مرة أخرى، يضرب سلاح الأخلاق والتشهير…، والضحية هي الصحافية هاجر الريسوني. ترجح الواقعة الجديدة بقوة القول: إن التشهير بالأصوات الحرة بات سياسة ممنهجة، وليس فلتات معزولة. وفي كل تلك الحالات، (هاجر، ماء العينين، النجار….) تبدو حماية الحقوق والحريات ليست أولوية بالنسبة إلى السلطة، حينما يتعلق الأمر بمن تصنفهم خصوما لها، ففي كل تلك الحالات تم دهس ضحاياها، ومعهم دهس القانون والأخلاق والأعراف، التي تحث على الستر وحماية الشرف ومراعاة كرامة المواطنين وهشاشتهم. بحسب محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، تلجأ السلطة في المغرب إلى خمس أدوات لإسكات الأصوات الحرة، على رأسها «سلاح التشهير»، الذي يستخدم ضد النشطاء الحقوقيين والصحافيين، تماما، مثلما يستعمل «سلاح المراجعات الضريبية» في وجه رجال الأعمال المغضوب عليهم. استعمال السلطة، بحسب مصباح، سلاح «التشهير» سببه أنه «الأقل كلفة بالنسبة إليها»، فهي «بعدما تضرب ضربتها، ترجع إلى الوراء، فيما تتكلف أجهزة مناولة، بينهم مواقع إلكترونية، وحسابات فايسبوكية، وحتى مرتزقة، بالمهمة المطلوبة، أي التحطيم المعنوي للشخص المستهدف». في هذا السياق العام إذن، تم استهداف الصحافية هاجر الريسوني، لتنضاف إلى لائحة طويلة من ضحايا التشهير، بينهم إسلاميون، ويساريون، وعلمانيون، الرابط الوحيد بينهم أنهم مزعجون للسلطة، والنضال من أجل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، بينما الهدف الرئيس، على ما يبدو، هو عزل هؤلاء وسط المجتمع، والحد من تأثيرهم، بل تحييدهم نهائيا بعد اغتيالهم معنويا. فلماذا سلاح التشهير ضد الصحافية هاجر الريسوني؟ وما هي أهداف السلطة من وراء ذلك؟ وهل لايزال هذا السلاح قادرا على أن يحقق الأهداف المتوخاة من قبل السلطة باستعماله؟ التشهير والمراقبة لإسكات المعارضة في أحد تصريحاتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) أن بعض الدول وغيرها من القوى التي تمسك بزمام السلطة تفعل «كل ما بوسعها لإخراس خصومها، وإغلاق أماكن عملهم». وتضيف المنظمة «تصوِّر هذه الجهات أولئك الذين يتحدّونها بأنهم مجرمون أو إرهابيون أو غير وطنيين أو فاسدين، أو حتى «عملاء أجانب». ثم يمضي الهجوم إلى أبعد من ذلك، «حيث يصل إلى حد تشويه السمعة والحبس، وحتى استخدام العنف لإسكات المعارضة». لا تعني هذه الخلاصة التي قدّمتها منظمة العفو الدولية على موقعها الإلكتروني /المغرب بشكل مباشر، لكن تتبع الأساليب التي تُستعمل في ملاحقة الأصوات الحرة، من صحافيين وحقوقيين وحتى سياسيين، وخصوصا التشهير وتشويه السمعة، يدفع إلى القول إن المغرب بات يعتمد المسلك نفسه الذي سلكته دول أخرى في المنطقة، أي استعمال «التشهير والمراقبة لإسكات المعارضة». وفي تقرير للخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لسنة 2018، أفاد أن السلطات المغربية عرّضت بعض الصحافيين «للمضايقات والتخويف، وشمل ذلك تشويه سمعتهم من خلال نشر شائعات تسيء لحياتهم الخاصة». وأورد التقرير الحديث عن صحافيين اثنين في الفقرة الخاصة بحرية الصحافة هما: توفيق بوعشرين، مؤسس «أخبار اليوم»، الذي تعرض لحملة تشهير واسعة ساهمت فيها قنوات الإعلام «العمومي»، والآخر هو