أقدمت الحكومة على زيادة جديدة في المحروقات هذا الشهر، وستقدم على زيادة أخرى في فواتير الماء والكهرباء في بداية شهر غشت وهذا معناه أن زيادات أخرى أوتوماتيكية سيعرفها قطاع النقل ومواد استهلاكية أخرى مرتبطة بالكهرباء والمحروقات، أي بالطاقة الضرورية لكل إنتاج. حققت الحكومة هدفها الأول من وراء هذه الزيادات، وهو تخفيف العبء عن صندوق المقاصة الذي نزلت ميزانيته من 56 مليار درهم إلى 34 مليار درهم، وهذا ما سيقلص عجز الميزانية... كل هذا جيد لصحة التوازنات المالية للدولة، لكن ماذا عن التوازنات الاجتماعية؟ الأغنياء لن يتضرروا من هذه الزيادات في المحروقات والكهرباء والماء وبعض الضرائب التي فرضت على الأجور العليا... الفقراء جدا لن يتضرروا كثيرا، على اعتبار أن هؤلاء لا يتوفرون على سيارات، والزيادات في فواتير الماء والكهرباء لا تعنيهم على اعتبار أن الزيادات ستكون على الفواتير الكبيرة والمتوسطة. من سيتضرر أكثر هي الفئات الوسطى التي تتحمل القسط الأكبر من الزيادات دون أن تحصل على شيء من الدولة... لنفترض أن موظفا أو تاجرا أو أجيرا في القطاع الخاص يتقاضى 15 ألف درهم في الشهر، وهو مبلغ لا يصل إليه حتى ٪2 من المغاربة... هذا المواطن يؤدي الضريبة على الدخل، ويؤدي الضريبة على القيمة المضافة «TVA»، ويؤدي الضريبة على السيارة، والضريبة على قرض المنزل... ثم سيتحمل أعباء الزيادة في المحروقات والكهرباء ومواد الاستهلاك التي سترتفع تلقائيا، وجلها محرر بعد الزيادات المتتالية في الكهرباء والمحروقات... هذا المواطن لا يستفيد من مجانية التعليم، لأن أحوال المدرسة العمومية لا تسر صديقا، فهو مضطر إلى حمل أطفاله إلى المدارس الخاصة، وأداء 2500 درهم في المعدل عن كل واحد (إذا افترضنا أنه لديه طفلين، هذا معناه أن ثلث أجره يذهب إلى دراسة الأبناء). هذا المواطن، ولأنه يرى نفسه في الطبقة الوسطى، لا يذهب إلى المستشفيات العمومية لأن أحوالها تزيد المريض مرضا على مرضه، وهذا معناه أنه يقصد القطاع الخاص ويؤدي من جيبه. بعد أن يؤدي مصاريف دراسة الأبناء والتطبيب وأقساط المنزل والسيارة والأكل والشرب واللباس... لن يبقى له شيء، هذا إذا استطاع أن يتبع سياسة تقشفية صارمة. إلى هنا الأمر يمكن احتماله، لكن عندما يجد هذا المواطن أن أفراد عائلته بلا عمل، وأنه مضطر إلى أن يصرف لهم مساعدات مالية أو عينية، وأن أبناءه بعد أن يصرف عليهم الملايين من قوته معرضون للبطالة، لأن سوق الشغل معطوب، وعندما يواجه هذا المواطن مستوى للعيش في مدينته وحيه سيئا للغاية من حيث الخدمات الأساسية (الأمن، النظافة، الإنارة، الفضاءات الخضراء...)، فإنه يتساءل: ماذا تعطيني هذه الدولة مقابل كل الضرائب التي تأخذها؟ ماذا تصنع الحكومة بالضرائب التي تأخذها من هذه الفئة إذا كانت عاجزة عن توفير التعليم والصحة والأمن وفضاء عيش مقبول وإدارة في خدمة المواطن، واحترام حقه في التعبير والتنظيم والانتخاب ومحاسبة من يحكم؟ ماذا سيفعل بنكيران ب21 مليارا التي ربحها من صندوق المقاصة غير تخفيض عجز الموازنة إذا لم يكن سيستعملها لإصلاح المدرسة والمستشفى وجهاز الدولة والطرق والبيئة التي تنتج البطالة واليأس؟ الفئات الوسطى ستقبل شراء ما تستهلكه بثمنه الحقيقي، وستقبل الزيادة في الضرائب وتحمل الأعباء العامة، لكن مقابل ماذا؟ هذا هو السؤال. الحكومة ماضية في طريق إفقار الطبقة الوسطى، الأكثر هشاشة اليوم في المجتمع، وإلحاقها بالطبقة الفقيرة، وكسر أحلامها وتطلعاتها وفكرها ودورها في المجتمع. السياسة النيوليبرالية التي تحكم الاختيارات الاقتصادية للحكومة خطرة جدا في غياب سياسات اجتماعية لحماية الفئات الهشة، وفي غياب دمقرطة حقيقية للدولة، وفي غياب قوة التصدي لنفوذ الفساد واللوبيات القوية التي تدافع عن مصالحها الخاصة.