لاشك أن «دار» الحاجة أضحت قبلة تحج إليه كل من تعاني من قلة الحاجة، فالمنزل الذي تحول إلى جمعية جنات لإيواء مرضى السرطان أصبح قبل أي وقت مضى رمزا للتكافل الاجتماعي بين المغاربة، وعنوانا على وجود نساء كثيرات في هذا الوطن، ممن تعاني في صمت ألم مرض عضال.. تشكل «الدار» التي أصبحت من أهم الأوقاف في العاصمة الرباط «جنة» في نظر من يأوين إليها وقت الشدة، وعاشرن الحاجة خديجة التي كانت قبل وفاة زوجها مالكة المنزل، وأطعمن فيها حتى إن تزاحمن في بعض الأحيان حول «كصعة» واحدة.. وتبدي ساكنة ديور المحاريك بحي يعقوب المنصور سعادتها من كون المنزل الذي يأوي المريضات يوجد وسط حيهم، وصاحبته جارتهم قضت عمرها كله بينهم، ويشدون على أن حيهم بات منذ سنوات يحتضن أهم «وقف» اجتماعي في المدينة، ولا يدخرون جهدا في تقديم مساعدة للنساء اللواتي يأتين من مناطق بعيدة ونائية من أجل الاستفادة من الإيواء والأكل.. وسبق للحاجة أن أكدت أنها في أحيان كثيرة لما تعجز عن توفير ما يسد رمق المريضات تلجأ إلى جيرانها، أو يسوق الله عز وجل إليها محسنا يضع دعما عينيا أمام باب «الدار» دون أن تعلم من أحضره.. ومن أرقى المشاهد التي تعبر عن مدى ارتباط ساكنة الحي ب»الدار»، أن بابها تبقى مفتوحة طول النهار وأحيانا في الليل دون أن يحصل مكروه، وفي بعض المرات تترك بعضا من الأواني في الحديقة أو عند الباب دون أن تتعرض للسرقة. وفي هذا الصدد، تؤكد الحاجة أن عددا من جيرانها وساكنة الحي يعرضون خدماتهم بين الفينة والأخرى دون مقابل، وتقول إنه يكفي أن توافق على طلب المساعدة أو تبدي أنها في حاجة إلى من يتعاون معها.. وتفيد الإحصاءات الخاصة بالجمعية، أن معدل النساء اللواتي يستفدن كل يوم من خدمات «الدار» أو بالأحرى من جمعية جنات يتراوح بين الثلاثين والأربعين امرأة، وتؤكد الإحصاءات الخاصة بشهر مارس الماضي، أن ما مجموعه 62 امرأة استفادت من الإيواء إما بشكل يومي أو متقطع وحتى مرة واحدة فقط، وبلغ العدد في شهر فبراير حوالي 52 امرأة، ووصل إلى 64 مريضة في شهر يناير، هذا فضلا عن عدد المرافقات (غالبا يكون نفس عدد المريضات) من أفراد العائلة الذين يدبرن شؤون المريضة في سفرها وأثناء مدة علاجها في المستشفى. وتمكن المعطيات الخاصة، من دراسة نسبة الإصابة بكل نوع المرض، على سبيل المثال، جاء سرطان الثدي في مقدمة أنواع المرض الذي تحمله مريضات «الدار» بحوالي 26 إصابة، يليها سرطان الرحم بنحو 12 مريضة، ثم سرطان الأمعاء بخمس إصابات، بينما تراوح عدد المصابات بسرطان العنق وتحت الإبط والمعدة وسرطان الرأس والعظم والأرجل والفم بين مريضة واحدة أو اثنتين. الحلقة القادمة: رحلة المستشفى