حميد المهداوي، مدير موقع «بديل الإلكتروني». قبل أيام أضيفت هاجر الريسوني إلى اللائحة، ويبدو أن التشهير بها، أيضا، كان مقصودا من قبل السلطة، حسب منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أكدت أن «هاجر الريسوني مُتّهمة بسبب سلوكيات خاصة مزعومة، والتي لا ينبغي تجريمها أصلا. علاوة على ذلك، من خلال نشر مزاعم مفصلة عن حياتها الجنسية والإنجابية، انتهكت السلطات حقها بالخصوصية ويبدو أنها سعت إلى التشهير بها». أما منظمة العفو الدولية، فقد اعتبرت في بيان حول اعتقال هاجر الريسوني أن «إلقاء القبض على هاجر الريسوني وأربعة آخرين ظلم كبير»، كما اعتبرت ادعاءات النيابة العامة «تمثل انتهاكاً شنيعاً لخصوصياتها»، وتابعت في بيان رسمي «بدلاً من ترهيب هاجر الريسوني من خلال محاكمتها بتهم ظالمة، ينبغي على السلطات إطلاق سراحها فوراً ومن دون قيد أو شرط، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليها، وإلى غيرها الذين شملتهم هذه القضية». من جانبها، ترى خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن قضية هاجر الريسوني تكشف عن «أسلوب جديد» في القمع بالمغرب، حيث «تستخدم جسد المرأة لتصفية حسابات سياسية». وأضافت الرياضي أن للسلطة «ثلاثة أهداف من وراء هذا الأسلوب، أولاً: إخفاء الطابع السياسي حتى لا تظهر وكأنها تنتهك حقوق الإنسان، وثانياً، محاصرة التضامن مع المعتقل، وثالثاً، تشويه سمعة المعتقل وضرب مصداقيته في المجتمع». وتابعت الرياضي أن السلطة باتت تلاحق الصحافيين والحقوقيين وحتى السياسيين ب»تهم تتعلق بالحق العام»، بينما هي في الحقيقة «تتابعهم بسبب مواقفهم وكتاباتهم»، كما أكدت أن اعتقال هاجر الريسوني «تم لأسباب سياسية، تتعلق بمواقفها وكتاباتها، وبالخط التحريري لصحيفة «أخبار اليوم» التي تعمل فيها، ولكونها تنتمي إلى عائلة معارضة». وكانت هاجر الريسوني قد أكدت في رسالة بعثت بها إلى مؤسستها الصحافية «أخبار اليوم»، وكشفت فيها عن جزء من مجريات التحقيق الأمني، حين قالت: «سألني رجال الأمن عن كتاباتي السياسية، وعن عمي أحمد، وعمي سليمان، أكثر مما سألوني عن التهم الملفقة لي». وأضافت هاجر في رسالتها من سجن «العرجات» نواحي مدينة سلا: «أنا هنا أؤدي بالنيابة ضريبة عائلة قالت «لا»، في زمن الهرولة لقول «نعم»، وها أنا أمشي إلى قدري بقلب مفجوع ورأس مرفوع». أدوات مناولة تفضل أجهزة السلطة أسلوب التشهير في مواجهة الصحافيين والحقوقيين والسياسيين، نساء ورجالا، لتخفي، كما أشارت إلى ذلك، خديجة الرياضي، الحقيقة، أي انتهاك حقوق الإنسان. كما أنها تميل إلى هذا الأسلوب، بحسب محمد مصباح، لسبب آخر، وهو «أن التشهير يعد الأسلوب الأقل كلفة بالنسبة إليها»، فهي «بعدما تضرب ضربتها، ترجع إلى الخلف لتتقدم أدوات مناولة، بينهم مواقع إلكترونية، وحسابات فايسبوكية، وحتى مرتزقة، بالمهمة المطلوبة، أي التحطيم المعنوي للشخص المستهدف». لذلك، ومنذ اللحظة الأولى لاعتقال توفيق بوعشرين انبرت وسائل إعلام إلكترونية، ومحامون، وحتى صحف ورقية، إلى الدفاع عن رواية السلطة وادعاءات النيابة العامة، مع أن الدستور والقانون يؤكدان أن المتهم بريء حتى تتم إدانته، ولم تكتف تلك الأدوات بالترويج لتهم وادعاءات