معطي منجب- محلل سياسي ومؤرخ في جامعة محمد الخامس-الرباط. يلجأ النظام المغربي إلى تشويه سمعة المعارضين، خصوصاً النساء منهم، في إطار صراعه مع الإسلاميين. ويستخدم الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام سلاحاً في حملات التشهير العنيفة التي يشنّها لتصفية حساباته معهم. أثارت قضية الصحفية هاجر الريسوني المعتقلة رسميا على خلفية اتهامها بالقبول بالإجهاض وبإقامة علاقة غير شرعية مع خطيبها والتي حُكم عليها في 30 سبتمبر الماضي بسنة حبسا نافذا، زوبعة داخل المجتمع المدني ونقاشا واسعا بالإعلام المغربي حول حرية الصحافة وحقوق المرأة والقوانين التي تحمي خصوصية الأشخاص، وكذلك حول التشهير بالشخصيات العمومية في الإعلام الرسمي أو القريب من السلطة. غالباً ما يحدث التشهير في إطار تصفية الحسابات السياسية للنظام مع معارضيه. ومن أجل فهم بعض جوانب اشتغال النسق السياسي المغربي وخصوصا في منحاه السلطوي البطريركي، من المهم تحليل بعض دلالات حملات التشهير العنيفة التي تعرضت لها نساء مغربيات معارضات للنظام ونشيطات بالشأن العام، خصوصا منذ 2011. ولكن لابد من التذكير في البداية بنقطتين مهمتين: يلح الخطاب الرسمي على أن تحرير المرأة وتمتعها بالمساواة قضية مجتمعية مصيرية ومسألة حيوية ولا يمكن تحقيق أية تنمية في المغرب دونها، بل إن الدعاية الإعلامية تُسمّي محمد السادس “ملك النساء”. والأمر ليس قضية دعاية فقط، فالقصر الملكي فرض عام 2004 على المجتمع المحافظ في أكثريته “مدونة” جديدة للأسرة، وهي قانون متقدم في ما يخص حقوق النساء، كما أن وضعية المرأة تحسنت في التعليم والتمثيلية السياسية داخل المؤسسات المنتخبة. لكن الإعلام القريب من السلطة بات يستعمل أحياناً صورة المرأة ووضعها الاعتباري الهش بشكل سلبي، وخصوصا منذ الربيع العربي، لضرب المعارضة ومحاولة تحجيم مصداقيتها وتقديمها للمجتمع على أنها لاأخلاقية وفاسدة جنسيا رغم “نفاقها” الظاهري. يحدث كل هذا رغم قرارات وتوصيات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) التي تشدد على عدم التمييز ضد المرأة. وقبل عرض بعض حالات التشهير التي عانت منها قيادات سياسية بارزة، لابد من التذكير بأن القانون المغربي يمنع العنف المعنوي ضد النساء، إذ صوّت مجلس النواب في شباط/فبراير 2018 على مشروع القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. ويعرّف القانون الجديد، الذي كان نتيجة لأكثر من عشر سنوات من نضال الحركة النسوية ومرافعات العديد من الجمعيات المدنية، العنف على أنه “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”. ضحايا بالجملة هكذا ورغم أن القانون يجرّم على قدم المساواة العنف الجسدي والرمزي ضد النساء، فإن الإعلام الرسمي وأكثر منه المواقع الإخبارية القريبة من الجهات الأمنية المحافظة، قد شنت خلال السنوات الأخيرة ضد نساء بعينهن وخصوصا من التيار الإسلامي، حملات قوية من التشهير استمرت لعدة أشهر، كما حدث في بداية عام 2019 ضد البرلمانية أمينة ماء العينين، وهي المرأة الوحيدة في مجلس النواب التي كانت تنتقد صراحة، وإن بشكل نادر، السلطة الملكية وقد عبّرت في الماضي عن آراء سلبية ضد القصر من بينها أن حصيلة محمد السادس بعد سنوات طويلة على عرش المغرب هي حصيلة سلبية نسبيا. انتقدت ماء العينين أحيانا عدم توازن السلطات وغياب احترام توزيع السلطة الدستورية بين رئيسي الدولة والحكومة. فالأول