زواجهن، فهي سيدة لم تمنعها لا أميتها أو سنها ولا فقرها من تحقيق عمل خيري، حيث قالت عندما تم سؤالها حول سبب اختيارها لاسم الجمعية: "جنات المكان الذي أريد أن ألقاه غدا أمام الله ولعل العمل الذي أقوم به الآن أي يكون مفتاح أبواب الجنة إن شاء الله".