عطش مازال في كامل نهمه وفتوته رغم المجازر السابقة في دير ياسين، وكفر قاسم، وصبرا وشاتيلا، وجنين، وغزة سابقا وغزة الآن، وانبعاث دائم لعقدة الهولوكوست من رماد ذاكرتها لتشتعل من جديد في الجسد الفلسطيني. وفي الوقت الذي تفوح فيه رائحة الموت في غزة، عبر خرق واضح لاتفاقية جنيف تلك التي وقعتها إسرائيل والتي من بين بنودها عدم المس بالأطفال والشيوخ والمساجد والآثار، وتنكشف سماء فلسطين لتُستباح لكل عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، إما عمدا أو خطأ. تتعالى أصوات الإعلام العربي بتمطيط بلاغي وسجعي يحمل بين ثناياه عظمة الأماني وقوة التفاؤل، ليؤكد أن غزة منتصرة وتلقن إسرائيل دروسا في القتال والجهاد وستردهم على الأعقاب مدحورين خائبين وستُغرقهم في وحل الهزيمة وليعلن الهزيمة التاريخية والأخلاقية والنفسية لإسرائيل. ومن قال إن إسرائيل تأبه بما يقوله العالم في حقها أو تهتم إن تم نعتها بمجرمة حرب أو بالانحطاط الأخلاقي أو تخشى أن تتدهور شعبيتها أمام الرأي العام الإسرائيلي أو الغربي، همها فقط، تثبيت كيانها الصهيوني بأي طريقة كانت، ويؤكد الروائي الإسرائيلي «عموس عوز» هذه الحقيقة القذرة حين يقول:» فما العيب أن يكون لكل دولة سجل إجرامي، إن كل الدول الكبرى لها مثل هذا السجل وأصبحت الآن دولة محترمة ومتحضرة ونسيت ماضيها الإجرامي القديم». صحيح أن المقاومة الفلسطينية صامدة، وأبانت على مر ستين سنة مضت عن بسالتها وقدرتها على الإصرار والتحدي، لكن أمام هذه البسالة، هناك حشد هائل من مبتوري الذراع والسيقان وجثت الأطفال الرضع المرصوصة وأطلال البيوت المحترقة بشكل تقشعر له الأبدان وتنفطر له القلوب، ولا يهم إسرائيل أكوام النعوت القدحية التي تُصوب نحوها من طرف الإعلام العربي، ما يهمها «لعق ما تبقى في الصحون»، وهو عنوان عملية حربية قامت بها إسرائيل بالخليل منذ خمس سنوات، أي التهام ما تبقى من فتات الفلسطينيين. لكن، وهي تلعق بشراهتها الدموية هذا الجسد الفلسطيني الغض، نسيت أو تناست أن مشاهد الدماء الفلسطينية التي تُستباح بغزارة أمام مرأى العالم بشكل يُندى له الجبين، سوف تنحت في ذاكرة أطفالنا وشبابنا، ولن تفرخ سوى المزيد من الحقد والكراهية في نفوسهم، وأن إبادتها العلنية المزعومة لهذا «الإرهاب الحماسي» نسبة إلى حماس، لن تصنع من أجسادهم الطرية سوى المزيد من القنابل البشرية القابلة للانفجار في أي وقت وفي أي مكان. [email protected]