يسيطر بالكامل على القرار على المستوى العملي ولا يتقاسمه مع الثاني. وتؤكد ماء العينين أيضاً أن المؤسسات المنتخبة عليها أن تخدم الشعب أو “الأمة” لا النظام. كذلك أشارت مرة، وهذا أمر خطير جدا بالمغرب، إلى أن الملك ينتقد أداء الدولة بينما هو رئيسها ويجمع كل السلطات بين يديه. ماء العينين هي كذلك من بين البرلمانيين النادرين بل المرأة الوحيدة داخل مجلس النواب التي تنتقد أجهزة الأمن التي ازداد وزنها السياسي بشكل كبير داخل النظام خلال السنوات الأخيرة. وقد طالبت الحكومة أيضاً باتخاذ التدابير اللازمة حتى ترغم الأجهزة الأمنية على تغيير تعاملها العنيف مع المواطنين في مقارها وفي الشارع أثناء التظاهرات. لكن المشكلة هي أن الأجهزة الأمنية تحظى بعطف الملك الرسمي وتُعتبر محمية من لدنه، والملك هو الوحيد الذي يقرر في المسائل الاستراتيجية والمالية الخاصة بالأمن وموظفيه، وليس للحكومة أو البرلمان قرار بهذا الشأن. ولهذا فإن انتقادات ماء العينين ومطالباتها بقيت دون أثر لا بل جلبت لها عداء ما يسمى شعبيا ب”سرابس” (Srabs) أي عناصر الأمن المشتغلة داخل الإعلام والمجتمع السياسي. وهذا العداء ألقى بها في فوهة المدفع كإحدى النساء السياسيات الأكثر تعرضا للتشهير. وهكذا، في بداية عام 2019، شنّ موقع إعلامي يترأسه عامل سابق بوزارة الداخلية حملة قاسية جداً ضدها. وكُتبت ضدها عشرات المقالات التي تستعمل تعابير معادية للنساء وتحطّ بالكرامة الإنسانية. ونظرا للضرر الكبير الذي لحقها في صورتها وصورة حزبها، استبعدها الحزب من منصب نائبة رئيس مجلس النواب بعد ثلاثة أشهر من بدء الحملة الإعلامية ضدها. وفي عام 2011، كانت حملة مشابهة قد ضربت بقوة نادية ياسين التي قالت بتفضيلها النظام الجمهوري على الملكي في استجواب صحفي. وقد لوحِقت نادية ياسين، وهي ابنة مؤسس جماعة العدل والإحسان، أمام محكمة الرباط إلى جانب الصحفي الذي حاورها قبل ذلك بسنوات. بل أُنتِج فيلم تشهيري تحت يافطة “الشباب الملكي” وهو لابأس به على المستوى التقني ولكن محتواه يُعتبَر من أفظع الإنتاجات السمعية البصرية التشهيرية ضد امرأة مغربية. و”الشباب الملكي” جماعة عنيفة مكوّنة مما يشبه اليمين المتطرف والعنيف ببعض البلدان الغربية، وقد واجهت شباب عشرين فبراير بتدخلات تشبه الكوماندوس، ويظهر من وسائلها وعدم ملاحقتها قضائيا أنها مرتبطة ماليا وسياسيا بأحد الأجهزة القوية التي تعمل بشكل غير علني. لقد كانت نادية ياسين آنذاك في أوج عنفوانها الرمزي ومسارها السياسي في موقع المرأة الأكثر شعبية بالمغرب بعد الأميرة للا سلمى، والزعيمة السياسية الأقوى بعد أبيها داخل جماعة العدل والإحسان وهي أكبر جماعة إسلامية بالمغرب. وكذلك لعبت الجماعة دورا أساسيا في تظاهرات الربيع العربي المطالِبة بالديمقراطية بالمغرب. وقد اضطُرت نادية ياسين بعد تعرضها لشبه اغتيال معنوي من الذراع الإعلامية الضاربة “للشباب الملكي”، إلى وضع حد لنشاطها السياسي، ولم يصدر عنها أي تصريح معادٍ للنظام منذ الحملة التشهيرية التي استهدفتها. أما هاجر الريسوني الضحية الحالية لهذا النوع من الحملات الإعلامية، فهي صحفية تعمل في جريدة منتقدة للسلطة. ويجب التذكير بأن توفيق بوعشرين، مدير ومؤسس “أخبار اليوم” حيث تعمل الريسوني، قد اعتُقِل هو نفسه في فبراير 2018 بتهمة الاغتصاب والتحرش الجنسي والاتجار بالبشر. لقد نفى هذا الصحفي المعارض كل التهم الموجهة إليه، كما