حرص محمد الخامس على التربية الدينية وتأثر الحسن الثاني بها عندما سأل الصحفي إيريك لوران الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن كيف تتم تربية ملك؟ وعلى ماذا ترتكز؟ أجاب جلالة الحسن الثاني رحمه الله قائلا: "المسألة في غاية التعقيد، أعتقد أنه يتعين قبل كل شيء على الأب أن يكون مربيا من الدرجة الأولى، ثم بالإضافة إلى ما يلقنه من مبادئ، يجب أن تكون حياته اليومية مثالا ومرآة. وأيا كانت الأسرة، فإنه عندما تتكون رابطة بين الأب وابنه تحدث المحاكاة، بحيث يحرص الابن على أن بمشي ويجلس ويحمل شوكته تماما كما يفعل أبوه، فهو عنده المثل الأسمى". وأضاف الملك الراحل: "بطبيعة الحال، تضاف إلى ذلك تربية مدرسية مرتكزة على الوعي والمسؤولية وبالعمل المتبعين القيام به"، وضرب الملك الراحل مثالا على ذلك بقوله: "عندما كنت تلميذا كان يحدث أن تكون نقطي أصفارا ولكن أبي لم يعاقبني قط، وعندما تكون النقطة 4 أو 5 على 20 كان العقاب واردا، كان يتقبل أن تكون تمة عثرات، ولكنه كان لا يتحمل الرداءة"، وقال الملك الراحل في واقعية كبيرة: "وفي الواقع، وهذا عنصر مهم عشته طوال سني الطفولة والمراهقة في جو يشبه جو المحاكمة، كنت أعلم أنه يمكن في الطور الابتدائي، عندما يصل الأمر إلى والدي فإن العقاب يصبح واردا". وعن طبيعة العقاب قال الملك الراحل: "إلى حدود العاشرة من عمري أو الثانية عشرة تلقيت ضربات بالعصا، وكان يسعدني أن أتلقاها من أبي لا من غيره". ولنتعرف إلى جوانب أخرى عن طريقة تربية وتدريس الملك الراحل الحسن الثاني نسوق شهادة للدكتور عبد الهادي بوطالب أحد مدرسي الملك الراحل عندما كان وليا للعهد وأحد أساتذة المعهد المولوي يقول فيها: "أعدت لي غرفة بجوار الأمير أقمت فيها ما يزيد عن سنتين، وكنت التقي معه على الغداء والعشاء وأرافقه ومعه أخوه الأمير عبد الله في رحلاته، ويأخذني رفقته في السيارة الملكية لصلاة الجمعة في موكب والده الرسمي وأراجع معه دروس العربية التي كان يلقيها أساتذة آخرون، بالإضافة إلى التي كنت ألقنها إياه في قواعد اللغة العربية وتفسير القرآن ومادة تاريخ الإسلام وأحيانا تاريخ المغرب". ويخبرنا عبد الهادي بوطالب في موقع آخر من كتابه "نصف قرن في السياسة" (منشورات الزمن) عن المعهد المولوي الذي كان يدرس فيه الملك الراحل الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد "كان المعهد المولوي جزءا من القصر، وتابعا إداريا وماليا لإدارة المعارف أو إدارة التعليم التي كان يشرف عليها مدير عام فرنسي، والمعهد عبارة عن مدرسة فيها قسم ابتدائي كان يدرس فيه الأمير مولاي عبد الله الابن الأصغر للسلطان، وقسم ثاني يدرس فيه الأمير مولاي الحسن، وكانا يقيمان في المعهد ويخضعان لنظام داخلي رفقة 20 تلميذا، منتقين من مدارس المغرب من بين أكثر التلاميذ نجابة وأقواهم دراسة وكفاءة وينتمون إلى عامة الشعب، وفيهم من كان آباؤهم يتبوؤن مناصب عليا في مدينة من المدن. وحول إذا ما كان الملك الراحل الحسن الثاني ينجز واجباته الدراسية في الوقت المطلوب، قال في ذات المصدر عبد الهادي بوطالب،: "هذا مؤكد لأنه كان يفهم لماذا هو محاط بتلاميذ آخرين، وكان يريد أن يتغلب في منافستهم عن استحقاق وجدارة، أذكر أنه كان أقوى التلاميذ تألقا من حيث الحفظ، وقوة الذاكرة أو "الحافظة" عنده كانت تغلب عليه". وكشف عبد الهادي بوطالب عن أخلاق الملك الراحل الحسن الثاني، فأشار إلى أنه كان صبورا، وذا قدرة خارقة على التحمل، وإلى جانب ذلك كانت له قدرة المثابرة، وكان يرغب في أن ينظر إليه زملاؤه على أنه يستحق الإمارة، ويعمل كل شيء من أجل ذلك، كان عليه أن ينال رضى والده لأنه كان يعلم أن والده لن يرضى عنه إلا إذا كان مثالا وقدوة". وأكد بوطالب أنه >لم يكن غضوبا أمام أبيه وأمام أساتذته بقدر ما كان في جميع أحواله قوي الشكيمة، شديد المراس، لا يمكن تطويعه بسهولة، كان متخلقا بالأخلاق التي يجب أن يكون عليها الأمير.. وكان يعامل زملاءه معاملة طيبة.. وخلال الدرس كان مثال المنسجم المنتظم..". وقد تحدث الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله عن معالم التربية التي نشأ عليها ولي عهده آنذاك الملك الراحل الحسن الثاني، وفي ذلك في خطابه وجهه إلى الشعب المغربي من مدينة "بيركوس" في طريقه إلى سويسرا وكانت المناسبة هي الذكرى الثلاثين لميلاد الحسن الثاني حيث قال: "إن الغاية التي يهدف إليها كل أب ومعلم وملك من وراء التربية والتعليم والتكوين هي إحلال التلميذ محل الأستاذ، وإقامة الابن مقام الأب، وإنابة الأمير عن الملك، وهذا ما وفقني الله إليه فيما يخصك، على أنني أعيذك يا بني أن تغتر فتقف في التكوين عند حد أو تعتقد في الأخلاق بلوغ درجة كمال، إن التجارب والأخلاق مثلها مثل العلوم وأصناف المعارف لها بدايات تبتدئ منها وليست لها نهايات تقف عندها". وأكد الملك محمد الخامس رحمه الله على أهمية تمسك ولي عهده وجيل الشباب من قرنائه بالإسلام اسوة بجيل أبيه قائلا: "كما لا أكتم ثقتي من نجاحكم إذا علمتم كما عمل أفراد جيلي متآخين متحابين متضامنين متعاونين، متسبتين بمثل الإسلام العليا مخلصين لمبادئه السامية مؤثرين الصالح العام، فاحرص يا بني وليحرص معك جيلك على التحلي بنبل الأخلاق فإنها أجمل زينة في الرخاء وأمضى عدة في الشدة، وللتاريخ شواهد تؤكد أن الأمم الموفقة والأفراد الناجحين إنما افلحوا بالتزام الأخلاق القويمة، والسجايا الزكية الكريمة...". وهكذا يتضح أن التربية الإسلامية هي من المقومات الرئيسية لتربية أولياء العهد كما اتضح من خلال تربية كل من الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس. محمد أفزاز