في كل لقاء أو خرجة إعلامية للرئيس المعين من قبل العصابة الحاكمة في الجزائر، يكون العالم المهتم بتطورات وتحورات الظاهرة المرضية الجزائرية، على موعد مع مشاهد ساخرة وبهلوانية منقطعة النظير، خصوصا وأنها تصدر عن شخص يحتل موقعا سياسيا ساميا في هرم ما يفارض أن يكون دولة محترمة ومسؤولة وتتمتع بالمصداقية والجدية باحترامها عقول رعاياها وذكاء المتابعين والمهتمين من سائر دول المعمور. في خرجته الأخيرة بقناة "الجزيرة" الفضائية، المؤرخة في نهاية شهر شعبان وبداية رمضان، لخص الرئيس المعين بكل ما أوتي من قوة الإضحاك والتنكر في ثوب البهلوان، ما تفرق في أحاديثه وتصريحاته القديمة والجديدة بشأن البطولات الوهمية للعصابة ولديبلوماسيتها البئيسة والعجيبة في علاقتها بملف الصحراء المغربية؛ الملف الوحيد والأوحد الذي تطوف به أرجاء المنطقة والعالم، وتنفق عليه الغالي والنفيس دون أن تصل به إلى أي هدف من أهدافها في كسر المغرب وضرب أمنه واستقراره ووحدته الترابية، ومن ثمة الهيمنة على شعوب المنطقة وخدمة الاستعمار. في هذه الخرجة الإعلامية على قناة الجزيرة أعادت تركيز وتكثيف مضامين ودلالات الخرجات والتصريحات السابقة لهذا التبون، وأهم ما ركزته وكثفته وثبتته في أذهان المتابعين من داخل الجزائر ومن خارجها، من عامة الناس وبسطائهم ومن خاصتهم وصفوتهم أن التبون لا يكف عن إبهار الجميع بقدراته الخارقة على الجمع بين الرأي وضده والموقف وخلافه، وعن تطعيم أحاديثه بمعلومات خاطئة من وحي الخيال وبمعطيات مختلقة ومزيفة وكاذبة، مع إظهارها في مظهر الدليل والشاهد والواقع الدامغ… معتقدا أن كثرة تكرار هذه المعلومات المزيفة في مختلف السياقات والميادين، من شأنه أن يثبتها ويفرضها ويمنحها مصداقية عبر أساليب لغوية وخطابية حاسمة ومطلقة وقطعية من مثل "أن الأمر… هكذا هو، أحب من أحب وكره من كره". وكلما استمر الإسهال في الكلام وطاب الجلوس إلى الميكروفون والشاشة والأضواء، خصوصا مع محاورين لا يكفون عن إبداء الإعجاب والإطراء والتملق، انتفخ التبون وخبط برجليه وتاه في غابة الأخطاء التي يقذف بها ذات اليمين وذات الشمال. ولأن هذا الوضع المَرَضي الجزائري في صناعة عالم وهمي وافتراضي أليف يسمح بالإقامة فيه والاغتراب فيه، وجعله موازيا وبديلا للعالم الواقعي والقائم، صار مزمنا ومستحكما، فإن كثيرا من الهيئات والشخصيات والدول المعنية بالقصف التبوني والكذب عليها، لا تولي أدنى اهتمام للرد على ما تأكدت أنه حماقات ظاهرة للعيان وأوهام مختلقة يصون العقلاء خطاباتهم وألسنتهم وأعمالهم عن مناوشاتها وعبث ولا جدوى الرد عليها. حوار التبون مع بنقنة على شاشة الجزيرة أشبه بمونولوغ داخلي يَكذب ويصدق كذبته الصلعاء، يسأل ويجيب، ينفي ما هو ثابت وقائم موجود، ويثبت ما هو منفي وفي حكم العدم، ولأن هذه الأكاذيب والحماقات والتناقضات هي بعدد العبارات المهلهلة التي نطق بها خصوصا في شأن لا يهمه هو شأن السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية للمملكة، فإننا نكتفي منها بإنكاره التام أن تكون دولة في العالم قد اعترفت بمغربية الصحراء، واعتباره ما استدركته عليه الصحفية المحاورة من إشارة إلى افتتاح عدد من الدول لقنصلياتها في مدن الصحراء المغربية كدليل واقعي وعملي وميداني على الاعتراف بمغربية الصحراء، أنكر التبون هذا الواقع الدامغ واعتبر الأمر كما سماه مجرد "فولكلور ديبلوماسي"، أي مجرد بهرجة فارغة وفرقعة في الهواء، والحال أنه لا أحسن من الاعتراف والتعبير عن سيادة بلد ما على أرضها من إقامة هذه الصروح الديبلوماسية والقنصلية. وليعتبرها التبون بهرجة فولكلورية ووهمية كما هي في دماغه وخياله، فإنها في الواقع خير مثال على استتباب الأمن للمغرب في صحرائه وتتابع دعم الدول