النيابة العامة، بل تجرؤوا على نشر مقاطع من محاضر رسمية، قبل أن ترفع عنها السرية. وقد تكرر الأسلوب عينه، في حالة هاجر الريسوني، فمرة أخرى تم ترويج الصور الشخصية لهاجر الريسوني وخطيبها، وترويج محاضر الشرطة القضائية، قبل أن تتزعم جوقة المدافعين عن اتهامات وادعاءات النيابة العامة منابر إلكترونية وصحافية معينة، وكأنها حقيقة منزلة من السماء. ورغم أنه من المبالغة مقارنة المغرب بمصر، إلا أن إطلالة قصيرة على تقرير حقوقي صدر في يوليوز الماضي عن الشبكة العربية لحقوق الإنسان يكشف كيف أن تجنيد أدوات بعينها؛ من صحافيين وإعلاميين ومحامين وحتى سياسيين، بات السمة العامة التي تُميّز المنطقة منذ نجاح الثورات المضادة في وقف نتائج ثورات الربيع العربي بمصر وغيرها سنة 2013. لقد رصد التقرير كيف أن «التشهير والتحريض» وصل إلى حد تهديد وزيرة في الحكومة المصرية ب»ذبح» المعارضين، موضحا الكيفية التي تسخر بها السلطة وسائل إعلام مكتوبة ومرئية وإلكترنية للتهجم على خصومها، والتي تصل أحيانا إلى إرسال التعليمات الكتابية إلى الصحافيين المجندين في هذه «الحرب القذرة» على الهاتف وعبر تطبيقات «الواتساب». مبدئيا، يفترض في الصحافة والمحاماة الدفاع عن الحقوق والحريات، خصوصا وأنهما من المؤسسات التي وجدت للدفاع عن حريات وحقوق الإنسان، بغض النظر عن الفروقات والاختلافات التي قد تكون موجودة، وبالتالي، الانحياز إلى المجتمع كلما تجاوزت السلطة حدودها، لكن يبدو أن بعض الصحافيين والمحامين، سواء هنا أو هناك، قد اختاروا الانحياز إلى السلطة قبل أي شيء آخر، فضلا عن «الأنترنيت» الذي يتيح لهم بث الكراهية والقذف، بدون رقيب أو حسيب. من جهته، يرى الحقوقي والمؤرخ، المعطي منجب، أن «الإعلام الرقمي بات الفضاء الأول لهذه الصناعة الوطنية الرائجة». ففي حالة آمنة ماء العينين، البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، التي تم نشر صورها الأولى، على الأرجح، من قبل محامين معروفين على «الفايسبوك»، قبل أن تنتقل تلك الصور بسرعة إلى مواقع إلكترونية، ثم صحف ورقية. وفي رأي منجب، فإن «الدور الكبير الذي لعبه الإعلام الرقمي والشبكات الاجتماعية سنة 2011 في تعبئة جماهير المتظاهرين ضد السلطة، جعل هذا الأخيرة تفطن هي الأخرى لضرورة استثمار هذا الفضاء الجديد فيما يخدم مصلحتها، وإن كان ذلك يتم طبعا، بطريقة لا أخلاقية تستهدف حياة المعارضين الشخصية وتلفيق التهم والأكاذيب». لا يعني ذلك أن السلطة أو أجهزتها تبقى بعيدة عن تحريك مثل هاته الأدوات، فهذا مستبعد حسب كثير من المتتبعين، لأن «الطريقة الوحيدة لكي تبرئ السلطة ذمتها من تهمة التشهير»، بحسب عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، أن «تتدخل الجهات المسؤولة ضد المشهرين وفق القانون». وأضاف العلام «قد يكون من الصعب إثبات ذلك، لكن في جميع الأحوال لا بد من الاعتراف أن هناك مسؤولية للدولة، لا أقصد أنها وراء هذا الأمر، ولكن مسؤوليتها تكمن في وجوب تدخلها لمعاقبة الجهات التي تشهر بالحياة الخاصة للشخصيات العمومية، وأن تقوم النيابة العامة بعملها، فهي الطريقة الوحيدة لكي تبرئ الدولة ذمتها من حملات التشهير التي تطال بعض الشخصيات». الجنس والمال والعمالة تركز