شكل ترشيح حزب حركة النهضة التونسي ذو المرجعية الإسلامية لأحد أبرز قياديها الداعية عبد الفتاح مورو، لانتخابات الرئاسة مفاجأة من العيار الثقيل خاصة وأنه أول طموح لهذه الحركة الإسلامية المعتدلة لمنصب الرئاسة منذ بدء الانتقال الديمقراطي في تونس بعد ثورة 2011. ولكشف ملابسات هذا الترشيح «المفاجئة»، حاورت «أخبار اليوم» رضا ادريس القيادي والرئيس السابق للمكتب السياسي للنهضة في المهجر ورئيس مجلس الشورى للحركة الذي سبق وتعرض للنفي من طرف النظام السابق لزين العابدين بن علي، ليقربنا أكثر من تفاصيل هذا الطموح الاستثنائي. كيف وقع الاختيار على عبد الفتاح مورو مرشحا للرئاسة التونسية من مجلس شورى حزب النهضة؟ من الطبيعي أن يتم ترشيح عبد الفتاح مورو، فهو رجل دولة قبل كل شيء، فقد كان نائبا لرئيس مجلس نواب الشعب، قبل أن يتم انتخابه قبل أسابيع رئيسا لمجلس نواب الشعب مؤقتا، كما أنه شخصية وطنية محبوبة من التونسيين وشعبيته وإشعاعه يتجاوز حدود ناخبي النهضة التقليديين إلى شرائح من عموم الشعب التونسي، وله أيضا تكوين وثقافة قانونية ودستورية مرموقة تسمح له برعاية سير دواليب مؤسسة رئاسة الجمهورية وفق دستور البلاد، وله ثقافة مجتمعية تونسية عريقة تسمح له بفهم تضاريس المجتمع التونسي ومختلف جهاته، ونحن كحركة النهضة نسلم بكون عبد الفتاح مورو من الكفاءات الذكية التي تحظى بالتقدير العام الاجتماعي التونسي والنخبة التونسية، هذا كله إلى جانب أن الأطراف الخارجية بدورها أهلته لأن يكون مرشحا جديا ومحترما لأعلى منصب في هرم الدولة.
مادامت حظوظ النهضة وافرة لتسلم منصب الرئاسة، لماذا ظل الحزب طيلة الاستحقاقات الماضية رافضا دخول مضمار التسابق؟ حظوظنا وافرة نعم، ولكن نحن في حزب النهضة ارتأينا الترشح، لتأكيد مبدأ المشاركة في العملية السياسية وإنجاح المسار الديمقراطي، ونعتقد أن غيابنا عن المنافسة ربما يفهم منه وكأننا لا نريد أن ندفع بالمسار الديمقراطي إلى نهايته وبالتالي يسعني القول أن الحركة وضعت نصب عينيها هدف الفوز، ولكن الأهم بالنسبة لنا أكثر من ربح الانتخابات هو تأكيد مبدأ الشراكة بين حزب النهضة، والشعب التونسي،الانتخابات الرئاسية التونسية مهمة لنا كحزب لأنها المرة الأولى التي نترشح فيها لهذا المنصب. ولكن هذا لا يمنع أن قرار ترشيح مورو قوبل أيضا بالرفض من طرف بعض الاصوات القيادية في النهضة، أليس هناك تخوف من أن يقسم هذا الترشيح صفوف الحزب؟ ما تقولينه صحيح جدا، وفعلا كنا في حوار داخلي طيلة الأسابيع الماضية، أي تقريبا منذ وفاة الرئيس الراحل باجي قايد السبسي، وفعلا ناقشنا في الحقيقة التعديل الذي حصل على الأجندة الانتخابية، لأنه نحن كحزب وكما هو معلوم لدينا إستراتيجية برلمانية، ونركز على الحضور في البرلمان بكتلة معتبرة، وأن تكون لنا كتلة أولى في مجلس نواب الشعب، ولكن وفاة رئيس البلاد جعلت الأجندة الانتخابية تأخذ تواريخ أخرى حيث تسبق الانتخابات الرئاسية، الانتخابات التشريعية، ولذلك عدد من الإخوان في مؤسسات الحركة قالوا أن غياب النهضة عن المنافسة في الانتخابات الرئاسية التي هي في الدور الأول سابقة للانتخابات التشريعية سيكون مضر لنا فيما يتعلق بحظوظنا في التشريعية ولذلك لا يجوز لحزب بحجم حزب النهضة أن يكون غائبا عن هذا الاستحقاق، وهذا اجتهاد فيما الاجتهاد الآخر كان يقول أن لا داعي للترشيح من داخل الحزب ولا بأس في دعم مرشح آخر مستقل أو حزب آخر، ولكن الحقيقة بحثنا عن شخصية توافقية من خارج الحزب ولم نصل إلى نتائج واضحة، وبالتالي استوعبنا أن الوقت لم يعد يسعف للتوافق على شخصية خارجية فلجأنا إلى ترشيح شخصية من داخل الحزب تقديرا منا إلى أن هذه المشاركة ستعطي فرصة للجميع ليختبروا شعبيتهم في ميزان الانتخابات وتساعد الحركة في دخول المحطة التشريعية. أليس لدى حزب النهضة تخوف من إعادة السيناريو المصري بترشيح داعية من حزب بالأساس ذو مرجعية دينية؟ لا، نحن أبعد ما يكون عن هذا السيناريو، فنحن لا نحرص على أكثر من أن نكون في أحد الرئاسات في أقصى الحالات، نحن لا نريد أن نكون في رئاسة البرلمان والجمهورية ورئاسة الحكومة في نفس الوقت؛ أبدا، نحن إذ أعطانا التونسيون فرصة لنكون في رئاسة البرلمان وحده مثلا فهذا يكفينا كمشاركة من مختلف الأطراف في معادلة الحكم وإذا كان التونسيون ارتأوا الدفع بمرشح النهضة للرئاسيات فسيكون هذا حظنا ونصيبنا من الشراكة في الحكم ولا نبحث عن تموقع آخر في رئاسة أخرى نحن بلورنا فكرة التوافق ومصرون عليه ولن نسمح بالخروج عن هذه الإستراتيجية، كوننا نقدر أن الديمقراطية التونسية لا تزال بحاجة لسنوات أخرى ربما طويلة، وإلى توافقات شاملة يشارك من خلال الجميع في إدارة الشأن العام للبلاد. كيف سيواجه حزب النهضة في حالة تبوأ الانتخابات تلك القوى المتواجدة داخل تونس وأيضا خارجها المتحفظة على وصول الإسلاميين إلى هرم السلطة؟ هذه واحدة من الاعتبارات، التي جعلتنا نتردد في موضوع الترشيح حقيقة، ولكن في نهاية الأمر وصلنا لقناعة، إلى متى سيبقى الإسلاميون خارج هذه المنافسة إذا كان القصد هو المشاركة لتحقيق الوجود وأن لا تكون لهم رغبة في الهيمنة على دواليب الحكم برمتها، واذا توفرت لمرشحنا عبد الفتاح مورو الحظوظ الشعبية لكي يكون رئيسا فسيكون كذلك، علما أن شخصية مورو المتميزة تجعله واسعة المقبولية من خارج الدائرة التقليدية لحزب حركة النهضة، وفعلا تلقينا طلبات حتى من شخصيات وطنية مستقلة ومن فاعلين في المجتمع التونسي يطالبون ويصرون على مورو ليكون مرشحا، وان لم يكن مورو مرشحا للنهضة، كان ليكون بكل تأكيد مرشحا لقوى أخرى أو بعض الفاعلين السياسيين في تونس، وبالتالي أؤكد من خلالكم أنه لا خوف على النهضة من الخروج على إستراتيجيتها التوافقية، ولا خوف على تونس من أن يكون ترشح مورو مضرا بسمعة الجمهورية أو علاقاتها الخارجية والدولية، أو التوازنات السياسية الداخلية ببلادنا أيضا لأننا نحن أحرص ما يكون على احترامها. إذن كيف ترى مستقبل تونس إذا ما تبوأ حزبكم الانتخابات الرئاسية، خاصة على مستوى العلاقات الخارجية مع دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية التي تعد الخصم الأكبر للإسلاميين ؟ هذه فرضية مطروحة، ولكن حزب النهضة اشتغل منذ فترة طويلة على تقديم نموذج جديد فيما كان يسمى بالإسلام السياسي، نحن لسنا حزبا إسلاميا، بل حزب وطني تونسي ديمقراطي منفتح على الإصلاح وذو مرجعية إسلامية، وهي ذاتها مرجعية كل التونسيين، وهي مرجعية البند الأول من الدستور، وبالتالي لا نحتكر لأنفسنا صفة إسلامية ولا نقدم أنفسنا ناطقين رسميين باسم الدين الإسلامي، نحن حزب محافظ لدينا توجهات ذات حساسية اجتماعية شعبية وبالتالي لم يعد هناك في الحقيقة ما يدعو إلى هذه المقولات التي تريد أن تقصي طرفا من الحياة السياسية العربية والإسلامية من المشاركة في الحكم، وبدا لنا هذا المنطق الإقصائي قاد مع الأسف الشديد إلى حروب أهلية، وشيوع منطق العنف والإرهاب وأظهر لنا مظاهر تخريبية في أمتنا العربية والإسلامية، وحزب النهضة هو كباقي الأحزاب الأخرى لا أقل ولا أكثر له برنامج اجتماعي واقتصادي نعرضه على التونسيين وليس لدينا مشكل مع أي شقيقة أو صديقة دولة عربية أو أروبية أو أمريكية، بل لدينا علاقات جد طيبة مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا ودول الجوار، ليبيا، المغرب، الجزائري.
