[صندوق المقاصة على عتبة الإنفجار والقدرة الشرائية مهددة] خمس إجمالي الميزانية العامة للدولة قد يذهب لتغذية حاجيات صندوق المقاصة هذا العام. قرار الزيادة الأخير في أسعار المحروقات، وإن كان سيوفر لخزينة الدولة 5 مليارات درهم فيما تبقى من شهور السنة الجارية، فإنه لن يجنب حكومة عبد الإله بنكيران ضرورة البحث عن 26 مليار درهم إضافية قد يحتاجها صندوق المقاصة لاستكمال مشوار دعمه لأسعار المواد الأساسية، حينما سيستنفذ قيمة 34 مليار درهم المرصودة له في إطار القانون المالي لسنة 2012، خلال شهر يوليوز المقبل. سينلريو أضحى مألوفا في تدبير نفقات صندوق المقاصة كلما شحت سيولته في منتصف السنة المالية، فماذا أعدت إذن حكومة “البيجيدي” لتفادي تكرار حدوث هذا السيناريو في المستقبل وضبط نفقات المقاصة في مستوى معقول؟ الإختلالات الخمسة سبق لوزارة الشؤون الإقتصادية والعامة أن قامت بتشخيص شمولي للوضعية الحالية لصندوق المقاصة، أبان عن وجود خمسة اختلالات كبرى، تتلخص في الغلاف المالي غير المتحكم فيه وتصاعد التبعية الاقتصادية للأسواق الدولية وتعدد المتدخلين واختلالات التوزيع وتعدد وتقادم النصوص القانونية والتنظيمية والموازنة. كما سبق للحكومة أن سطرت استراتيجية شمولية وهيكلية تستهدف بالأساس، التحكم في الغلاف المالي المخصص للصندوق بناء على نسبة الناتج الداخلي الخام، وتحقيق النجاعة الاقتصادية، والإنصاف في توزيع الدعم مع تحصين القدرة الشرائية للفئات الوسطى، وتقوية الحماية الاجتماعية، ومع ذلك فإن نفقات المقاصة تأبى الإنخفاض وتهدد ميزانية الدولة بمزيد من العجز. تفاقم الطلب الداخلي هو السبب!! في نظر نجيب بوليف، لم يعد يشكل واقع تزايد أسعار المواد الأولية في الأسواق الخارجية جراء المضاربات والظروف الجيو استراتيجية غير المستقرة، المبرر الوحيد لارتفاع تكاليف المقاصة. لقد أضحى لتفاقم الطلب الداخلي على استهلاك هذه المواد الأساسية، نصيب وافر في تبرير الإلتهاب الذي عرفته نفقات المقاصة في الأعوام القليلة الماضية. ارتفاع قد ينتج عن استمرار تصاعده، اختلال في التموين، حيث اعتبر وزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أن من شأن استمرار هذا الارتفاع، في ظل الوسائل اللوجستكية والبنيات التحتية المتوفرة بالمغرب لاستيراد وتخزين تلك المواد، أن ينتج عنه مستقبلا اختلال في الإمدادات. الحل في رفع أسعار المحروقات “لم يكن هناك خيار آخر”. عبارة تكاد تتكرر على ألسنة وزارء الحكومة في تبرير دوافع القرار القاضي برفع أسعار المحروقات . وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة فؤاد الدويري قال بأن القرار كان ضروريا لمواجهة الإرتفاع المهول الذي عرفته أسعار النفط بالأسواق الدولية. فالخطوة ستساعد الحكومة، يقول الدويري، على مواصلة سياستها المرتبطة بتنفيذ الاستثمارات العمومية التي تعد في نظره دعامة أساسية للنمو، وأيضا على مواصلة دعم الفئات المعوزة في إطار برامج اجتماعية موازية تستهدف بدورها دعم الفئات الفقيرة من قبيل نظام المساعدة الطبية “راميد” وبرنامج تعميم التمدرس، وغيره. وفي هذا السياق، دكر الوزير بأن الدولة تنفق سنويا أزيد من 2,5 مليار درهم موجهة لتعميم التزود بالماء الصالح للشرب والكهرباء في العالم القروي، موضحا أن نسبة الولوج للماء الشروب وصلت حاليا إلى 92 في المائة وأكثر من 97 في المائة بالنسبة للكهرباء . وبهدف تعبئة التمويلات اللازمة للاستثمارات العمومية وفي انتظار إصلاح جدري لنظام المقاصة بكيفية تضمن استفادة أنجع للفئات الاجتماعية المحتاجة، قررت الحكومة ابتداء من ثاني يونيو الجاري ضخ جزء من الدعم المخصص للمحروقات في الأسعار الداخلية للاستهلاك، وذلك من خلال زيادة قدرها درهمان