في هذا الحوار مع «أخبار اليوم»، تحدث نائب رئيس حركة «النهضة» والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، عبدالفتاح مورو، بكل أريحية، حيث لم يتردد القيادي في الحزب الأول بالجمهورية التونسية من التعبير عن مخالفة حزبه في دعم المرشح الرئاسي قيس سعيد، محملا مسؤولية عزوف المنتخبين للأحزاب التي تخلت عن التأطير المجتمعي، كما عبر عن عدم رضاه التام عن نتائج الانتخابات التشريعية التي بوأت حزبه المرتبة الأولى، مشيرا إلى أن تصويت التونسيين أحدث «شرذمة» في البرلمان. بعد تصدركم للانتخابات التشريعية، ما هي خطة النهضة في تشكيل الحكومة، خاصة في ظل الانقسامات الحزبية التي تعيشها تونس؟ هذا سؤال مطروح داخل الحزب منذ أن علمنا بنتائج الانتخابات، وهي نتائج غير مشجعة حقيقة، لأنها لا تسمح بتوفر أغلبية مريحة من شأنها أن تقود العمل النيابي، على اعتبار أن نظامنا في تونس هو نظام نيابي وبرلماني، وبالتالي يقوم عادة على أساس حزب الأغلبية، في حين أنه لم تتوفر لنا أغلبية، بل تقلصت للأسف عما كانت عليه في الانتخابات السابقة قبل خمسة أعوام، وأصبح الآن من الصعب كثيرا القدرة على تأليف وتشكيل حكومة تحظى بأغلبية، خاصة وأن أصواتا ترتفع من بعض الأحزاب التي ربحت في الانتخابات، والتي تقول بأنها لن تتحالف مع النهضة، أو مع طرف فلاني وطرف آخر، كما توجد أحزاب أخرى تعبر عن رغبتها في البقاء بالمعارضة، وهذا يعسر مهمة النهضة بشكل كبير… ليس طبعا قصور من جهتنا، وإنما راجع للوضع الدستوري الذي يفرض علينا بموجب قانون الانتخابات أن لا تكون هناك أغلبية مريحة. لنسمي الأمور بمسمياتها، تقصد حزب «قلب تونس» بكلامك، والذي حل ثانيا وأعلن بشكل مسبق رفضه التحالف مع النهضة، تماما كما سبق للحركة أن فعلت، ما سبب هذا الخلاف الكبير؟ نعم، صحيح جدا، زيادة على ما قلته، فإن «الحزب الدستوري الجديد» كان بدوره يلوح منذ مدة بعدم رغبته في أن يتقابل مع النهضة أصلا، ويصفنا بأننا «خوانجية»، و»الائتلاف الديمقراطي» بدوره عبر عن رغبته بالبقاء في المعارضة ولن يلتحق بأي أغلبية إلا إذا حصل على ثلاث وزارات، من بينها وزارة الداخلية، ووزارة الإصلاح الإداري، وهذا غير منطقي، فالطبقة السياسية لا يفترض أن تشترط على بعضها حقائب وزارية ومناصب، وكأن الرغبة في العمل الجماعي غير متوفرة وما ألاحظه هو أن هذه الرغبة تظهرها بشكل جلي نتائج الانتخابات. يبدو أن النهضة في «ورطة» ومهمة تشكيل الحكومة مسألة عسيرة، ما السبب في ذلك؟ في الحقيقة البرلمان التونسي يضم ثلاثة توجهات كبرى، الأول يقال عنه إسلامي، وهو الذي تموقعت فيه النهضة، ثم التوجه الوسطي الحداثي فالتوجه اليساري. وعموما هذه التوجهات الثلاثة تقاسمت بنسبة معلومة منذ 2014 المجلس، فكان أكبر توجه هو الوسطي الحداثي بنسبة 90 مقعدا، ثم حركة النهضة ب80 مقعدا تقريبا، ثم بقية الشتات من اليسار أو الملتفين حوله. الآن نفس هذه النسب قائمة، ولكنها بتشقق في داخلها، مثلا النهضة التي كانت قد حصلت على 80 صوتا، الآن تقسمت بينها وبين حزبين أو ائتلافين جديدين يرجعان إلى نفس العائلة، وفي الحقيقة الذي حصل هو أن هناك تشققا بداخل الأسرة السياسية الواحدة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطرف الحداثي، مثلا في حزب «نداء تونس» الذي انقسم بدوره