أن الفريق الأممي العامل حول الاعتقال التعسفي اعتبر اعتقاله تعسفيا وطالب الحكومة بإطلاق سراحه فورا وتعويضه وفتح تحقيق حول مَن تسبب في اعتقاله. رغم كل هذا، فإن المواقع الإعلامية المذكورة أعلاه شنت لمدة تجاوزت السنة حملة تشهيرية ليس ضد هذا الصحفي المعتقل فحسب بل كذلك ضد ثلاث صحافيات زميلات لهاجر، قدمتهن الشرطة القضائية كضحايا تحرش واغتصاب لبوعشرين لكنهن رفضن اتهام مدير جريدتهن ومجاراة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي تستهدف مؤسس “أخبار اليوم” وهي اليومية الورقية الأكثر انتقادا للسلطة الملكية. ورغم أن القانون يجرّم ويعاقب بشدة الأطباء لمدة قد تصل لعشر سنوات سجنا نافذا ويعاقب المرأة الحامل التي تقبل الإجهاض بسنتين في الحد الأقصى، فإن التشهير الاستعلاماتي تركَّزَ أساسا على السيدة هاجر الريسوني. وحتى عندما جاءت تلك المواقع على ذكر خطيبها، لم تقل عنه في البداية إنه مواطن سوداني، رغم أن جنسيته مسجّلة في وثائق الملف، بل قُدِّم للرأي العام ك”عربي من الشرق” حتى يظن القراء والمشاهدون أن الأمر يتعلق برجل غني من الخليج العربي وذلك نكاية بالسيدة نظرا للصورة السلبية للخليجيين لدى الفئات الشعبية بالمغرب. ويجب التوقف عند أمر مهم آخر يُظهر أن القضية بالغة الحساسية بالنسبة للأجهزة الأمنية العاملة داخل الإعلام. فرغم أن هاجر ترتدي أغلب الأحيان الدجين، كانت الإدارة تطلب منها دائما أن تلبس جلبابا فضفاضا خصوصا أيام الزيارة وأثناء حضورها في المحكمة. وقد استغربت عائلتُها في البداية لما طُلب منها أن تمد هاجر بجلباب يشبه ذلك الذي ترتديه النساء الإسلاميات، لكنها فهمت في الأخير المغزى من هذا الإلحاح الإداري لما قدّمت وسائل الإعلام التشهيرية هاجر كقريبة من حزب إسلامي وعضوة في عائلة عميدها إسلامي. بهذه الطريقة يضرب مَن يدير هذا الملف عصفورين بحجر واحد: فهو يضر بالمصداقية الأخلاقية للمعارضة الإسلامية أولا، ويحاول أيضاً الحد من دعم هاجر من جانب الحركات النسوية العلمانية والصحافة الغربية. كذلك وقبل اعتقال هاجر مباشرة، تبعها ستة من رجال البوليس بلباس مدني وهم من عناصر محاربة العصابات وشرطة الأخلاق، وقاموا بتصويرها وهي تمشي. ولما احتجّت، قالوا لها إنهم سيحتفظون بهذا بملف الأمن. طبعا سينتظر مَن يدبّرون هذا الملف على المستوى السياسي والإعلامي حصول المحامين على ملف هاجر الذي يحتوي فعلا على بعض الصور ليقدموا الصور التي التقطوها إلى المواقع التشهيرية القريبة من الأمن. غالبا ما تدّعي هذه المواقع أنها حصلت على الصور من المحامين إلا أن هذه الحيلة لم تنطلِ على القراء لأن الصور التي نُشرت على مواقع التشهير كانت بالألوان بينما ملف الدفاع لايشتمل إلا على صور قليلة وبالأبيض والأسود. ليست النساء الإسلاميات وحدهن هدف حملات التشهير في موضوع الجنس والأخلاق بل كذلك بعض النساء اليساريات المنتقدات للسلطة كخديجة الرياضي الحقوقية الحاصلة على جائزة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان ونبيلة منيب زعيمة الحزب الاشتراكي الموحد. يُلاحَظ أنه لما تكون ثمة مصلحة قوية للنظام في استهداف فاعل اجتماعي مهم أو يلعب دورا محوريا داخل النخبة السياسية، فإن حملة التشهير قد يبادر بإطلاقها أو يساهم فيها أحد رجالات النظام المعروفين وذلك لإعطاء التهم بعض المصداقية والإيحاء بإمكانية المتابعة القضائية، ومن أجل أن تكون النتيجة المبتغاة، وهي