التهم الموجهة من قبل السلطة ضد خصومها على ثلاثة موضوعات حساسة بالنسبة إلى الرأي العام؛ هي: الجنس والمال والعمالة للأجنبي. عقب توقيف الصحافي توفيق بوعشرين في 23 فبراير 2018، وقبل أن توجه له التهم رسميا من قبل النيابة العامة، شنت المواقع الإلكترونية المقربة من السلطة هجوما عنيفا وحادا على بوعشرين و»أخبار اليوم»، حيث تم تداول ثلاث تهم دفعة واحدة لتفسير سبب اعتقاله: التمويل الأجنبي، الخيانة والعمالة لدولة خليجية، ثم تهم الجنس. وفي 27 يناير 2017، جمعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان ضحايا التشهير من داخل المغرب وخارجه في ندوة دولية بالرباط، ظهر على إثرها أن الموضوعات الثلاثة للتشهير بالحقوقيين والصحافيين والسياسيين، الذين يجمعهم النضال من أجل الديمقراطية باختلاف مرجعياتهم، هي الجنس والعمالة والمال. أغلب ملفات التشهير التي لحقت بالإسلاميين، سواء من حزب العدالة والتنمية أو حركة التوحيد والإصلاح أو جماعة العدل والإحسان، ركزت على قضية الجنس. من ذلك قضايا نادية ياسين، كريمة مؤسس جماعة العدل والإحسان، التي التقطت لها صور في اليونان مع زميل من أيام الدراسة، وهي صورة عادية تماما كونها التقطت في شارع عام، لكن الصحف التي تولت التشهير بها حمّلتها أكثر مما تحتمل، بما في ذلك الإيحاء بالجنس والخيانة الزوجية. ويبدو أنها صورة ألحقت ضررا بالغا بنادية ياسين، التي قررت على إثرها التواري عن الأنظار، وربما الانسحاب من الجماعة نهائيا. وتكررت اللعبة نفسها مع عمر بن حماد وفاطمة النجار القياديين في حركة التوحيد والإصلاح، اللذين تزوجا عرفيا في انتظار توثيق الزواج قانونيا، لكن الصحافة، التي توصف ب»الصفراء»، شنت عليهما حملة شعواء، ما دفع قيادة حركة التوحيد والإصلاح إلى إقالتهما، ثم اختفيا عن الأنظار منذ صيف 2016، وإلى اليوم. أما في الندوة المشار إليها، فقد روى الفنان رشيد غلام، المنتمي إلى جماعة العدل والإحسان، كيف تم اتهامه بالخيانة الزوجية، وإعداد وكر للدعارة، وهو الحدث الذي وقعت تفاصيله سنة 2007، حين «طلبت الخارجية المغربية من عدد من الدول منها مصر عدم استقبالي». ويزعم غلام بأنه كان على متن سيارته في شارع في مدينة الدارالبيضاء فأوقفه شرطي وطلب منه أوراق السيارة: «كان شرطي مرور بلباس عادي، وقال لي إن هذه السيارة مسروقة»، يقول غلام، مضيفا «طلب مني ركوب سيارة الشرطة، لأنه لا يمكن استعمال السيارة المسروقة». وعندما ركب تم عصب عينيه، بحسب مزاعمه، من طرف أشخاص، وتعرض للضرب والصعق بالكهرباء. ثم نُقل من الدارالبيضاء إلى مدينة الجديدة، وأدخلوه إلى بيت هناك عاريا وحافيا، وأدخلوا عليه فتاة، «فجأة دخلت الشرطة ووجهت إلي تهمة الخيانة الزوجية». وبعد ذلك، توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء بخبر اعتقاله، وحصلت على محضر الشرطة، ونشرت قصاصة في هذا الشأن. وقضى غلام شهرا في السجن، وأسقطت محكمة النقض في ما بعد ذلك الحكم في 2009، «ومع ذلك لازالت بعض الصحف تلصق بي هذه التهمة». بالمقابل، يتم التركيز على قضايا التمويل حينما يتعلق التشهير باليساريين. في حالة رشيد البلغيتي، صحافي وناشط جمعوي، تم إيقافه من قبل الشرطة بسبب شيك بدون رصيد، لكن بعض المواقع