أدلى رئيس نظام العصابة الحاكمة في الجزائر في آخر خرجة له بتصريحات لصحيفة لوبنيون الفرنسية لا يهمنا منها ما يتعلق برغبته في تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتودد إليها بشعار "لا مشكل لنا مع إسرائيل" ولا تملقه للرئيس الأمريكي ترامب واعتبار ترحيله لمئات من المواطنين الجزائريين أمرا قانونيا، وكذا اعتبار ما صرح به ترامب من فرض تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى مجرد سوء فهم لتصريحات ترامب فهو " لا يعني الساكنة الفلسطينية المدعومة دوما من أوروبا والعالم العربي وإفريقيا…"؟؟؟ ولن نتطرق حتى إلى ما يضمره خطابه ورسائله من انبطاح وتقديم التنازلات وفروض الطاعة والولاء للغرب وتوسل العطف، لأن أمر هذا الهوان والتدبير البئيس للعلاقات الدولية يعني الشعب الجزائري ومؤسسات دولته واختياراته السيادية، ولا يعنينا في شيء، وإنما الذي يعنينا بالدرجة الأولى استمرار تبون العصابة في تصعيد هجومه ضد بلادنا وضد وحدتنا الترابية، ومعاكسة روح التوافق الدولي على مسارات الحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فالتبون هذا بينما يجد حلا لكل التوترات الدولية في مساعيه للتهدئة والتفهم والتأويل الإيجابي لمواقف ترامب، لا يرى أي حل لقضية مفتعلة عمرت نصف قرن، إلا بمواصلة النهج العدواني الفاشل نفسه في محاولة تمزيق التراب الوطني المغربي وفصل أقاليمه الجنوبية. فرنسا ومعها إسبانيا وباقي الدول الوازنة القريبة من ملف هذا النزاع باعتبارهما من القوى الاستعمارية القديمة التي رسمت خرائط التمزيق والتقسيم في المنطقة، أدركتا استحالة المضي في الطريق المسدود، واعترفتا للمغرب بسيادته على أقاليمه الصحراوية الجنوبية، وأنهتا عقودا من الغموض والابتزاز الذي كانت الجزائر شريكة لهما في افتعاله واختلاقه ومعاكسة المغرب به… وإذ بقيت الجزائر وحيدة دون سند في تحمل عواقب هذه الجريمة، تسعى عصابتها الحاكمة وعلى رأسها هذا التبون إلى استعمال كل وسائل الضغط والمساومة، بما فيها تهديد مصالح الدول والتلميح بمزيد من الاستجابة لطلبيات ميليشيا البوليساريو بالإمداد بالأسلحة والعتاد الحربي. كشف التبون عن أن التوتر مع فرنسا هو بسبب من موقفها السيادي القاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، وأنه مع استدامة النزاع لا حله، وأن التربح منه وتقاسم الأرباح بين الجزائروفرنسا وغيرها من الدول المتعاقدة مع الجزائر على هذا الملف/ البضاعة هو الوضع الطبيعي الذي تضمنه تحذير التبون لماكرون من التراجع عنه أو الاعتراف للمغرب بسيادته على هذا الإقليم الصحراوي المستهدف بالتقسيم والفصل عن وطنه وبلده وتاريخه…فالسعار الذي أصاب العصابة الحاكمة في الجزائر بعد الإعلان الفرنسي الرسمي عن قرار الاعتراف بمغربية الصحراء في العبارة التاريخية الشهيرة التي انتقاها الرئيس ماكرون بعناية فائقة، ورددتها فرنسا في وثائقها وتصريحاتها الرسمية ووسائلها الإعلامية وعملت على تنزيلها في الواقع وفي الشراكات والمؤسسات والعلاقات الدولية، وهي العبارة الحاسمة القائلة "إن حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكنهما أن يكونا إلا في إطار السيادة المغربية" انتهى الكلام. ومع ذلك يصر التبون على مغالطاته عن طريق استعمال طرق ثلاث تتنوع في خطابه وتتدرج هي التحذير تارة، ثم الانتقال إلى التهديد في مرحلة ثانية، ثم التوسل والاستعطاف في مرحلة لاحقة. ورغم أن المسار الفرنسي