الإخضاع السياسي، مضمونة أكثر. هذا ما حدث في قضية اعتماد الزاهيدي-عبد الله بوانو، حيث شاركت عدة شخصيات مهمة مقربة من النظام في اتهامهما بإقامة علاقات غير شرعية. لم يُقدّم المهاجمون أي دليل باستثناء مقالات تشهيرية نشرها الإعلام المموَّل من السلطة. وقاد الحملة على المستوى الإعلامي موقع “أحداث أنفو” المقرب من الأمن السياسي وموقع “لو360” الذي أسسه الكاتب الخاص للملك. لم تُقدّم وسائل الإعلام المهاجمة أية حجة مادية برهاناً على ماتدّعي ضد البرلمانيَّين رغم الضرر الكبير الذي أحدثته الحملة التشهيرية بحقهما خصوصا وأن كل منهما متزوج وله أبناء. وكان واضحاً أن الهدف هو الضغط على حزب العدالة والتنمية (البيجيدي) حيث تلعب الشخصيتان دورا مهما. فبوانو هو رئيس فريق حزب العدالة والتنمية ويُعتبَر الأكثر انتقاداً للسلطة بين رؤساء الفرق، والسيدة الزاهيدي، وهي رئيسة مجموعة الصداقة بين مجلس النواب المغربي والجمعية الوطنية الفرنسية، كانت قد حازت على شهرة كبيرة لأنها الأصغر سناً بين أعضاء البرلمان المنتخب في خضم الربيع العربي ونتيجة له. لم تعمد الضحيتان إلى تقديم أي شكوى لدى القضاء لأن ذلك كان سيطيل من حملة التشهير ضدهما بدون ضمان أية نتيجة إيجابية مادام القضاء مسيّسا وغير مستقل. وقبل ذلك بأسابيع فقط، اعتُقلت السيدة فاطمة النجار وهي القيادية النسوية بحركة التوحيد والإصلاح مع مسؤول من المنظمة الدعوية نفسها المقرّبة جدا من حزب العدالة والتنمية. وقد اتهمتهما الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي اعتقلتهما خارج صلاحياتها الترابية بإقامة علاقة لاشرعية داخل سيارة بشاطىء قريب من بوزنيقة. وهذه الفرقة، المعروفة شعبيا بالبينبجي (Bnpj)، يعتبرها المعارضون إحدى أخطر أذرع البوليس السياسي بالمغرب. والمستهدف هنا هو حزب البيجيدي ومنظمته الدعوية، فالقضايا الأخلاقية التي ضربت أعضاءه وقيادييه قد ازداد عددها بشكل كبير قبيل الانتخابات الحاسمة لخريف 2016. في السياق الزمني والسياسي نفسه، مسّت حملة التشهير أيضاً بالوزير والزعيم اليساري نبيل بنعبد الله بسبب تحالف حزبه مع حزب بنكيران المغضوب عليه من لدن القصر. وتشتمل هذه الحملة على نقطتين مهمتين: فمن جهة أظهرت الحملة الطبيعة السياسية للتشهير وأن مصدر القرار حوله رفيع المستوى. ومن جهة أخرى، برهنت الهجمات الإعلامية ضد بنعبد الله أن التشهير بالنساء يبدو هدفا في حد ذاته لأن وقعه على الضحية النسوية وعلى حزبها أشد وطأة بسبب البنية الأخلاقية البطريركية السائدة بالمغرب. وهكذا استُهدِفت بدون سبب نساء قريبات من زعيم حزب التقدم والاشتراكية. لقد انطلقت حملة التشهير بزعيم حزب التقدم والاشتراكية بعد أقل من 24 ساعة من إذاعة بلاغ للديوان الملكي ينبىء عن غضب شديد من القيادي اليساري. ثمة ترابط زمني واضح بين الغضب الرسمي وحملة التشهير ببنعبد الله. وقد وجّه البلاغ الملكي انتقادا شديدا لهذا الزعيم السياسي، بل لايُعرف في تاريخ المغرب المستقل أي هجوم كتابي صادر عن القصر بمثل هذه اللهجة العنيفة ضد مواطن مغربي مذكور بالاسم ويتحمل مسؤولية رسمية رفيعة. لقد شهّرت بعض المقالات أخلاقيا بنساء من عائلة بنعبد الله (زوجته وأخته أساسا…) أكثر منه ببنعبد الله نفسه رغم أنهن لا يتحملن أي مسؤولية في قرارات الحزب. التشهير أداة سياسية إن استعمال السلطة لسلاح المتابعة الجنائية بهدف التشهير والضغط على الإسلاميين (يُشار