لكن هذه الأنظمة التي ذكرتها ترفض وصول الإسلاميين إلى السلطة في عدد من البلدان العربية، ما سيجعلكم في مواجهة مباشرة معها إن سارت الأمور كما تطمحون يمكن، على كل حال إذا كانت هذه الدولة أو الدولتين تتحفظان على صعود شخصية بحجم ومرونة واعتدال الأستاذ مورو أعتقد أن هذه مشكلة حقيقية، وسنعمل على تغيير هذه المواقف تدريجيا وسنحرص على تطوير العلاقات مع مختلف الدول الشقيقة وقلوبنا وعقولنا مفتوحة للحوار مع الجميع. ماذا بخصوص سير عبد الفتاح مورو وراء جنازة الرئيس السابق باجي قايد السبسي وحيدا، هل كانت له دلالة سياسية معينة في اختياره للترشح أيضا؟ لا أبدا، كان سلوكا إنسانيا شخصيا مرتبط بعلاقته الشخصية الوطيدة والقديمة بالرئيس الراحل باجي قايد السبسي، وليس هناك أي خلفية انتخابية أو سياسية وراء سلوكه، ولكن يصادف أن سلوكه هذا جلب له الكثير من التقدير بما في ذلك من عائلة الرئيس الراحل باجي قايد السبسي ومن أوساط كثيرة في البلاد.
يرى بعض المراقبين أن دخول النهضة مضمار التنافس على كرسي الرئاسة، بشكل مفاجئ هو بمثابة «تكتيك»، قد يستعمله الحزب للضغط على باقي الأحزاب أو الانسحاب في آخر لحظة لصالح مرشح آخر تدعمه الحركة في السر، ما تعليقك على هذه القراءة؟ هل للحركة «تكتيك» انتخابي معين مثلا؟ لا طبعا هذا غير وارد، نحن حزب جاد ولا نقوم بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة، رشحنا مورو ليكون منافسا حقيقيا لهذا المنصب، ونحن نذهب إلى هذه الانتخابات ونبحث في نفس الوقت على أن نحقق مع غيرنا ما تحتاجه تونس من توافقات وتوازنات، لن نذهب بمنطق المغالبة ولكن المشاركة، وإذا كان لدينا حظ فالرئاسة فهذا سيكون بطبيعة حظ، وإذا لم يكن من نصيب الأستاذ مورو في الفوز الانتخابات ستكون مشاركتنا بصور أخرى.