لليتر بالنسبة للبنزين ودرهم واحد لمادة الغازوال، فيما يبقى سعر قنينة غاز البوتان بدون تغيير، معتبرا بأن سياسة الدعم لا تقتصر فقط على صندوق المقاصة، بل ترتبط بتضامن وطني شمولي يتم تجسيده من خلال آليات مختلفة. استياء جمعيات ومهنيي النقل بمجرد إعلان الزيادة في أسعار مواد البنزين والغازوال والفيول الصناعي يوم ثاني يونيو الجاري، دقت جمعيات حماية المستهلك ومعها مهنيوا قطاع النقل، ناقوس الخطر. ففي الوقت الذي وصفتها الحكومة بالخطوة الأساسية لتخفيف العبء على صندوق المقاصة، انتقدتها الجمعيات الحقوقية والمهنية ورفعت في وجهها شعارات الرفض والإستنكار . وفيما أشفق بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، على واقع حال المستهلك الذي سيؤدي في نهاية المطاف، ضريبة هذه الزيادة المهولة على حد تعبيره، لوح محمد الحراق الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لسائقي السيارات باتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة هذا الخيار الحكومي في الإجتماع العام المنتظر انعقادة أمس الأحد.. “إما سنلقي بثقل هذه الزيادة على كاهل المواطن العادي، أوسنضطر نحن المهنيون إلى تحمل الخسائر الناتجة عن هذه الزيادة، وكلا الحلين لا يمكنهما حل الأزمة التي خلقتها الحكومة” يقول الحراق بعدما طالب هذه الأخيرة بضرورة تحديد تسعيرة محروقات خاصة بوسائل النقل العمومي . الجامعة الوطنية لنقابات أرباب النقل العمومي على الطرق بالمغرب، وعلى ضوء الإجتماع الموسع الذي عقدته يوم الإعلان عن هذه الزيادة، خرجت بقرارات تطالب من خلالها الجهات المسؤولة بتعويض الخصاص الناتج عن ارتفاع سعر الغازوال، من خلال تطبيق زيادة بنسبة 7 في المئة في تسعيرة النقل، وهو المطلب الذي تبدو الإستجابة له جد صعبة، باعتبار أن الحكومة غير مستعدة لإثارة غضب شعبي يصعب عليها احتواؤه فيما بعد. القدرة الشرائية في خطر! إلى أي حد ستنجح الحكومة في إقناع مهني النقل ومعهم تجار الخضر والفواكه ومواد البناء وغيرها من المنتوجات الصناعية ذات الإرتباط الوثيق بالطاقة، بعدم عكس ارتفاع التكاليف الناجمة عن الزيادة في أسعار المحروقات، على الأسعار التي سيؤديها المستهلك في نهاية المطاف؟ . هل ستلتزم الحكومة بحماية القدرة الشرائية للفقراء وذوي الدخل المحدود كما صرح وزراؤها في أكثر من مناسبة ؟ الحقائق الملموسة على الأرض تؤكد بأن القدرة الشرائية للأسر في خطر، وتدفعنا إلى طرح هذين السؤالين، خصوصا بعدما لجأ مهنيوا سيارات الأجرة ببعض المدن إلى فرض زيادات في تسعيرة خدمات النقل بقيمة تتراوح بين درهم وأربعة دراهم تختلف باختلاف المسافات والخطوط، في الوقت الذي سجلت فيه أسعار تقسيط منتوجات الخضر بعض الإرتفاعات الملموسة جراء تزايد تكلفة النقل. زيادات مفاجئة أثارت استياء المستهلكين وألحقت الضرر بالقدرة الشرائية للفقراء وذوي الدخل المحدود، كما تعد حكومة بنكيران بمزيد من الإحتقان والتوتر المتوقع أن تشهده بعض القطاعات الحيوية داخل المجتمع. بنكيران يعد الفقراء بدعم نقدي مباشر في خطوة تهدف إلى إطفاء لهيب الغضب، وعد عبد الاله بن كيران بتقديم دعم نقدي مباشر للفقراء في إطار رؤية الحكومة لإصلاح نظام المقاصة، وذلك بعدما دعاهم. إلي فتح حسابات مصرفية أو بريدية لضمان الاستفادة من هذا الإصلاح، وهو ما وصف من قبل البعض بالخطوة الأكثر جرأة التي اتخذتها حكومته منذ تنصيبها مطلع العام الجاري، حيث لم يحدد بن كيران حينما تحدث عن الموضوع قبل أيام على القناتين الأولى والثانية، إطارا زمنيا محددا لاتمام الاصلاح الذي أشار إليه، مكتفيا بالقول بأنه قد يكتمل قبل موعد انتهاء فترة ولاية الحكومة الحالية خلال سنة 2016. فهل يصدق بنكيران في وعده؟ [Bookmark and Share]