إلى أن عم الصحفية هاجرأحمد الريسوني القريب من البيجيدي هو الفقيه المعارض الأكثر شهرة بالمغرب كما أنه يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، أدى ببعض خصوم الإسلاميين من الحقوقيين العلمانيين المتشددين إلى القول بأن الدولة تُبقي على الجوانب المتخلفة من القانون الجنائي لاستعمالها سياسيا ضد الإسلام السياسي. فهذا كان مثلاً موقف الأستاذ أحمد عصيد حول قضية الصحفية هاجر الريسوني. هذا فضلاً عن أن التشهير الرسمي عبر وسائط الإعلام العمومي والأمني بلغ حداً أصبحت معه شخصيات غير معادية للنظام تدينه علنا. وفي سياق التشهير بالصحفية الريسوني، صرّح محمد الأشعري، وهو وزير اتصال سابق وعضو في حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يشارك في الحكومة الحالية، أن “هناك قنوات وإذاعات ليس لها من العمومية إلا الاسم، تقرأ علينا بيانات النيابة العامة ضد مواطنين عزل”. أضاف المسؤول اليساري في رده على الدعاية الرسمية وشبه الرسمية التي تقول إن هاجر الريسوني هي ضحية الخطاب المحافظ للإسلاميين، أن هؤلاء أي الإسلاميين “ليسوا هم من بعثوا الفريق الأمني الذي اعتقل الريسوني، ولا الفيلق الرهيب الذي اعتقل الصحفي بوعشرين”[24]. يشير الأشعري هنا ضمنيا إلى أن الحكومة الوزارية التي يقودها الإسلاميون ليست هي المسؤولة عن محنة هاجر والتشهير بها، بل إن المسؤولية تتحمّلها أجهزة السلطة الحقيقية التي توعز للمنابر الإعلامية المقربة بالهجوم على هذا المعارض أو تلك الصحافية. وقد وضّح القيادي الاشتراكي الأمر لما قال في التصريح نفسه: “الساحة تعج بالمنابر الموجَّهة (…) ومنابر النهش التي تهبّ عند أول صفير”. ونظرا لحساسية هذه التصريحات، فإن وكالة لاماب الرسمية التي نظمت اللقاء مع الأشعري تصرفت بشكل غير مهني في تعاطيها مع كلامه قبل نشره مغيّرةً بعض معانيه وحاذفة كل الإشارات المهمة والنادرة في فم سياسي معروف، إلى دور الأمن السياسي في التشهير والاعتقالات السياسية. من المهم التأكيد على أن التشهير أشد وقعا على سمعة ومسار النساء السياسيات منه على الذكور. فكما رأينا أعلاه، تراجعت مكانة ماء العينين ونادية ياسين تراجعاً كبيراً داخل منظمتيهما، وامتنع حزب اعتماد الزاهيدي عن ترشيحها في لائحته رغم أن ذلك الترشيح كان منتظرا. وكذلك لحق ضرر كبير بزوجة توفيق بوعشرين إذ تم التشهير بها لمدة تزيد عن السنة، لا بل طالب الإعلام الاستعلاماتي بفصلها من الوظيفة العمومية بسبب عدم مجاراتها للنيابة العامة في قضية اعتقال زوجها ومحاكمته. لقد استعملت المنظومة الإعلامية الرسمية التي تشتمل على أذرع عديدة، قضية الريسوني بأشكال مختلفة رغم أن هدفها واحد وهو الدفاع عن مشروعية النظام وإضعاف خصومه الإسلاميين: فالإعلام “الحداثي” المقرب من السلطة والناطق خصوصا بالفرنسية والذي يتوجه للخارج وللفئات المحلية الحداثية، اعتبر قضية الريسوني قضية أليمة، ولكنه ركز على أن السبب هو الطابع المحافظ للقانون وللمجتمع المغربي وعلى أن الشرطة والقضاء مرغَمان على تطبيق قانون رجعي لا دخل لهما في وضعه أو الحفاظ عليه. وقد وجّه هذا الإعلام نقده للحكومة الوزارية التي يقودها حزب إسلامي واعتبرها مسؤولة عن محنة الصحفية المعتقلة وعن تخلف الإطار التشريعي الخاص بالمرأة والحريات الشخصية. وأكّد هذا الإعلام أيضاً أن هاجر ضحية للمعسكر الذي تتخندق فيه، رغم أنها ليست إسلامية والجريدة التي تكتب فيها ليست