لم يكن يتوقع هشام بوراس، أن سفره إلى إسبانيا، سيتحول إلى كابوس مرعب. حين كان يسمع عن كورونا، آنذاك، لم يكن يأخذ الأمر محمل الجد، كان يعتقد أن هذا الفيروس بعيد عنا وصعب أن ينتقل إلى المغرب، وبالأحرى أن يكون هو أحد ضحاياه. هشام المتحدر من مدينة تطوان سُجل أول حالة مصابة بكورونا في جهة الشمال، يحكي ل”أخبار اليوم” رحلته مع فيروس كورونا الذي أصيب به قرابة شهر من الآن، قائلا: “عدت من مدريد يوم الأحد، لم تكن تظهر عليّ أية أعراض، كنت في كامل صحتي. لكن في اليوم الموالي أحسست بعياء شديد وارتفاع في درجة الحرارة، لم ينتبن الشك في بادئ الأمر لأن الأعراض كانت خفيفة. حينها اتصلت بصديق لي أخبره بما يحدث لي، فطمأنني أنها ستكون نزلة برد فقط”. واسترسل قائلا: “اختفت تلك الأعراض في اليوم التالي، لكنها عادت بعد يومين بشدة أكبر، وهذا ما جعلني أشك في الأمر. ذهبت إلى المستعجلات بمستشفى “سانية الرمل” بتطوان، وحين أخبرت الطاقم الطبي أنني عدت للتو من إسبانيا وأنني أشك في أنني مصاب بفيروس كورونا، انتابته حالة صدمة لأنه لم ترد عليهم حالة مصابة بفيروس كورونا من قبل. اتصلوا بمدير المستشفى والطبيب المكلف بعلاج هذا الفيروس، أخذوا عينة مني وأرسلوها للرباط لتحليلها، ومساء الجمعة كانت النتيجة إيجابية”. “كانت النتيجة متوقعة بالنسبة إليّ”، يقول المتحدث ذاته. إذ بعد الكشف عن إصابته بدأت رحلة العلاج كأول حالة مسجلة في منطقة الشمال، لم يكن يؤرق هشام الخوف من الإصابة، خصوصا بعد الأخبار الكثيرة التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية، التي تفيد أن هذا الفيروس قاتل، لكن ما كان يشغل باله أن يكون قد نقل العدوى إلى أفراد أسرته وأهله وأصدقائه. “عشت الأربعة عشر يوما في أرق، إذ كنت خائفا من أن أكون نقلت العدوى إليهم بدون قصد، كما كنت أرى الكوابيس بشكل يومي إلى أن تبين أنني لم أصب أحدا بالعدوى”، يقول هشام. الأمل في الشفاء بعد تأكيد إصابته نُقل هشام إلى المستشفى الجهوي بطنحة، ففي تلك الفترة لم يكن مستشفى سانية الرمل بتطوان يستقبل الحالات المصابة بكورونا. “في ثلاثة أيام الأولى، كنت أعاني من ارتفاع حاد في درجة الحرارة وصداع في الرأس، وكان الأطباء يعالجونني بقرص “دوليبران”، لم أكن أعاني من صعوبة في التنفس، عكس عشرات المرضى الذين كانوا يعانون من صعوبة في التنفس”، يقول المتحدث ذاته. أمضى هشام لحدود كتابة هذه الأسطر 20 يوما وهو راقد في المستشفى، ولم يتماثل للشفاء بعد. يحكي لنا عن أن حالته تحسنت ولم يعد يشعر بالأعراض أو بأي ألم، لكن نتائج التحاليل لازالت إيجابية مما يفرض عليه البقاء في المستشفى. وعن وضعيته في المستشفى يحكي هشام أنه كان معزولا لوحده في غرفة محاطة بالبلاستيك، وأنه حظي بمعاملة جيدة من طرف الطاقم الطبي الذي يقوم بمجهود جبار من أجل الحفاظ على حياة المصابين بالفيروس. العلاج ب”الكلوروكين” حالة محمد (اسم مستعار) ليست أفضل حال من هشام، هو بدوره انتقلت إليه العدوى في إسبانيا خلال أربعة أيام أمضاها هناك في إطار العمل، لكنه بعد أسبوعين من العلاج استطاع أن يقاوم المرض ويشفى بشكل نهائي. يحكي محمد أنه كان في إسبانيا، لم يكن الوضع خطيرا كانت إصابات معدودة ولم تكن الحكومة الإسبانية قد اتخذت بعد الإجراءات الاحترازية لعدم انتشار كورونا، لكن بعد أيام من وصوله إلى المغرب، انتشر المرض بشكل واسع في إسبانيا. لا يتذكر محمد كيف انتقلت إليه العدوى، لكنه يفترض أن يكون أصيب من خلال أزرار المصعد