عضو الهيئة المستقلة للانتخابات التونسية أقر بوجود أطراف تدفع أشخاصا غير معروفين للترشح في تقزيم لمكانة منصب الرئاسة، من يقصد بهذه الأطراف؟ هل المناخ الديمقراطي التونسي مهدد من طرف أجندات معينة؟ هذا أراه من الايجابيات شخصيا، فمن خصائص الديمقراطية الناشئة أن تكثر الطموحات وتتعدد الترشيحات، ولكن شيئا فشيئا سيمر الجميع من الغربال، ولا يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف، حينها ستتأكد الترشيحات الجادة وتفصل عن تلك التي تنم عن بعض الطموحات الشخصية، القانون الانتخابي في الحقيقة لا يسمح بالمرور دون الحظوة الشعبية المقبولة فبطبيعة الحال الصندوق سيكون حاسما في نهاية الأمر، ولا تخيفنا تعدد الترشحات سواء كانت في القائمات أو تلك التي تسمونها في المغرب اللوائح الانتخابية للتشريعيات، أو ترشح الشخصيات نساء ورجال للانتخابات الرئاسية والدور الأول من الانتخابات سيبين وسيحسم في أحجام جميع المترشحين وكل طرف. حتى لو كان المترشح الذي ينافسكم هو نفسه منصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق؟ المرزوقي مرشح جاد ورئيس الجمهورية السابق وحقه الدستوري أن يترشح، ولكن نحن نعتقد بأن مورو له حظوظ وافرة لأن يكون على الأقل في الدور الثاني. إذا عدنا إلى الوراء، جرى نفيك من طرف نظام الرئيس السابق بنعلي خارج البلاد لسنوات مضت بسبب نشاطك السياسي المكثف داخل الحركة الإسلامية، اليوم وبعد عودتك إلى تونس تزامنا مع ثورة 2011، كيف وجدت المناخ السياسي العام بتونس ما الذي تغير بعد ثورة الياسمين؟ معلوماتك صحيحة، وفعلا تونس تعيش تجربة فريدة من نوعها بعد ثورة 2011 هي الآن تعيش مرحلة صناعة نموذج جديد في الحكم، فنحن عشنا لعشرات السنين منذ الاستقلال تقريبا إلى حدود الثورة في نظام سياسي دكتاتوري وخاصة في المراحل الأخيرة وفي عهد الرئيس السابق بنعلي، الآن هذه الثورة أتاحت للتونسيين نخب ومجتمع مدني أن ينتظم في المجال السياسي عبر دستور ديمقراطي نخوض خلافاتنا من خلال الآليات الديمقراطية، حرية الصحافة وحرية التعبير وحيادية القضاء والإدارة، هذه الحوكمة الرشيدة نحن نريد ان نخرج من منطق الإقصاء الذي تميز به العهد السابق إلى منطق المشاركة، ولأكون أكثر وضوحا المغرب كان نموذجا سباقا إلى إشراك الجميع من ليبراليين وإسلاميين، وشيوعيين في منظومة الحكم البرلماني وحتى الحكومة، والنموذج المغربي بالنسبة إلينا هو النموذج الأمثل والجيد الذي وجب الاحتذاء به، وبالتالي تونس تسير على خطى المغرب، كما أنه وجب أن نعيد النظر في منطق “أنا أو لا أحد” فالوطن يسع الجميع، وأنا أعيش كما رفاقي وإخواني السياسيين في النهضة وباقي الأحزاب تجربة وطنية جديدة ومهمة أو كما يسميه بعضنا الاستقلال الثاني، فبعد الاستقلال الأول الذي هو استقلال أرض تونس واستقلال السيادة الوطنية، اليوم نحتاج إلى استقلال مبني على الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان حتى نتفرغ للتنمية وللعدالة الاجتماعية والتشغيل وتحسين ظروف التونسيين، نحن جئنا إلى الحياة السياسية لنساهم في علاج المشكلات وليس تعقيدها ولا نطرح أنفسنا بديلا عن أحد. على ذكر المغرب، كيف هي علاقتكم بحزب العدالة والتنمية وما هي قراءتك لواقع الحركات الإسلامية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في العالم العربي؟ المغرب تجربة جميلة جدا، وكما قلت نموذج، ومن تجليات ذلك أن الملك الراحل الحسن الثاني، كان حكيما وسمح في عهده بمجال للإسلاميين في المشاركة في العملية السياسية، وهو ما لم يتحقق في عهد الرئيس بورقيبة أو عهد بنعلي في تونس بمعناها، المغاربة كانوا محظوظين بشخصية الملك الراحل الحسن الثاني الفذة، والمؤمنة بأهمية الإدماج بديلا عن الإقصاء ومحمد السادس سار على خطى والده وجعل الدولة المغربية مستوعبة لكل أبنائها، وهذه التجربة ذاتها هي التي جعلت العدالة والتنمية يساهم بشكل جيد على مدى ولايتين في الشأن العام ويكون على رأس الحكومة، وأيضا يرأس البلديات والجماعات المحلية، نعم تجربة العدالة والتنمية بالنسبة إلينا نموذجية في العالم العربي ونريد في تونس أن نكون على نفس المسار، وأن تكون أيضا الكلمة الأخيرة للشعب التونسي ويتمكن من اختيار من يمثله سواء في الحكم المحلي أو المركزي وأن لا يكون هناك مجال لاحتكار السلطة فالشعب يريد التغيير والرهان اليوم على الأحزاب لمواكبة التطورات الجيلية والفكرية وما يجري في العالم من تغييرات والاستجابة لتطلعات الناس وإذا الديمقراطية أنجبت إسلاميين فأهلا وسهلا، وإن أنجبت ليبراليين أو يساريين فأهلا أيضا طالما للشعب اليد العليا.