الإلكترونية أضافت إلى التهمة تهما أخرى مثل حديثها عن علاقات مشبوهة بالمافيا وبارونات المخدرات الانفصاليين بالشمال. وقد انتشر الخبر كانتشار النار في الهشيم. لكن قليلين من كانوا يعرفون أن قضية الشيك وحساب الجمعية التنموية التي يترأسها البلغيتي قد اختلقتها جهات مجهولة وروّجتها لأزيد من سنة، قبل أن يختفي حساب الجمعية من شاشات حواسب البنك المعني. شعر رشيد البلغيتي بخطورة المناورة، فقام بنشر خبر الاختفاء الغريب على صفحات الشبكات الاجتماعية وأخبر، كذلك، عمر بلافريج، أحد البرلمانيين الديمقراطيين، الذي وضع سؤالا علنيا موجها لوزير المالية. وهكذا، وتحت ضغط أدوات المناولة تحركت الهواتف ليرجع الحساب في الغد، وليتسلم البلغيتي شهادة تفيد أن الحساب موجود فعلا، وأن لا خوف عليه. لكن، ما لم يكن بالحسبان وقع، إذ اختفى الحساب من جديد بعد أيام، بل إن تحويلا ماليا مهما لصالح حساب الجمعية تم اختفاؤه، كذلك. الحصيلة أن الصحافي المشاكس قضى سنة كاملة يراسل المسؤولين ويتجول بين الإدارات. هناك قضية أخرى، تتعلق بالتجسس حين يتعلق الأمر بصحافيين أجانب، في هذا السياق يمكن الإشارة إلى حالة الصحافي «إغناسيو سمبريرو»، الصحافي الإسباني، الذي كان مكلفا بتغطية أخبار المغرب العربي في جريدة «إلباييس» من سنة 2004 إلى غاية سنة 2014. سمبريرو تعرض لمسلسل التشهير على صفحات صحف ورقية مغربية ناطقة باللغة الفرنسية، متهمة إياه بالجاسوسية، وأنه يعمل لصالح المخابرات الإسبانية، وقد تقدم بشكاية أمام القضاء المغربي يشتكي فيها من القذف، وقد قضت المحكمة الابتدائية لصالحه، بغرامة قدرها 10 آلاف درهم، لكن الاستئنافية اعتبرت أن تهمة الجاسوسية ليست قذفا. ويروي سمبريرو أنه «بعدما تم رفض شكاياتي ضد التشهير، أصبح أحد من كنت ضحية له يتقلد منصبا عاليا في مؤسسات الدولة الإعلامية». التهمة عينها تعرض لها الحقوقي والأستاذ الجامعي المعطي منجب، أي التمويل الأجنبي والتلميح بالخيانة والعمالة للخارج، فضلا عن تهم أخرى مثل «المزوّر» للتاريخ، وهو الذي ساهم في كتب رسمية حول التاريخ صادرة عن المعهد الملكي للبحث التاريخي، لكن خصومه لا يهمهم علمية منجب وتكوينه العلمي، بقدر ما يهمهم تشويه سمعته أمام الرأي العام المغربي حتى لا يعود يسمع إليه أحد، وهو الهدف البارز على ما يبدو من وراء حملات التشهير التي تستهدف كل المعارضين للسلطة. ومن القضايا التي تعرض بسببها المعطي منجب للتشهير دوره في «مركز ابن رشد للدراسات والتواصل»، ودوره في تأسيس «الجمعية المغربية لصحافة التحقيق». موقع إلكتروني مقرب من السلطة كتب أن الجمعية «تعتبر واحدة من الجمعيات التي يختبئ خلفها منجب لاختراق الأمن المغربي، والعمل ضد السيادة المغربية باسم الحق في ولوج المعلومة»، والمبرر في رأي هذه الصحيفة الإلكترونية التي صارت أداة تشهير ضد المنتقدين والمعارضين «أن المعطي منجب ليس مستقلا حين يدعو إلى استقلالية الصحافة، وهو عَمِل في أكثر الصحف التي تعبر عن مصالح حزبية أو أجندات معروفة»، بل إن «منجب يتجاهل الفرق بين ما هو من ضرورات السيادة، وما هو من الحقوق السياسية والصحفية»، واعتبر أن «التقارير والتصريحات التي يقدمها المعطي منجب للدوائر الخارجية تضرّ بالأمن العام