لمواقفه قولا وعملا، هذا فضلا عن أن التبون وهو يقصف هذا "الفولكلور الديبلوماسي" بقفشاته وغمزاته ولمزاته ونفثات صدره، تناسى أنه وهو يقصد الإساءة إلى المغرب وتسفيه هذا المنجز الديبلوماسي للخارجية المغربية في إقناع الدول الشقيقة والصديقة بافتتاح قنصلياتها بالعيون والداخلة، قد أساء من حيث لا يعلم إلى الدول الكبرى والوازنة التي اعترفت بمغربية الصحراء أو افتتحت قنصلياتها بها، بالسخرية من قراراتها السيادية المسؤولة وبتحقير عملها الديبلوماسي ووصفه بالفولكلور والبهرجة. كل المجموعة العربية وأغلبية دول العالم هي مع المغرب قلبا وقالبا في إعماره لصحرائه وتثبيت مؤسسات سيادته بها، بما فيها المؤسسات الديبلوماسية الخارجية التي سماها التبون بالفولكلور، والتي أنكر أن تكون دليل اعتراف بمغربية الصحراء، وأنكر حتى قرارات وتأكيدات الدول هذا الاعتراف من خطبها في المنابر الأممية ومن قراراتها الممهورة بالتوقيع والمدموغة بالختم. وإذا كان هذا الوضع الإنكاري الشاطب والملغي للواقع لصالح الوهم، غريبا عن عالم العقلاء والحكماء ورجال الدولة المؤتمنين على سمعة بلادهم وسياستهم، فإنه لا يستغرب أن يصدر عن حمقى وأغبياء ومعربدين ممن تدور بهم الرؤوس والكؤوس في كل الاتجاهات… إن دولة بأجهزتها الكاذبة ومؤسساتها المزورة وقياداتها الفاسدة والمجرمة، والتي تلفق الأخبار الكاذبة يوميا ضد المغرب وتزور الحقائق التاريخية والجغرافية لكي تؤسس لأوهام عظمتها وهيمنتها في المنطقة، لا يمكننا أن نسألها ولا أن نسأل رئيسها المعين في حوار إعلامي عن الموقف من الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء وفتح القنصليات الأجنبية بها، لأنه قبل سؤال هذه الدولة أو هذا الرئيس عن حكم اعتراف الدول بمغربية الصحراء، ينبغي سؤالها أو سؤاله أولا: هل ثمة اعتراف أصلا بوجود هذه الدول؟؟؟ فالتبون الذي رأى قنصليات الدول تفتتح بالعيون والداخلة في الصحراء المغربية، لم ينكر بالفعل هذا الحدث، وإنما أنكر شرعية هذه الدول باعتبارها عنده مجرد ظاهرة فولكلورية وبهرجة تتشبه بالدولة في قراراتها المسؤولة والجادة. ليس أحق باسم الظاهرة الفولكلورية من هذا التبون الذي يخرجه نظام العسكر كلما طُرح عليهم سؤال الديموقراطية والتنمية والحقوق والحريات وسؤال الدولة المدنية، لخلط الأوراق، وللسخرية من المطالب الشعبية وتحريفها بوهم الدولة الضاربة والقاهرة التي لا قبل للعالم بها وفي الآن الدولة المستضعفة المتآمر عليها والمستهدفة حتى من قبل أصغر دولة في هذا العالم، والتصريح بأن لا دولة تعترف بمغربية الصحراء، وفي الآن نفسه الصراخ والعويل والسعار وقطع العلاقات والتهديد بالحرب والاستفزاز لأن المغرب نجح في توسيع قاعدة اعتراف دول المعمور، وفي العالمين العربي والإفريقي خاصة، بسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية الجنوبية. فليكْفُر التبون أو ليؤمِن بواقع ومصداقية تزايد الاعترافات الدامغة بمغربية الصحراء وافتتاح القنصليات الأجنبية بها، وليصفها بالفلكلور أو بمجرد الغناء والرقص والاحتفال والمهرجان والبهرجة، فإن وصفه أو كفره وإيمانه لن يزيدا المغرب أو ينقصاه شيئا مما يمضي في طريقه لكسب تعاطف وتضامن ودعم الدول الشقيقة والصديقة المحبة للخير والعدل والصدق، والمستثمرة لكل أشكال التعاطف والدعم للمغرب فوق تراب الصحراء المغربية بما فيها الاستثمار الرمزي والسياسي للقنصليات والمراكز الثقافية والبعثات الأجنبية من أجل الدفع قدما بالحل السلمي والسياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، الذي يأبى التبون وجماعته وأزلامه ومن خلفه من رجال العصابة إلا أن يستديموه بالقدر الذي يستديمون به كراسيهم ويعزلون به الجزائر عن محيطها وعن الحقائق والوقائع بجوارها.