أو لمس أحد الأسطح التي تحمل الفيروس، غير أنه استبعد أن يكون نُقل إليه الفيروس بشكل مباشر من شخص آخر، لأنه يؤكد أنه لم يلتق أناسا كثر. محمد هو الحالة الثانية التي تسجل في جهة الشمال، قال إنه بمجرد عودته من إسبانيا اتخذ احتياطاته وعزل نفسه. بعد يومين استيقظ من النوم بصداع حاد وارتفاع درجة الحرارة، “اتصلت ب”ألو يقظة” أخبرتهم بوضعي، لكنهم أخبروني أنها أعراض الزكام ونزلة برد، لكني كنت أشك في إصابتي بكورونا. بعدها اتصلت بطبيبة من العائلة، هي بدورها اتصلت بمندوبية الصحة، فأرسلوا لي شخصا ليكشف عليّ، بعدها ذهبت إلى المستشفى حيث أخذوا عينة مني، وبعد 24 ساعة تم تأكيد إصابتي بالفيروس، وتم نقلي إلى مستشفى طنجة”، يقول محمد. خلال بداية علاجه كان يعاني من صداع حاد، لكنه بدأ يتلاشى مع الوقت، لم يكن يأخذ أدوية في العشرة الأيام الأولى، ولم يكن يعاني من ضيق في التنفس، رغم أنه قال إنه يعاني من الربو. بعد مرور العشرة الأيام الأولى، خضع محمد للعلاج ب”الكلوروكين”، لمدة خمسة أيام، كانت رحلة العلاج صعبة، “رغم أن الدواء سرّع في علاجي، إلا أنه كانت لديه أعراض جانبية”، يردف محمد. خلال الأسبوع الأخير، يحكي المتحدث ذاته “من حين لآخر كانوا يأخذون عينة لتحليلها للكشف عما إذا كان الفيروس لازال منتشرا إلى أن تبث أنني شفيت تماما”. في الأيام الأخيرة قبل خروجه قرر المستشفى أن يجمعه في الغرفة مع مريض آخر فرفض خوفا من العدوى، إذ بعد القيام بالتحاليل له، تبين أنه شفي فيما لازال المريض الآخر يعاني من إصابته بالفيروس. وكشف محمد أنه بعد انتشار الفيروس بدأ المستشفى يجمع خمسة مصابين في غرفة واحدة، نظرا لقلة الغرف الموجودة التي تستقبل المصابين بالفيروس. الخوف من المصير المجهول سيطر الخوف على محمد بمجرد علمه بإصابته بفيروس كورونا، إذ يحكي ل”أخبار اليوم”، قائلا: “انتابني خوف غريب، خصوصا وأنني سمعت أن حتى الشباب يمكن أن يقتلهم الفيروس، وليس فقط المتقدمين بالعمر”، وتابع “كنت خائفا من أن أكون نقلت الإصابة لزوجتي وأبنائي وعائلتي وأصدقائي، لكن ما كان يطمئن أن المستشفى تابع حالتهم إلى أن تبين أنهم غير مصابين”. أصعب ما عاشه محمد هو عزله في غرفة لوحده لمدة تصل إلى أسبوعين، حيث كانت الوحدة ومنع الزيارات تتعبه نفسيا، “حتى الأطباء حين يدخلون للاطمئنان عليّ لا أرى وجوههم لأنهم يرتدون لباسا واقيا يغطي جسمهم بالكامل”، يقول المتحدث ذاته، وأضاف “حين خرجت من المستشفى نهاية الأسبوع الماضي، رغم أنني خرجت من حجر لحجر، على الأقل أستطيع التنقل داخل الشقة”. ويحكي محمد أنه وأفراد أسرته أصبحوا مهووسين بالنظافة والتعقيم، موضحا “حين تخرج زوجتي للتبضع، أول ما تصل لباب البيت حتى تعقم كل شيء، خوفا من العدوى”. هاجس الموت أمين (اسم مستعار)، تم الكشف عن إصابته بفيروس كورونا قبل أيام في مدينة العرائش، يعيش هذا الأخير في حالة من الخواف من الموت، خصوصا وأن حالته الصحية صعبة، إذ يعاني من مشاكل في التنفس. حين اتصلنا به كان لا يقدر على الكلام. لم يكن يتوقع أمين إصابته بالفيروس وصُدم حين أكدت التحاليل المخبرية بأنها إيجابية، حينها انتابه إحساس بالخوف، خصوصا وأنه قرأ وشاهد تقارير عدة تتحدث عن أن الذين لديهم مشاكل في الجهاز التنفسي هم أكثر عرضة للموت، وذلك وفق ما صرح به ل”أخبار اليوم”. لازال أمين في بداية العلاج، حيث قال إن المستشفى استخدم دواء “الكلوروكين”، غير أنه لازال يعاني من العياء الشديد، وآلام في الرأس وصعوبة في التنفس.