كانت للجملة التي سمعتها خديجة من أحد الذين شاركوا في دفن زوجها « رجع الأحباب والمال وبقي العمل وحده» بالغ الأثر في نفسها، فقد جعلتها تبحث عن «عمل» تلقى به ربها يكون شفيعا لها يوم القيامة.. مرت أيام، وذات نهار قبل أن تكمل خديجة العدة، زارتها أختها التي كانت مصابة هي الأخرى بداء السرطان في فترة الزوال، قادمة من مستشفى مولاي عبد الله لداء السرطان بالرباط، لا يبعد كثيرا عن منزلها، وبمجرد تبادل السلام شرعت الأخت في البكاء وشحب لونها أكثر مما كان وبدأت تنظر النظرة التائهة في اتجاه خديجة، قبل أن تحدثها عن حال نساء لا رحيم لهم تركتهم ورائها في المستشفى، ليس لهم محل يبيتون فيه ولا قريب ينزلون إليه.. تؤكد خديجة، أن ما قالته أختها في وصف النساء حز في نفسها وجعلها تسأل أختها «لماذا لم تحضريهم معك؟» ردت «لا يمكن، تعلمين أن زوجي سيرفض ذلك» خديجة تقول «لا، أنا قلت أن تحضريهم معك لمنزلي..»، فردت الأخت «رغم حالتهم المزرية، لا يمكن اصطحابهن إلى المنزل لأننا لا نعرفهم، قد يذبحونك..». وبعد تناول وجبة الغذاء ومغادرة أختها لها، لم تتمالك خديجة نفسها فذهبت إلى المستشفى، هناك وجدت النساء اللواتي سمعت عنهن يجلسن داخل المستشفى وهن يبكين بشدى، وإحداهن تحمل طفلا صغيرا بين يديها. خاطبتهن وأخبرتهن أنها ستأخذهن إلى محسنة (فاعلة خير) كي تستضيفهن، فلبوا دعوتها ورافقنها إلى منزلها وهن لا يتوقعن أن تكون خديجة هي صاحبة المنزل. نزلن بالمنزل طيلة النهار، غير أنهن لم يستطعن أن يتخلصن من حالة التوثر، فقد كن ينتظرن في أية لحظة قدوم صاحبة المنزل للتعرف عليها.. تقول خديجة، إنها لاحظت أثر التوثر على وجه النساء اللواتي ينحدرن من جنوب المملكة، فأكدت لهن أنها من تملك المنزل. ما قالته خديجة أفرج النساء اللواتي ارتحن لها كثيرا، واستطاعت أن تزيل الخوف والحيرة من قلوبهن.. كانت هذه الخطوة ، بداية للعمل الذي ستشرع في القيام به، فقد قررت أن تفتح باب منزلها في وجه النساء المصابات بداء السرطان اللواتي يأتين من مناطق بعيدة من المغرب إلى مستشفى مولا عبد الله، كي يجرين التحليلات الطبية، ويحتجن أن يظلن في الرباط أياما قد تكون طويلة.. قدمت منزلها في سبيل الله، وجعلت بابه مفتوحا طوال النهار، وبدأت رحلة طويلة كل يوم، حيث تذهب في الصباح الباكر إلى المستشفى بحثا عن النساء المريضات اللواتي يحتجن إلى مكان للمبيت والطعام.. الحلقة القادمة:خديجة تعطي لأبنائها حقهم في المنزل