إلى «تحيا تونس» و»قلب تونس» كلها أحزاب من أسرة واحدة، ولكن تشققت فيما بينها وهذا يعني أن مقاربة السلطة والقرب منها هو الذي يتسبب في التشقق، حيث يقع الخلاف حول كيفية التعامل مع الواقع من نفس الأسرة الواحدة، ثم البعض يلوم البعض الثاني، فيحدث الانفصال، وهذا ما يجعل خطة تكوين الحكومة اليوم، أمرا أصعب مما كان سابقا لأن هذه أطراف هي في الحقيقة منشق بعضها عن بعض داخل الأسرة الإيديولوجية الواحدة، فما بالك بالتوجهات الثلاثة. ما هي قراءتك لنتائج الانتخابات الرئاسية التي وضعت اثنين من خارج الدائرة السياسية المعروفة في مواجهة بعضهما برسم الجولة الثانية؟ لا أخفيك، كانت مفاجأة صادمة حقيقة، ودرس يلقن لكل السياسيين، والرغبة في الفرار من السياسيين هي التي جعلت الناس يختارون أشخاصا لا ينتمون إلى الحياة السياسية. الأول إعلامي والثاني أكاديمي، وهذا الاختيار وضعنا أمام مأزق كبير، فأحدهما صامت لكونه مسجون ويحاكم في قضية فساد، والثاني صامت لأنه لا يريد أن يتكلم ويفصح عن برنامجه، والحيرة الآن جابت البلد. فهل الناس سيختارون من هو صامت بموجب قضية، وملفات الله أعلم بمآلها أمام القضاء، أم الثاني، الذي يصمت بمحض إرادته ولا يريد أن يعبر عن موقف واضح في القضايا المطروحة. الإشكال القائم الآن، هو هل نختار هذا أو ذاك؟ والعقوبة حقيقة لم تنزل على السياسيين، وإنما أُنزلت على النظام السياسي بالبلد، لأن وضع تونس يوجد أمام متاهة مجهولة المستقبل، وهذا ما يجعلنا نخشى الانحدار إلى صراع لا تحمد عقباه، وعلى كل سننتظر نتيجة الدور الثاني لعلها تحمل خيرا. في حال فاز القروي، المتهم بجرائم التهرب الضريبي وغسيل الأموال، هل يوجد حل قانوني أو دستوري لقضيته؟ وهل الحصانة الرئاسية في هذه الحالة تكفل له قيادة البلد وعليه شبهات بالفساد؟ أنا رجل قانون، ولا أرى حلا قانونيا ولا دستوريا، لأن الذي يتحكم في باب السجن دخولا وخروجا هو السلطة القضائية، ولا سلطان على القضاء من أي الأطراف سواء أكان من سياسيين أو إعلاميين ومناضلين اجتماعيين أو حقوقيين، لذلك لا يمكن أن يؤثروا في القرار القانوني، لأنه قرار عدلي، الحل الوحيد هو أن تنهي هذه السلطة القضائية متابعة هذا الرجل، إذا رأت أن ملفه يسمح بذلك، أما أن يوجد له حل سياسي لمعضلة قانونية، فهذا لا أرى له وجها. ما هي قراءتك لهذا التراجع على مستوى المشاركة في الانتخابات، سواء الرئاسية خلال الدور الأول أو التشريعية مؤخرا؟ صحيح، أن الناس سئموا من ذلك، وهذا سبب وارد، فضلا عن تراجع الأحزاب عن تأطير الشعب، فالحزب غير مطلوب منه أن يكون مكتبا في إدارة، ولا أن يكون مجرد خطابات، أو رفع شعارات، بل أن يكون مدرسة ديمقراطية مثابرة من أجل التغيير، ووضع الأهداف المرحلية من أجل تحقيق الأهداف النهائية، إذا كانت هذه الأحزاب بهياكلها ومناضليها لم تشتغل على تأطير المواطن، وتعلمه وتربيه، وتستدرجه من أجل أن يشارك في الشأن العام، فهذا سينتهي بعزوف من الشعب غير القادر على تحمل عبء تعبوا منه السياسيون أنفسهم. من هنا أتصور أنه لا نجاح للسياسي دون مؤسسة الشعب، فالمواطن ليس معزولا عن واقعه ولا يمكن أن ينجح السياسي بقرار إداري وخطابات، وإنما ينجح بالتفاف وحماس الشعب حوله، فإذا لم تستطع الأحزاب القيام بهذه المهمة سنصل إلى وضع يسأم فيه المواطن وييأس، وأنا أسأل ضمائرهم، إذا يئستم من السياسيين لمن تكيلون أمر الإصلاح أيضا؟ تحملوا الأمر بأنفسكم. هل تنتظرون أن يأتي واقع خارق للعادة ينقذ البلد؟ أنا لا أتصور أن الشعوب الواعية تتخلى عن جهدها في إصلاح أوضاعها. ماذا عن حركة النهضة، خصوصا وأنها سجلت بدورها تراجعا كبيرا على مستوى الأصوات؟ هل الحركة هي الأخرى تخلت عن مهمة التأطير؟ أقول إن الأسرة التي منها النهضة لم يتراجع زخمها، وإنما تراجع المصوتون لها لفائدة أحزاب على يمين النهضة نفسها، وأكثر تشددا منها، وتراجع الحركة راجع لممارستها السلطة ومجابهتها الواقع السياسي بالبلد، ومن يفعل هذا بصدق وجهد، هو الذي يعيره الناس بإنجازه ولا يعيرونه بجهده. وبالتالي، الناس يعيرون الحزب بنتائج عمله وبالسقف الذي يضعونه هم، لا بالسقف الذي يقتضيه الواقع، كل من يمارس السلطة يعير سلبيا وإلا ما كانت الأحزاب في كل ديمقراطيات العالم تتداخل في بعضها، وما الذي جعل ديغول يسقط، وميتران وشيراك يسقطان، أي رئيس حكومة يسقط عندما يعيره الشعب بالنتائج، والتي هي دون متطلبات المرحلة، ودون ما يصبو إليه الشعب نفسه. هل يمكن اعتبار تفضيل الناخبين التصويت للمرشحين الأصغر أو المستقلين والابتعاد عن مرشحي أحزاب الأغلبية، هو تعبير عن امتعاض جماعي من المؤسسة السياسية بالبلد وما قدمته طيلة الثماني سنوات الماضية؟ ما تقولينه جد صحيح، وهو في الحقيقة توريط للمؤسسة السياسية في تونس لأن الشرذمة التي حصلت في نتائج الانتخاب، هي في الحقيقة معطلة للديمقراطية وليست مشجعة لها، والشعب عليه أن يدرك أن شرذمته للقرار داخل البرلمان سينتهي به إلى ما نحن فيه اليوم، ثم إن الناس عندما ينسحبون من الأحزاب الكبرى وينشئون أحزابا صغيرة ويؤيدونها، فهم بهذا لا يساعدون على القرار، بل وكأنهم يأخذون منحى المعارضة، وإلا كيف سيحدثون تغييرا إيجابيا بحزب صغير؟ لكن نلاحظ أيضا أن التوجه الدولي، حتى في فرنسا والبرازيل وأخيرا تونس، يحيل إلى أن الناخبين صاروا يفضلون التصويت للأفراد من خارج الأحزاب، أو التكنوقراط المستقلين. في نظرك ما هي الأسباب التي دفعت بهذا؟ حتى أنهم صاروا يختارونهم من شواذ الأحزاب، تماما كما حدث في أمريكا عندما انتخب ترامب، صحيح ما تقولينه. وهذا التوجه قائم الآن، إذ يبدو أن الآلة الديمقراطية في العالم الغربي الذي مارس الديمقراطية منذ قرنين، بدأ يصيبها الصدأ وأصبحت الرؤية العامة غير متلائمة مع الأفكار القائمة، لكن أن ينتقل هذا إلينا نحن حديثي العهد بالديمقراطية وقبل أن نجربها وننأى بأنفسنا عنها، فهذا عجيب جدا. ما هي قراءتك للوضعية المتشنجة حاليا لليسار التونسي؟ اليسار التونسي كان دائما طرفا مناضلا له قيم يسعى من أجلها، ووجوده محمود في الحقيقة وليس مذموما، لكن أن ينقسم هذا اليسار إلى حد الفناء كما حدث الآن، فهذا مؤسف جدا، لذلك ينبغي أن يراجع اليسار التونسي قضيته، والأمر سيان بالنسبة إلى جميع الأحزاب الإيديولوجية بما فيها النهضة، لذلك لا ينبغي أن يغلب على هذه الأحزاب حب الزعامة على المصلحة العامة. على ذكر الإيديولوجية، أي من المرشحين الرئاسيين في الدور الثاني، الذي تتوافق أفكاره وتوجهاته أكثر مع حزب النهضة؟ سأحتفظ بالجواب لنفسي. لماذا؟ النهضة أساسا أعلنت دعمها للمرشح قيس سعيد؟ ألا يوافق الأستاذ مورو على الأمر؟ أنا حقيقة، وبكل صراحة لا أرى أيا من المرشحين بإمكانه تحقيق الرغبة المنشودة من الثورة، لصمت أحدهما صمتا إراديا يجعل التساؤل يحوم حول برنامجه، فهو لم يفصح إلا عن بعض عناصر البرنامج المتعلقة بإعادة ترتيب الآلة الديمقراطية في البلد والمؤسسات الدستورية، وإلغاء النظام القائم واستبداله بنظام آخر، لكنه لم يفصح عن مواقفه بخصوص القضايا الأساسية بالبلد خاصة العجز الاقتصادي، وعجز الميزان التجاري الذي نعيشه، والبطالة ومشكلة المؤسسات الوطنية الخاسرة، الأزمة التي تمر منها شركات مهمة في البلد، صندوق التعويض.. وغيرها من القضايا المهمة واليومية المؤثرة على المآل الاقتصادي والاجتماعي لم يبرز موقفا منها، هذا بالنسبة إلى الأستاذ الأكاديمي طبعا. أما بالنسبة إلى الأستاذ الإعلامي، فإن عدم بروزه كسياسي سابقا، ومن داخل حزب كبير يجعل حلوله التي يقدمها يمكن التوقف بشأنها أيضا، برنامجه غير واضح هو الآخر بشكل يجعل الناس يحسنون الاختيار. في هذه الحالة وأمام عدم اقتناعك بأي من المرشحين، صوتك إلى من سيذهب يوم الأحد؟ أحاول التماسك أمام أسئلتك فأجد نفسي أبوح بتصريحات لأول مرة أقولها، لكن الحقيقة هي أن هناك حيرة قائمة بداخلي صراحة، وهذا لا يساعدني حتى أنا شخصيا في أن أحسن الاختيار. لا أعرف. أفهم من كلامك أن المهمة ستكون صعبة أيضا، بين الحكومة التي ستشكلها النهضة، وبين رئيس الدولة أيا كان الفائز؟ هذا صحيح، لأن رئيس الدولة المفروض أن يعوض النقص الذي سنجده في نشاط البرلمان. ثم إن هذا البرلمان المتشرذم هو برلمان معطل، وتعطيله يقتضي أن يتحرك رئيس الجمهورية بما لديه من صلاحيات وعلاقات وحوارات ليكمل النقيصة الناجمة عن العطالة. هل تحس أن الأصوات ظلمتك خلال ترشحك للانتخابات الرئاسية؟ لا، أنا كعبدالفتاح مورو لا يمكن في أي وقت من الأوقات، أن أحمل شعبي المسؤولية، خاصة وأن الانتخابات كانت نزيهة جدا. وأنا فعلا احترمت رأي الناس، وإذا لم يروني رئيسا، فهذا لا يعني أني سألومهم أبدا. كانت تجربة جيدة، والنتيجة أعتبرها مرضية ومشرفة، فأنا حزت على الرتبة الثالثة في أول تجربة لي ولم يسبقني سوى شخصين خارج الإطار السياسي، أما بالنسبة إلى باقي السياسيين المرشحين، فقد كنت أولهم بنسبة مشرفة، مقارنة مع الذين حلوا ورائي. ولذلك، فإن خروجي كان مشرفا، ولأكون صريحا معك، لم أرتض الخروج، ولكن إرادة الشعوب أكبر وأسمى من إرادة الأفراد. لم يكتب للأستاذ مورو أن يكون رئيسا للدولة، هل نراه وزيرا في الحكومة المقبلة؟ لم أرغب في ذلك، ولا أرغب فيه لأني اعتبر نفسي قد قمت بما يكفي لصالح وطني منذ خمسين سنة، وعليّ أن أنسحب لمؤسسة فكرية أو مؤسسة رأي، ولكن العمل الميداني له أهله اليوم، وتونس زاخرة بالكفاءات. شكلت نتيجة حزب الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي «نداء تونس»، أكبر مفاجآت الانتخابات البرلمانية بعدما حصل على مقعد واحد في الوقت الذي حاز على 86 مقعداً في برلمان 2014، ما تفسيرك لهذا السقوط؟ يبدو أن مبنى هذا الحزب لم يكن قائما على برنامج أو فكر، بل مخاصمة طرف سياسي موجود، وإذا قامت الأحزاب على معنى المناوءة للغير، لا على معنى أساسي راجع إليها في برنامجها، فإنها بالتأكيد ستضعف وتموت. وما حصل اليوم لهذا الحزب درس ينبغي أن يتلقاه جميع السياسيين «إذ لا ينبغي أن نبني وجودنا على مخاصمة غيرنا، وإنما على برنامج بديل يساعدنا على تقديم حلول لواقعنا». ثم هذه خسارة فعلا، في أن يتراجع هذا الحزب ويذهب، وأنا من الذين لطالما آمنوا بوجوب التوازن بين الأطراف السياسية المتقابلة حتى يمكن للبلد أن تسير بثبات وإحكام. لكن ألا يمكن ربط هذا التراجع بعلاقاته غير المفهومة مع أجندات خارجية، وهنا أذكر مثلا الإمارات التي سبق وأهدته سيارات مصفحة لتأمين قياديه؟ لا أعلم حقيقة ذلك، ولا أتصور أن هذا الأمر له تأثير على التشرذم الحزبي وضعف هذا الحزب. نعود إلى الانتخابات التشريعية، ما هي دلالة نتيجة حزب النهضة في الانتخابات بالنسبة إلى الإسلاميين في المنطقة؟ حزب النهضة طرف لا يمكن الاستغناء عنه من النخبة السياسية الوطنية وانتسابه إلى التيار الإسلامي لا ينفي عنه الوطنية، أو إمكانية الاشتغال بواقع تونس.. عندما تخرج الأحزاب الإسلامية عن مبدأ المعارضة، وتدخل مبدأ الإنجاز وتكون مسؤولة، فهي تبرز معنى جديدا للإسلاميين، والمفروض أن ترفع مبدأ أنها لا تدم إيديولوجية، وإنما تخدم وطنا، وشعبا على اختلاف مبادئه وتوجهاته، وعليها إرضاء الجميع وأن تحظى جميع الفئات باهتمامها، وهذا تطور مهم في الأحزاب الإسلامية في المنطقة التي عليها أن تساهم في المشاركة في الحياة العامة. بصيغة أخرى، المغرب مقبل على انتخابات جديدة، هل تعتقد أن العدالة والتنمية تحت قيادة سعد الدين العثماني، سيسير على خطا النهضة، يعني التراجع مع الحفاظ على الصدارة؟ شخصيا أرى الواقع المغربي أثرى من الواقع التونسي، مثلا التعددية الحزبية عندكم ترجع إلى الأربعينيات. والآن، توجد تقاليد قائمة في المملكة تساعد على المحافظة على شعب واع ومدرك يحسن الاختيار، ولا أتصور أن الشعب المغربي سيفرط في مكسب أساسي هو العدالة والتنمية، وهذا بشهادة خصومه قبل أصدقائه. فهذا الحزب ساعد على تجديد الحياة السياسية وصرف الشباب الإسلامي عن التيهان بين الكتاب والسحاب، وكان واضحا في الواقع، كما أغلق باب التطرف والإرهاب على الشباب الإسلامي في البلد، وأعطى معنى جديدا للحياة السياسية، وكرس معاني الوطنية، وهذا ما ينبغي الحفاظ عليه فعلا. كيف هي علاقتكم اليوم، بحزب العدالة والتنمية المغربي؟ علاقة إعجاب بما ينجزونه، كما نتابع بإعجاب تطوراته الداخلية ولو من بعيد، فالمغرب بالنسبة إلينا هو جوهرة تضم تيارات وأفكارا مختلفة، وبلدكم قادر على التطور في حدود الهدوء ولا يثير ضجة وهو يتطور. في نظرك، هل فشلت الثورات المضادة؟ المد والجزر بين التقدمية والمحافظة المزرية هذا مبدأ الحياة ككل، ولا أتصور أن وطنا سيخلو من شد إلى الوراء وجذب من الأمام، لذلك كل حركة تطوير قائمة على أساس ثوري وراءها قوى تجذب إلى الوراء وهدفها تعطيل هذا المسعى، وهذا طبيعي جدا وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار هذا التدافع بين قوتين متقابلتين، واللتين ستبقيان دائما موجودتين، ولكن النجاح هو لشعب يتبنى موقفا تقدميا ويسعى إلى تغيير أوضاع مؤسساته. تربطك علاقة متميزة بالسعودية، هل يمكن استثمارها من موقعك داخل الحزب لإعادة بناء الثقة وإذابة الثلج بين تونس والمملكة؟ سأفعل كل ما في وسعي، لأن يكون وطني له علاقة طيبة مع الجميع مادّا يده للتعاون الشامل لصالح كل بلدان الوطن العربي والإسلامي الحبيب.