في الخامس عشر من ماي، وصل عشرات الحكام الغربيين وعلى رأسهم جورج بوش إلى إسرائيل للاحتفال بالذكرى الستين لإعلان «استقلال» هذا البلد. هذا التخليد هو عملية حقيقية لتبييض التاريخ، إنها محاولة لإنكار ومحو النكبة الفلسطينية، وتهجير 750 ألف شخص، ومذابح دير ياسين قرب القدس وتنتورة قرب حيفا ودوايمة قرب عبرون عام 1948، ثم مذبحة كفر قاسم عام 1956 والتهجير الثاني بمناسبة حرب 1967 الذي خرج فيه 300 ألف فلسطيني من ديارهم ووطنهم. إن الغرب بإعطائه المشروعية لهذا الظلم إنما يريد أن يكفر عن تورطه في الهولوكوست وعن صمته وتواطئه في تهجير وقتل ملايين اليهود الأبرياء، وهو تهجير ومذابح غض عنه الطرف تقريبا جميع المسؤولين الأوربيين آنذاك أما الشعب الفلسطيني فهو بريء لا يد له في تلك الهولوكوست. في الثامن عشر من يوليوز 1948، قال الوزير الأول الإسرائيلي دافيد بنغوريون (1886-1973): «لو كنت حاكما عربيا فلن أوقع أبدا أي اتفاقية مع إسرائيل. هذا طبيعي، لقد أخذنا بلدهم وهنا معاداة السامية والنازية وهتلر وأوشويتز، لكن هل كان هذا ذنبهم؟ إنهم لا يرون سوى شيء واحد وهو أننا جئنا وسرقنا أرضهم. لماذا سيكون عليهم أن يتقبلوا هذا؟» هذا الكلام الذي يبدو أن مسؤولي حماس قد تمعنوه جيدا وأن المسؤولين الغربيين الذين ذهبوا إلى إسرائيل للاحتفال جهرا بهذا الظلم قد تجاهلوه وتستروا عليه، شأنهم في ذلك شأن محمود عباس وتقريبا جميع الحكام العرب. وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني في غزة من حصار لا إنساني، والجيش الإسرائيلي يقتل بلا مبالاة النساء والرضع والأطفال والشباب والشيوخ وسط صمت مطبق من هذا الغرب ذاته، ورغم ذلك فإنه لم يسبق أن كانت إسرائيل في موقف سيئ كهذا الذي توجد فيه الآن، رغم ذلك لم يسبق أبدا أن دار الحديث عن إمكانية اندثار إسرائيل. إسرائيل لم تتوقف أبدا عن الانكماش والتقلص، هذا البلد الذي كان يحركه دافع توسعي والذي كان يدعي أن حدوده يجب أن تكون ما بين النيل والفرات، كان مضطرا إلى الانسحاب من سيناء والانسحاب من جنوب لبنان ومن غزة وأن يترك للفلسطينيين الأراضي التي يقال إنها حصلت على استقلال ذاتي. الأكثر من ذلك، إن جيش إسرائيل الذي يدعي أنه لا يهزم قد تكبد هزيمة عام 1973 وطرد من جنوب لبنان عام 2000، وانهزم في حرب الثلاثة والثلاثين يوما، وهي أطول حرب عرفتها إسرائيل، وذلك من قبل حزب الله الذي لا يضم سوى بضعة آلاف من المحاربين. أكثر من ذلك، إن الجيل الجديد من الفلسطينيين لم يعد يحلم بشيء غير العودة إلى أرض أجدادهم، لكي يحنت قول غولدا مايير «الشيوخ منهم (الفلسطينيين) سيموتون والصغار سينسون». أكثر من ذلك، طفا على السطح حديث عن دولة لائكية يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون. إن إسرائيل اليوم هي دولة يسيرها مسؤولون فاسدون مرتشون فقدوا كل مصداقية أخلاقية، هي دولة تساندها أمريكا، والتي من دونها تسقط إسرائيل في لمح البصر، هي دولة بلا مستقبل، توجد أكثر فأكثر في وضع دفاعي، ولا تكاد تتوقف عن تشييد الأسوار لحماية نفسها. هذا يعني أنه عندما يقول بوش إن إسرائيل ستحتفل بعد ستين سنة بذكرى ميلادها المائة والعشرين لا يمكننا إلا أن نشكك في قوله. وما نسيه بوش هو أن يقول لنا ما الذي ستكون عليه الولاياتالمتحدة نفسها بعد ستين سنة...