إسلامية، ورغم أن أعمامها المنتقِدين للسلطة والمستهدَفين كذلك بحملة التشهير التي رافقت القضية، بعضهم يساري وبعضهم ليبيرالي وبينهم أيضاً الفقيه الريسوني السابق الذكر الذي طالَبَ بإلغاء القانون الذي يمنع الإفطار العلني برمضان. وقد ذكّر هذا التوجه الإعلامي نفسه بمواقف الملك الرسمية الداعمة لتحرير المرأة. هذا الإعلام يتناسى أن القانون الذي يمنع الإجهاض والعلاقات الحميمية خارج الزواج قد وضعته الحكومة الملكية قبل مشاركة الإسلاميين في المؤسسات وأن أجهزة الأمن والقضاء تتلقى تعليماتها من القصر لا من رئيس الحكومة، وهذا ما أشار إليه الأشعري أعلاه. أما الإعلام المحافظ والشعبوي الناطق بالعربية واللغة العامّية والمقرّب من الاستعلامات والموجَّه للفئات الشعبية والقليلة التعليم، فقد اتخذ موقفا معاديا للنساء، وعبّر بشكل بدائي وفج عن رؤية للعالم تؤطرها المركزية الذكورية. وقد استقى أسلوبه من القاموس البطريركي التقليدي والبراديغم الجنساني، واستعمل كلمات نابية ضد الصحفية الريسوني تذكّرنا بتلك المستعملة ضد نادية ياسين وماء العينين. وقد اتُّهِمت هاجر وعائلتها والإسلاميون المعارضون بالنفاق والفساد الأخلاقي لا بل بارتكاب جريمة “قتل جنين” أو الدفاع عنها. خطاب هذا التوجه الإعلامي يجعل أولا من المرأة كائنا اجتماعيا مغتربا عن جسده، ثم ينفي ثانيا الاستهداف السياسي لهاجر ولجريدتها “أخبار اليوم” ويُجهد نفسه بكثير من التبريرات بأن القضية هي قضية حق عام لاغير. وفي الوقت نفسه وبطريقة مناقضة، يُسيّس هذا الإعلام القضية فيهاجم جريدة “أخبار اليوم” والإسلاميين المغاربة ويعتبرهم تابعين لدولة قطر. وقد وجدت هذه المقاربة صدى لها في بعض وسائل الإعلام السعودية والإماراتية التي اعتبرت قضية هاجر فضيحة وعاراً لعائلة الريسوني وللاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه عمها أحمد الريسوني. وفي هذا الصدد، قالت قناة العربية إن عشيرة الريسوني لم تجد ماء لغسل وجهها ولا ترابا لتدفنه، مضيفة أن “فضيحة من العيار الثقيل تلاحق أحمد الريسوني…الذي وُضع في موقف لايُحسَد عليه بسبب ابنة أخيه التي قبضت عليها الشرطة المغربية”. ووصل الأمر بموقع “دقائق” الإماراتي إلى نشر إعلان تشهيري مصوّر بهاجر وعمها مؤدّى عنه (Sponsored) في مواقع التواصل الاجتماعي. إن الإعلام الرسمي والمقرب من السلطة يحاول جاهدا، كلما انفجرت قضية من القضايا الأخلاقية الخاصة بالمرأة سواء أكانت مفبركة أم حقيقية، أن يقنع الساكنة بكل فئاتها الاجتماعية والأيديولوجية (موجها لكل فئة الخطابَ الذي يوافقها) ومهما تناقضت قيمها، بسداد سياسات النظام ومشروعيته وبلاأخلاقية المعارضة وانعدام مصداقيتها. وهكذا فإن ممارسة الحريات الفردية تُستعمَل تكتيكيا،على المستوى القضائي والأمني والإعلامي، من جانب النظام للتخويف من الاعتراف بالحريات العمومية التي هي أساس كل نسق ديمقراطي، وذلك بالقول بأن أي نظام تمثيلي صادر عن الانتخابات سيفوز فيه الإسلاميون الذين يريدون فرض نظام محافظ معادٍ للحريات الفردية مع ممارستهم خفيةً كل الموبقات اللاأخلاقية. هكذا تُستغل بطريقة سلبية الحريات الفردية ووضعية المرأة الهشة على المستويَين الاجتماعي والقيمي في الصراع على السلطة وعلى المشروعية الدائر بين الإسلاميين والقصر الملكي منذ عقود، صراع ازدادت حدته ابتداء من 2011 أي سنة الربيع العربي الذي وضع مشروعية النظام محل تساؤل عمومي.