ليس بوسعها أن تقدم لهم الأدوية التي يتطلبها العلاج من داء السرطان، ولا تستطيع أن تمنحهم مالا يساعدهم على تجاوز مصاريف التنقل من أماكن بعيدة وتوفير الحاجيات والمتطلبات، فهي بإمكانها توفير الأكل وترتيب فضاء النوم ليكون أكثر راحة فقط.. بدأت تبحث عن عمل يكون قيمته أكبر لدى المرضى، رغم أن ما تمنحه وما تقوم به لا يقدر بثمن، إذ لولا تسخير الله لها تقديم منزلها لاستقبال المرضى لاستمرت معاناة المئات من المصابات بداء السرطان.. وذات يوم، تذكرت أن لها ملابس كثيرة تستعملها في تزيين العرائس، و»عمارية» كبيرة تضعها وسط الصالة في الطابق الأول، فجعلت كل ذلك في متناول ضيوفها.. خديجة تلك المرأة التي تعيش من أجل أن تعيش كل نساء المغرب التي تعاني مع داء السرطان، تتنفس الهواء لتساعد على تنفيس كرب المألومات، ولا تأكل إلا بعد يأكلن ولا تنام إلا بعد أن تتأكد أنهن جميعا في راحة.. وتصعد إلى حيث تستقبلهن مرات ومرات في اليوم من أجل التأكد من حالتهم الصحية وأنهم لا يحتجن إلى شيء.. تقول إنها «تسعى إلى توفير جو من المرح في المنزل يساعد المريضات على الترويح عن نفسهن». فبعد أن تعود كل النساء من المستشفى وتناولهن وجبة الغذاء، وأخذ قيلولة للتخلص من التعب، يحين موعد الحفل الذي تنظمه خديجة يوميا على شرف ضيوفها دون ملل ولا تعب.. تتحولق النساء في دائرة كبيرة، وتتقدم إحداهن لتشرع أخريات في تزيينها بعد أن يلبسنها لباس العرائس، فتتعالى أصواتهن بالزغاريد والأهازيج الغنائية فرحا بالمريضة التي تلعب دور العروسة. ويستمر الحفل ساعات حيث يتم تقديم الحلوى وأشهى المأكولا المغربية الأصيلة في «كصعة» كبيرة.. وتجلس «العروسة» على العمارية وسط اتبهاج صديقاتها، ثم تبدأ في تلقي التهاني من الحاضرين. المتأمل في الحفل يكتشف أن الحفل أشبه بعرس حقيقي، لا شيء يوحي أن العروس تلعب دورا فقط، ورغم حقيقة هذا العرس فإن المريضات ينسين مدة من الزمن أنهن يعانين مع مرض عضال، وترسم على محياهن ابتسامة كبيرة بعد الحزن الذي ينتابهن يوميا كل صباح عند زيارة مستشفى مولاي عبد الله. ما يوفره منزل خديجة من جو عائلي للمرضى ينسيهم التعب والحزب والألم، جعل العشرات من النساء المصابات بالمرض يجدن صعوبة كبيرة في مغادرته عندما يأتي موعد عودتهن إلى مقر سكناهم بالمدن البعيدة، بعد أن تنتهي مرحلة علاجهن، وحسب مريضات، فإنهن يفضلن أن يبقين في المنزل حتى مماتهم نظرا لما يوفره من خدمات وما يخلقه من فرح وسرور لولا أن هناك نساء يعانين أكثر منهن مع المرض يحتجن إلى موضعهن كي يرتحن قليلا.. الحلقة القادمة: رجال السلطة يدعون خديجة إلى تنظيم مشروعها