المغربي، وتنشر الفوضى وتغطّي على جرائم السياسيين باسم حقوق الإنسان، ولقد تنكر منجب لحقوق الإنسان وحقوق المرأة وهو يدافع عن أصدقائه المرتبطين بنفس الأجندات. وقد راهن المعطي منجب على تيار التغيير الذي مثلته دوائر أجنبية بتحالف مع الإخوان لزعزعة استقرار المغرب تحت يافطة التغيير الديمقراطي، حيث كان منسقا لفرع المغرب في جمعية مواطني الشرق الأوسط». بعبارات أخرى، صار المعطي منجب أقرب إلى خائن للوطن، بحسب هذه الصحيفة، التي لازالت تحتفظ بمثل هذه المقالات على موقعها الإلكتروني. فعالية التشهير لم تتجاوز الجهات التي اتخذت من التشهير أسلوبا لها في إدارة الصراع السياسي عن منجب والبلغيثي أو غيرهما، ودائما ما تذكر «من تسول له نفسه» بما تعتبره جرائم تستحق المتابعة القضائية، لكن تضيف في كل مرة ضحية جديدة، وآخرها هذه الأيام آمنة ماء العينين، التي يبدو أن حزبها قد تخلى عنها، رغم التصريحات التي تصدر من هنا وهناك ضد التشهير بالشخصيات العمومية. والمثير أن تلك الجهات تنجح في الوصول إلى هدفها، أي عزل الشخص المستهدف بالتشهير وإحالته على التقاعد المبكر، حصل هذا مع نادية ياسين وعمر بن حماد وفاطمة النجار ورشيد غلام وآخرين كثر، لكن هناك شخصيات قاومت التشهير ولاتزال، مثل: المعطي منجب وغيره. سعيد السالمي، أستاذ العلوم السياسية في فرنسا، وبعدما حدد الهدف من وراء التشهير، في حديث مع «أخبار اليوم» في هدفين: الأول، هو العزل، والثاني، هو نزع المصداقية عن المعارضين، ويشرح موضحا «فالعزل من صميم الأسس التي تبنى عليها الأنظمة السلطوية، ويتخذ أشكالا مختلفة على غرار الضغط على العائلة أو الزوج حد التطليق، أو الفصل من العمل، أو الشيطنة باستعمال النظام الاجتماعية والدينية»، أما نزع المصداقية عن المعارضين السياسيين المؤثرين داخل المجتمع، فيستهدف حياتهم الخاصة من أجل كشف التناقض بين سلوكهم والمثل القيمية والأخلاقية التي يدافعون عنها». ويرى السالمي أن هذه الاستراتيجية مافتئت تحقق أهدافها «فعلى المستوى النفسي والاجتماعي، يؤدي قطع مورد الرزق وتأثر المحيط المباشر بحملات التشهير إلى إنهاك المستهدفين، خصوصا وأن الأنظمة تتوفر على وسائل فعالة استخباراتية، تستطيع من خلالها الوصول إلى حميمية الناس وتعزز بها إخضاعهم». أما على المستوى السياسي، فإن «حملات التشهير تحقق أهدافها، لأنها توظف من قبل الخصوم السياسيين»، وهم خصوم يستحلون كل الوسائل من أجل تحطيم الخصم، علما أن الدائرة قد تدور عليهم أيضا. لكن عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، يرى أن فعالية التشهير تراجعت، وفي حالة هاجر الريسوني «هناك تضامن واسع معها، بما في ذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما يعني أن هذا السلاح لم يعد فعالا»، فالسلطة حين «تستهدف شخصا، لا تفعل ذلك لكي يصبح الشخص المستهدف محط تضامن من مختلف الأطياف، لذلك يبدو لي أن من صانعي ملف هاجر الريسوني تفاجؤوا بحجم التضامن معها وبحجم التنديد ضد السلطة، التي يتأكد أنها الخاسرة في هذه القضية، داخليا وخارجيا». ومضى العلام قائلا: «لقد حان الوقت لكي تتوقف السلطة عن استعمال سلاح الأخلاق، خصوصا وأنه لم يعد يستعمله في المنطقة سوى عبدالفتاح السيسي في مصر».