مثل المسار الإسباني والمسار الأمريكي والمسارات الأخرى لدول وازنة قادمة إلى المغرب بنظارة الصحراء المغربية، قد تم قطع مراحل شاقة ومضنية، سيكولوجية بالخصوص، وإنجاز مراجعات دقيقة للوصول إليها وبلوغ ما بلغته من نضج ودعم مؤسساتي وشعبي داخل بلدانها، كما أنها تلتقي كلها عند رغبة المجتمع الدولي في إنهاء هذا النزاع في إطار الاحترام التام للوحدة الترابية للمغرب وسيادته التي لا تقبل الابتزاز أو المساومة، فإن التبون لا يزال يطمع في المستحيل المتمثل في نكوص هذه البلدان وعلى رأسها فرنسا إلى ماضيها مع العصابة، وعودة الدفء إلى سرير الأحلام المجهضة بتقسيم المغرب ورؤيته ممزقا طريدا بين الدول. سيستفيق التبون بعد حواره وتصريحاته البهلوانية هذه، على مشهد أنه ينفخ في قربة مثقوبة، وأن الأمر الذي يحذر منه ويهدد به قد قضي فيه بما لا يرضيه، ويتوسل في الأخير عودة غير ممكنة إلى العلاقات الطبيعية بين العصابة الجامدة والدول التي قطعت أشواطا في ترميم ما أفسدته هذه العصابة. أما تلويح التبون في تصريحه المذكور إلى التهديد بتسليح ميليشيا البوليساريو، وكأن عصابته الحاكمة لم تفعل ذلك طيلة خمسين سنة على بلاغاتها الحربية وعلى دك معاقل العدو المغربي، فهو إخفاء مفضوح لأمر واقع يعرفه القاصي والداني من استعراضات بوليساريو لأسلحة الجزائر في ضرب المغرب، وتصريحاتها اليومية عما تسميه بحصاد ساحات الوغى. فقد وصلت الرسالة بأن العصابة سائرة إلى مزيد من تسليح وتدريب وتمكين ميليشيات الانفصال والإرهاب من كل أسباب إشعال المنطقة فتنة ورعبا وعنفا، وتهديد أمن كل الدول المحيطة أو الصديقة أو الشريكة التي ترفض منطق الابتزاز والمؤامرة والتدخل في مصالحها وشؤونها السيادية. كان المغرب وحده طيلة خمسين سنة من العدوان المتواصل عليه من يواجه بمفرده ورثة الاستعمار في المنطقة ودولة التوسع الجغرافي، وعصابة السرقة والنهب للأراضي والثروات والتراث والتاريخ والحضارة، وها هي كل الدول التي تتعامل مع العصابة أو سبق لها التورط معها في هذا العدوان تدرك أنه لم يعد في الإمكان إضاعة الوقت ومعه فرص التنمية والسلام والاستقرار والأمن والطمأنينة بل والربح المتبادل والمصالح المشتركة والمشاريع المنتجة والواعدة، في سبيل تحقيق حلم بئيس مستحيل بهزيمة المغرب الشريف والنبيل سواء في ميدان الحرب أو ميدان السلام، فليختر التبون أي ميدان للمعركة الفاصلة بوجه مكشوف، وليس بالتمترس خلف شعب بوليساريو ومظلمة جمهورية الوهم التي صنعتها عصابته، وسيجد المغربَ الجديدَ هذه المرة في مستوى تطلعاته لقطع دابره ودابر كل من سولت له نفسه المساس بشبر من ترابنا الوطني، أما التهديدات والسعار والعواء والتحرش بالدول الصديقة والشريكة للمغرب، فحسبنا منها ما تنتهي إليه من خنوع وخضوع وانبطاح وتوسل لا يليق برئيس دولة تزعم أنها قوة ضاربة، وهي تتلقى الضربات من كل جهة وفي كل خطوة وحين، وتكتفي ببلاغ مدفوع الثمن على شكل حوار بئيس في صحيفة لن يزيد العصابة وتبونها ودولتها إلا تخبطا وعزلة وغرابة وكوميديا ساخرة في الساحة الدولية. لقد قالتها فرنسا بكل الجدية اللازمة، وانتهت من الموضوع الذي يستفتي فيه تبون: " إن حاضر الصحراء ومستقبلها لا يمكن أن يكونا إلا تحت السيادة المغربية"، فمتى يفهم التبون وعصابته في العالم الآخر أن التاريخ خلَّفَهم يتامى وراءه، ولا يمكن أن يلتفت إليهم إلا على سبيل النكتة أو البسط وسماع أصوات منقرضة قادمة من زمن أحمق وغابر.