لم يكن متوقعا أن يصبح محمد الخامس سلطانا ، لأنه كان أصغر إخوته الثلاثة، وحين توفي والده بشكل مفاجئ، حيث يرجح المغاربة أنه مات مسموما لرفضه التوقيع على قرارات سلطات الحماية الفرنسية، تدخلت هذه الأخيرة ورجحت كفة الأمير سيدي محمد. وبينما كان السلطان المولى يوسف في العاصمة الرباط، قضى الأمير الصغير سيدي محمد جل وقته في القصر الملكي بفاس، حيث كان يتلقى تعليمه التقليدي على الطريقة التقليدية المغربية العتيقة، وكان أستاذه الوحيد هو الفقيه محمد المعمري، ذو الأصل الجزائري، ولا يُذكر غيره إلى اليوم. محمد المعمري هذا جاءت به سلطات الحماية إلى المغرب، لأنها كانت تثق به، لكنه أصبح مترجما للسلطان المولى يوسف، ثم معلما ومربيا لأبنائه الأمراء من الذكور خاصة. «روم لاندو» البريطاني المختص في المغرب كتب أكثر من مرة يقول إن استبعاد تولي محمد بن يوسف الحكم، ربما هو الذي جعل والده يقتصر على تكوينه تكوينا تقليديا عتيقا على الطريقة المغربية المتبعة في ذلك الوقت في تكوين الأمراء خاصة. وبذلك لم يحصل حتى على مستوى تعليم أبناء جيله من أبناء العائلات الغنية. أما عبد الهادي بوطالب فيقول في مذكراته إن السلطان محمد الخامس «تلقى دروسه الأولية في القصر السلطاني بمدينة فاس حيث مسقط رأسه، وهي دروس عربية دينية كانت تتخللها دروس مبادئ اللغة الفرنسية»، هذه اللغة التي كان يجد صعوبة كبيرة في التحدث بها، وهو ما يشير إلى أن محمد الخامس لم يتلق تعليما ولا تدريبا ليكون سلطانا في صغره، إلى أن فوجئ، ربما، باختياره لتولي مقاليد الحكم خلفا لأبيه في 18 نونبر من سنة 1927. لقد استغلت سلطات الحماية الخلاف بين تيارين داخل المخزن، أولهما يقوده محمد المقري، الصدر الأعظم، الذي دافع عن انتقال الملك إلى الابن الأكبر للسلطان المتوفى، في حين دافع الحاجب الملكي التهامي اعبابو عن الابن الأصغر ليكون سلطانا، وربما ليلعب هو دور «أبا حماد» جديد من موقع الوصي على السلطان الصغير، لكن الفرنسيين انتبهوا للعبة، وتدخلوا لإبعاد اعبابو عن القصر نهائيا. وقد تولى السلطان الجديد الحكم بينما لم يكن قد تجاوز 18 سنة من العمر، وظل منقطعا عن شؤون السياسة والحكم، ولم يكمل حتى تعليمه في جامع القرويين على عادة الأمراء والسلاطين، ويذهب «بيير فيرموريين» إلى أن انقطاعه عن شؤون السياسة وضعف اهتمامه بها هو السبب الرئيس لاختياره سلطانا من لدن الفرنسيين. المؤرخ علي الريسوني يذكر أن أمراء في سن محمد الخامس أو الذين جايلوا والده مثل المولى عمر، الابن الأصغر للمولى الحسن الأول وعمّ محمد الخامس، درسوا على الطريقة المغربية التقليدية العتيقة، حيث استقدم المولى الحسن فقيها من شمال المغرب، هو العلامة أحمد بن عبد السلام بن الطاهر الحراق، تولى تعليم المولى عمر بدءا من تحفيظ القرآن واللغة والفقه، قبل أن ينتقل بعد كبره إلى جامع القرويين لتلقي العلوم على يد العلماء فيها. ويؤكد «روم لاندو» أن محمد الخامس تلقى تعليما تقليديا بسيطا جدا، ولم يتلق أي تكوين عصري، كما لم يتعلم اللغة الفرنسية التي كانت ضرورية من أجل التواصل مع ممثلي السلطات الاستعمارية، وهي إحدى النواقص التي تداركها فيما بعد، أي بعد أن أصبح سلطانا. وعي محمد الخامس بهذا النقص دفعه إلى تداركه، ويروي روم لاندو أن من بين الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى إحداث المعهد المولوي (1942) داخل القصر الملكي هو أن يستكمل تكوينه. ويشير إلى أنه كان يحرص على حضور كل المحاضرات التي تبدأ في الثامنة صباحا حتى الظهيرة، إلى جانب وليّ عهده الحسن الثاني. وهي الشهادة التي أكدها أيضا عبد الهادي بوطالب في مذكراته. وقد يكون من اللافت للانتباه أن جامعة بوردو الفرنسية، التي كان المعهد المولوي يعمل تحت مراقبتها حينما منحت شهادة الإجازة في القانون للحسن الثاني بعدما استكمل دراسته الجامعية، منحت والده محمد الخامس، سنة 1950، شهادة الدكتوراه الفخرية. وكانت تلك الشهادة الوحيدة التي حصل عليها الملك محمد الخامس، وهي شهادة بروتوكولية بالأساس، لذلك لا يمكن الحديث عن أساتذة للملك، سوى المعمري، ولا عن أصدقاء الدراسة، وهي التقاليد التي أصبحت راسخة مع خليفته الحسن الثاني.