قدمت خديجة منزلها في سبيل الله، وجعلت بابه مفتوحا طوال النهار، وبدأت رحلة طويلة كل يوم، حيث تذهب في الصباح الباكر إلى المستشفى بحثا عن النساء المريضات اللواتي يحتجن إلى مكان للمبيت والطعام.. أصبح المنزل يعج بالنساء يوميا، وبدأت الحركة تدب في كل غرفه، فهناك من النساء من لا تقوى على الجلوس وتحتاج فقط إلى النوم، وهناك من يفضلن الاجتماع في حلقة لتروي كل واحدة منهن مآسيها ومعاناتها مع المرض العضال، وهناك من تختار الانزواء في زاوية من الغرفة دون أن تحدث أحدا.. جعلت خديجة الطابق الثاني من المنزل للمرافقات اللواتي يصطحبن المريضات إلى المستشفى قبل أن ينزلن في المنزل للراحة وتناول الطعام، يكن غالبا إما من الأبناء أو الأمهات.. وتسعى خديجة يوميا إلى إعداد الطعام مما يتوفر لها من النقود، لا تأكل قبل أن تأكل كل المريضات، وأحيانا كثيرة لا يبقى لها ما تأكله فتلجأ إلى الخبز الحافي، كما أكد مقربون منها، ولا تنام إلا بعد أن تسترخي كل النساء.. تقول خديجة إنها فكرت طويلا في المنزل الذي قدمته في سبيل الله، لأنه ليس في ملكيتها وحدها، أبنائها لهم نصيب فيه.. لم يستمر الحال على ذلك إلا أياما معدودة قبل أن تجمع خديجة أبنائها وتحدثهم في المشروع الذي انخرطت فيه، وتمنح كل واحد نصيبه من المنزل كي يبقى في ملكيتها وحدها.. فوافقوا وبقي المنزل ملكا لكل من يعاني مع مرض السرطان من النساء القادمات من مدن بعيدة. بعد أن أصبح المنزل في ملكية خديجة لوحدها، تؤكد أنه انتابها إحساس جميل، فانطلقت إلى إعادة ترتيب المنزل كي يصبح قادرا على استقبال أعداد كبيرة من الضيوف، وتحقيق راحة أكبر.. هيأت خديجة الطابق الأول ليكون فضاء لتنظيم حفلات، حيث وضعت جهة اليمين من الباب جميع الفساتين التي تتوفر عليها وتحتاجها في عملها «نكافة لتزيين العرائس، كي تكون في متناول كل من ينزل بمنزلها، وجعلت وسط الصالة الكبيرة «عمارية» التي تجلس عليها العرائس.. وهيأت الطابق الثاني لاستقبال المرافقات، إذ جعلته قادرا على استيعاب أكبر عدد منهن.. وجعلت الطابق الثالث فضاء خاصا بالمريضات، حيث اختارت أن تبقى كل المريضات في مكان واحد، وحرصت أن تخلق لهم كل يوما جوا احتفاليا ينسيهن المرض. بعد أن حرصت خديجة على جعل كل ما تملكه من أثاث في متناول الجميع، وبعد تهييء كل زوايا المنزل بطوابقه الثلاثة لأداء دور محدد، احتفظت ب»غرفة النوم» التي كانت تجمعها مع زوجها المرحوم، قبل أن تجعلها مسجدا للصلاة؛ حددت القبلة ووضعت زربية كبيرة على الأرض، وأصبحت الغرفة –أي المسجد- مكانا لأداء الصلاة. ثم اختارت مكانا أسفل المنزل لنفسها إلى أن تلقى ربها.. الحلقة القادمة: المكان الذي تبيت فيه خديجة.