لازالت هاجر الريسوني، الصحافية، البالغة من العمر 28 عاما، معتقلة منذ يوم السبت قبل الماضي بعد اتهامها بالخضوع لإجهاض غير قانوني. تشتغل الصحافية في جريدة “أخبار اليوم”، التي يقبع مديرها المؤسس، توفيق بوعشرين، في السجن، منذ أواخر فبراير 2018، والمحكوم ابتدائيا ب12 سنة سجنا نافذا بمجموعة من التهم ذات طابع جنسي، مثل الاغتصاب والاتجار في البشر. من جهته، نفى دفاع بوعشرين حينها التهم الموجهة إلى موكله جملة وتفصيلا، مؤكدا أن التهم ذات دوافع سياسية. إذ في الواقع، أن أسباب الاعتقال تعود إلى الخط التحريري للجريدة الذي ينتقد سياسة الدولة ويتعاطف مع الإسلامي عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة المعفى من قبل الملك محمد السادس في 2017. تُتهم الريسوني بربط علاقات جنسية بدون أن تكون متزوجة، وبالخضوع لإجهاض غير قانوني، و”بانتحال هوية” أثناء تقدمها للمصحة بغير هويتها الحقيقية. كما تم، كذلك، اعتقال الطبيب والممرضة وكاتبته، علاوة على خطيبها، وهو أستاذ جامعي سوداني، والذي كانت هاجر تستعد لإقامة زفافها يوم 14 شتنبر الجاري. أول جلسة للمحاكمة تعقد يوم الاثنين (أي أول أمس 09 شتنبر). من جانبه، يوضح دفاع هاجر الريسوني أنها لم تخضع لأي إجهاض وأنها زارت المصحة بسبب نزيف داخلي. “اعتقلت هاجر حوالي الساعة ال11.15 من يوم السبت قبل الماضي بالقرب من المصحة. لا أعرف ماذا كانت تفعل الشرطة في تلك الساعة هناك، لأنه لم تكن هناك أي شكاية أصلا ضد هاجر”، يشرح المحامي في حديث ل”إلباييس”. بدورها، أشارت خديجة الرياضي، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة غير الحكومية الأكبر في البلد، في تصريح لموقع “يابلادي” قائلة: “نحن ندين الطريقة التي اعتقلت بها هاجر والتجسس على حياتها الخاصة. من جهتنا نعتقد أن تهمة الإجهاض ليست سوى ذريعة للزج بهاجر في السجن بسبب عملها الصحافي، وللضغط على محيطها، لاسيما على الصحافي سليمان الريسوني، (الصحافي البارز في “أخبار اليوم”). كما لا يخفى أن هاجر الريسوني هي قريبة شخصيتين معروفتين جدا في المغرب: فعمها هو أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الهيئة الإيديولوجية للحزب الإسلامي العدالة والتنمية، والذي يقود التحالف الحكومي. هاجر الريسوني كانت عبرت أنها ضد الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج الزواج. قريب آخر معروف هو عمها سليمان الريسوني، كاتب الرأي اليساري، والذي صرح لهذه الجريدة قائلا: “اعتقلت هاجر لأنها صحافية شجاعة جدا وتشتغل في جريدة مثل “أخبار اليوم”؛ لديها خط تحريري ينتقد سياسات الدولة. ثانيا، كانت هاجر أجرت حوارا مع أحمد الزفزافي، والد قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي. علاوة على انتمائها العائلي، كما علِمنا، عبر دفاعها، أن المحققين طرحوا عليها الكثير من الأسئلة عني”. شفيق الشرايبي، طبيب نساء ورئيس الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري، صرح لأسبوعية “تيل كيل” قائلا: “تعودنا في السنوات الأخيرة على الكثير من الاعتقالات بسبب حالات الإجهاض، لا سيما اعتقال الأطباء وفريقهم الطبي. غير أن الاستثناء في هذه الحالة هو اعتقال المرأة المجهضة”. خديجة الرياضي أكدت للجريدة قائلة: “تم التشهير بهاجر في صحافة السلطة (…). كما أن قرينة البراءة لم تحترم في حالتها. (…) ورفضت النيابة العامة متابعتها في حالة سراح، وهذا فيه خرق أيضا لحقوقها. حالتها الصحية حرجة وتحتاج إلى متابعة طبية خاصة، وهو الشيء الذي لن يتأتى لها في السجن. لهذا، أُحيي حملة التضامن الواسعة التي تطالب بالحرية لهاجر، خاصة وأن الحملة يقف وراءها صحافيون شباب”. حتى سنة 2015 كان يُسمح بالإجهاض في حالة وجود تهديد على حياة الأم فقط. بعدها طالب الملك محمد السادس بتعديل القانون، ومنذ تلك الفترة سمح بالإجهاض في حالة تشوه الجنين أو الاغتصاب أو حمل ناتج عن زنا المحارم. غير أن منظمة الصحة العالمية ترى أن عدد حالات الإجهاض هو في ارتفاع، إذ وصل إلى 1500 حالة في المغرب. وبخصوص العقوبات، فبالنسبة إلى النساء اللواتي يجهضن تتراوح العقوبة في حقهن ما بين 6 شهور إلى سنتين سجنا نافذا. فيما تصل لدى الأطباء إلى خمس سنوات. عقب اعتقالها، كتبت جريدة “أخبار اليوم” في افتتاحيتها أنه قبل 18 شهرا اعتقل مدير الجريدة “بينما كان متلبسا بكتابة الافتتاحيات في مكتبه”، و”اليوم، صحافية من اللواتي تضامن معه تحذو حذوه”. من جهته، أشار موقع “360”، المقرب من سياسة الدولة، أن هاجر ضحية أمرَّين: “ضحية انتمائها الإسلامي”، (…) وضحية قوانين متجاوزة يتوجب تعديلها، وهو الشيء الذي يرفضه كليا عمها (أحمد الريسوني) وصحبه، أتباع الإيديولوجية الإسلامية، والذين هم جزء من الحكومة الحالية”. احتجاجات ضد الاعتقال اعتقال الصحافية هاجر الريسوني أثار موجة واسعة من التضامن معها. العديد من المواطنين والذين انضمت إليهم العديد من المنظمات الحكومية، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دعوا الاثنين (أول أمس) (09 شتنبر) إلى وقفة احتجاجية أمام المحكمة الابتدائية بالرباط، حيث من المنتظر محاكمة هاجر. أثارت حالة هاجر جدلا واسعا، حيث اختلطت فيها الكثير من النقاط الحساسة في المجتمع المغربي. يشار إلى أن هاجر تعمل في “أخبار اليوم”، التي يقبع مديرها توفيق بوعشرين في السجن. كما أن الجريدة من جهتها نفت في مقالاتها أن تكون هاجر قامت بأي إجهاض، مبرزة أن اعتقالها يستهدف الجريدة. في المقابل، تركز بعض المنابر الإعلامية القريبة من السلطة على ازدواجية خطاب الصحافية. المحتجون يطالبون بالإفراج الفوري عن هاجر الريسوني وخطيبها والطبيب وطاقمه. في النهاية، شارك نحو 50 ناشطا تقريبا في الوقفة أمام المحكمة. ابتسام لشكر، رئيسة حركة البديل للحريات الفردية، علقت على قضية اعتقال هاجر قائلة: “يمكن أن لا نكون مجموعة كبيرة هنا (في الوقفة)، لكن هناك تعبئة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي”. وأضافت أن هاجر عانت من “إهانة مزدوجة”، “أولا، لأنها اعتقلت، ثانيا، كشفُ حالتها للعموم”. وتابعت “ما يبدو أكثر درامية في هذه الحالة” هو “إجبار هاجر على الخضوع للخبرة. هذا ليس عنفا ضد المرأة فقط، بل نوع من الاغتصاب. يمكن القول إن الدولة تغتصب النساء”. من جانب آخر نشرت العديد من وسائل الإعلام المغربية نتائج الخبرة الطبية التي أُخضعت لها هاجر الريسوني في مستشفى عمومي بعد اعتقالها. إذ كان الهدف من هذه الفحوصات هو أن تحدد السلطات إن كان هناك إجهاض أم لا. سليمان الريسوني، الصحافي وعم هاجر، وصف الطريقة التي تم التعامل بها مع قريبته ب”التعذيب”. موجة التعاطف مع هاجر انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بامتياز. لكن، حتى المواقع المقربة من السلطة مثل موقع “360” رُفعت فيها أصوات تنتقد، أيضا، الاعتقال. كاتب الرأي كريم بوخاري كتب نهاية الأسبوع المنصرم في الموقع عينه قائلا: “قبل كل شيء، أطلقوا سراح هاجر”. وتابع “يوم السبت الماضي، لجأت شابة تبلغ من العمر 28 عاما مصحة رفقة خطيبها. بعد دقائق غادرت المصحة (هل كان هناك إجهاض أو مجرد نزيف دموي أو آلام أسفل البطن؟ العدالة ستقول كلمتها)، وبدل العودة إلى البيت، وُضعت لها الأصفاد واقتِيدت إلى مستشفى حيث عانت، رغما عنها، من تدخل أخصائي وراء أخصائي، والفخذين مفتوحين والذهن شارد أمام مجموعة من الأمنيين والأطباء والمتلصصين”. “انتهى بها المطاف مصدومة في السجن حيث كانت تقبع في انتظار محاكمتها”، يكتب بوخاري. “احكوا هذه القصة لأي مواطنين في العالم، وسيقول: هل أنتم مجانين؟ هل جن بلدكم؟ لن يسألكم ما اسمها. وهل هي إسلامية أو علمانية أو صحافية أو ربة بيت أو قريبة أحدهم. لن يسألكم حتى إن كان الأمن نصب لها فخا. كل هذه المشاكل ثانوية (…) قصة هاجر هي بالأخص قصة امرأة مسجونة لأنها أحبت رجلا. أما الباقي، فهو ثانوي (…) جريمتها هي أنها أحبت وتصرفت بحرية في جسدها. لديها سبب للقيام بذلك، حتى لو كان القانون الجنائي ينص على خلاف ذلك”. عن (إلباييس) بتصرف