أرجو من أشقائنا في غزة ألا يشغلوا أنفسهم بالسؤال عن موقف مصري في مواجهة العربدة الإسرائيلية الجديدة فالحاصل أن شرائح من المجتمع باتت تلقى معاملة داخل مصر لا تختلف عما تفعله إسرائيل مع أصحاب الأرض من عرب ال 48، فبعد أن قسموا مصر شعبين، ها هم الآن يُجردون معارضيهم ومناهضي مشيئتهم من كونهم «شعبا» وصار الآن ما يمكن نعته ب»مصريو 30 يونيو»، أولئك الذين يعتبرهم مُلاّك البلاد الجدد أعداء خطرين يستحقون الإبادة والإبعاد. ولذلك لا تسألوا أين مصر من العدوان الإسرائيلي على غزة.. ففي أزمنة مضت كان لمثل هذا السؤال بعض الوجاهة والمنطقية، أما طرحه الآن، فيندرج تحت طائلة الكوميديا، وربما يعتبره بعض الناس نوعا من المزاح الثقيل. شعب الجنرال السيسي لم يجد في الغارات الصهيونية المستمرة على غزة منذ الليلة الفائتة سوى مناسبة لطرح سؤال: لماذا لا يستنسخ نظام الجنرال ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لكي ينفذه مع المعارضين (الإرهابيين الخونة الاخوانجية) إلى آخر هذه القائمة الطويلة من مفردات قاموس الفاشية المشتعلة في حطب مصر. إن الذين يحتفظون بقبس من الفطرة السليمة والقدرة على التفكير المنطقي يُدركون أن نظاما بهذه المواصفات لا يمكن أن يكون مطلوبا منه استخدام مسطرة أخلاقية لحساب مواقفه وتأطير حركته إقليميا ودوليا، ليس فقط، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، بل لأن حكام مصر الجدد ممتلئون يقينا بأنهم ليسوا أكثر من أذرع لقوى إقليمية ودولية، دعمت أو غضت الطرف عن انقلابهم مقابل الالتزام بنص لائحة التعليمات الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. وطبيعي والحال كذلك أن «تتفرج» مصر الرسمية على ما يدور في العراق بمنطق الفرجة على مباريات كأس العالم، وتتابع ما يجري في الخليل وغزة وكأنها تشاهد فيلما أمريكيا ينتمي إلى السينما التجارية، هذا إن غضضت الطرف عن هذه اللغة الدبلوماسية الودودة بين القاهرة وتل أبيب، في مقابل عجرفة تكسو الخطاب الصادر من (جمهورية مصر العربية) بشأن المقاومة العربية في فلسطين، ولم لا وقد عاد نظام حكم (مصر 2008) في هيئة أكثر شراسة في التماهي مع الأجندة الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة، نظام توعد يوما بكسر أرجل الفلسطينيين إن هم فكروا في البحث عن سقف مصري بسيناء يحميهم من رصاص إسرائيل المصبوب، هو النظام ذاته الذي اعتبر اختفاء ثلاثة مستوطنين صهاينة فاجعة شخصية له وتعهد للإسرائيليين ببذل كل الجهد من أجل سلامتهم. هو نظام أعاد إلى واجهته الثقافية والإعلامية وجوها مثل علي سالم الذي يبدو منتشيا بعودة الغرام التطبيعي كما لم يكن من قبل، ما يمنحه الجرأة على تعنيف نظام الجنرالات لترددهم في التعبير عن ودهم لإسرائيل، وفي ذروة التحرش العسكري الصهيوني بالفلسطينيين كتب منذ أيام يقول لأهل الحكم في مصر «أنتم السبب في أن آلاف المصريين الذين يعيشون فى إسرائيل الآن يشعرون بالرعب لمجرد التفكير في زيارة الأهل فى مصر بعد سنوات طويلة من الغياب، كانوا يعرفون أن تهمة التجسس لحساب إسرائيل تقف فى انتظارهم في مطار القاهرة. أليس ذلك هو ما حدث يا سادة؟ اسمعوني يا سادة وفكروا فيما أقول.. أصدروا بيانا واضحا يبلغ المصريين في إسرائيل بأن زيارتهم لمصر هي حق من حقوقهم وأن إقامتهم وعملهم في إسرائيل هما أيضا حق من حقوقهم». بل ويمضي إلى ما هو أبعد ليقول «أخاطب أجهزة مصر الأمنية، وأقول لهم: أطالبكم على الفور بعمل علاقات قوية مع أجهزة الأمن الإسرائيلية لتبادل الخبرات والحرب ضد الإرهاب. كما أطالبكم بالتركيز على الأسلحة الفضائية من أقمار تجسس وغيره، فلو أن لدينا أقمار تجسس، لكنا استطعنا أن نعرف بالضبط حركة وخط سير الجماعة التي اختطفت وكيل النيابة». وبالطبع لم نسمع أن أحدا حاول إسكات هذا المشتعل حنينا لأيام التطبيع، فنظام الصناديد الجدد لم يستشعر خجلا وإعلامه يعلن عن صفقات لشراء الغاز من العدو الصهيوني، فكيف له أن يتجاسر ويمنع أصواته المتصهينة من الصياح. هذا هو النظام وتلك هي أصواته فماذا تنتظرون !