بعد أن وهبت كل منزلها بطوابقه الثلاثة إلى مرضى السرطان من النساء، لم يبق لخديجة إلا فضاء ضيق أسفل المنزل لتستقر فيه إلى أن تلقى ربها، فقد جعلت من ذلك الفضاء «الضيق» مطبخا لطهي الطعام للمرضى وموضعا لوضع أغراضها ومكانا لاجتماع عدد من النساء المتطوعات اللواتي يشتغلن معها في تزيين العرائس، حيث يقمن بالمساعدة في الطهي وترتيب المنزل واستقبال المريضات اللواتي يأتين زوال كل يوم، قبل أن يصطفن في المساء في انتظار من ترغب في نقش يديها بالحناء.. تقول خديجة، إن هؤلاء النساء تطوعن في سبيل الله من أجل مساعدتها في أعمال الاستقبال والإعداد، وبعضهن يسكن معها في أسفل المنزل، وتضيف أنهن جميعا ماهرات في نقش اليدين والرجلين بالحناء.. أحيانا كثيرة لا تجد خديجة المال الكافي لإطعام ضيوفها الذين يتراوح عددهم يوميا بين 30 و40 امرأة، لكن بفضل المدخول الذي يذره النقش بالحناء يمكن توفير قدر من الطعام لسد الرمق، حيث تؤكد أن ثمن النقش بالحناء هو 80 درهم، نصف المبلغ يعود إليها والنصف الآخر تأخذه من قامت بالنقش. وحسب إفادات عدد من ساكنة يعقوب المنصور، فإن نساء الحي يحرصن عل النقش بالحناء في منزل خديجة، لأنهن يعلمن أن المبلغ الذي يؤدينه يساهم في إطعام المصابات بداء السرطان، بل أكد البعض أن هناك عددا من النساء يعادون النقش بشكل راتب من أجل المساهمة في العمل الخيري الذي تقدمه خديجة، التي باتت من أكثر النساء شهرة في كل العاصمة الرباط. في مستشفى مولاي عبد الله، كل الأطباء والممرضين يعرفون خديجة، ويدعون كل سيدة قادمة من مناطق بعيدة أو نائية من المملكة التوجه إلى «الدار الكبيرة»، وأصبح سائقو الطاكسي مع توالي الأيام يحفظون «دار الحاجة» يكفي أن يسمعوا طلب الراكب.. هو منزل شامخ وسط عاصمة المملكة، بمثابة جنة بالنسبة للمصابات بداء السرطان، ذلك المرض الفتاك الذي يتطلب المداومة على زيارة مستشفى مولاي عبد الله لإجراء التحاليل، كما يحتاج المريض إلى عناية بالغة من أسرته وأقاربه من أجل الترويح عن النفس والحفاظ على معنويات مرتفعة.. كما يتطلب الشفاء منهن وقتا طويلا من التطبيب، وما يتطلبه ذلك من إمكانيات مادية كبيرة ترهق كاهل الأسرة التي يوجد بينها المريض، فضلا عن المسافة الكبيرة التي قد يقطعها كل مريض بغية الوصول إلى المستشفى الكائن بالعاصمة، سواء كان المريض مقيما في أقصى الشرق أو الغرب، أو منحدر من الأقاليم الجنوبية. الحلقة القادمة: أجواء المرح والترويح عن المرضى