في اللحظات الأخيرة لتواجده، على رأس وزارة الشغل والإدماج المهني، قبل أن يغادر “حكومة الكفاءات” الأربعاء الماضي، وقع محمد يتيم قرارا وصف بالجريء والشجاع، اتخذه وزميله في الحكومة محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، يقضي بحل التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، التي ظل على رأسها، عبد المولى عبد المومني منذ فاتح غشت 2009، أي لأكثر من عشر سنوات. مبادرة “مزوار” المعطيات التي حصل عليها “اليوم 24″، وبالوثائق، تشير إلى أن صلاح الدين مزوار، الذي كان وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة عباس الفاسي، ما بين سنتين 2007 و2011، بادر إلى مراسلة وزير الشغل آنذاك، الاتحادي جمال أغماني، بخصوص قرار حل التعاضدية. مراسلة مزوار لأغماني، المؤرخة بتاريخ 18 أكتوبر 2011، استعرض من خلالها وزير الاقتصاد والمالية الخروقات والاختلالات القانونية التي تعرفها التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية. واقترح مزوار على أغماني، تفعيل مقتضيات الفصل 26 من الظهير المتعلق بالنظام الأساسي للتعاون المتبادل، الذي يقضي بحل التعاضدية، وإسناد السلطات المخولة للمجلس الإداري للتعاضدية إلى متصرفين مؤقتين، غير أن أغماني لم يستجب، مرجحا كفة زميله في الحزب والنقابة (عبد المومني) على كفة زميله في الحكومة (مزوار). اعتراض “بركة” ومع تنصيب حكومة عبد الاله ابن كيران بداية 2012، قام وزير التشغيل والتكوين المهني آنذاك عبد الواحد سهيل، بمراسلة وزير الاقتصاد والمالية الأسبق، نزار بركة، معربا عن رغبته في اتخاذ قرار تفعيل الفصل 26، وبالتالي حل التعاضدية، إلا أن نزار بركة لم يتجاوب مع المراسلة، بعد تدخل قيادات من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو ما أدى إلى امتناع الوزير بركة عن توقيع القرار مع وزير الشغل آنذاك عبد الواحد سهيل. وكشف الوزير الأسبق عبد الواحد سهيل، في جوابه على سؤال كتابي لفريق التقدم والاشتراكية، مؤرخ في 13 نونبر 2012، عن الموافقة المبدئية لوزارته على حل أجهزة التعاضدية، وتطبيق الفصل 26 من ظهير 1963، وذلك جوابا على اقتراح من وزارة اقتصاد والمال. مصالح متبادلة المعطيات المتوفرة، تفيد أيضا بأن أحد وزراء التشغيل خلال العشرية الحالية، تلاحقه شبهة تبادل المصالح مع رئيس التعاضدية، بعدما أقدم هذا الأخير على توظيف ثلاثة من أقارب الوزير، ظلوا مستخدمين أشباح بالتعاضدية. كما سبق لرئيس التعاضدية، أن استضاف هذا الوزير وعائلته، بحسب مصادر الموقع، بجناح ملكي بفندق فاخر بمراكش، بمناسبة ندوة نظمتها التعاضدية على هامش جمعها العام العادي. اعتراض “بوسعيد” وعقب تعيين محمد يتيم، وزيرا للشغل والإدماج المهني في حكومة سعد الدين العثماني في أبريل 2017، راسل يتيم وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، بخصوص نفس الموضوع، مقترحا تفعيل الفصل 26 المذكور، وذلك يوم فاتح فبراير 2018. مصدر الموقع، أفادت بأن بوسعيد تجاهل مراسلة يتيم، مثلما تجاهل أيضا 4 مراسلات أخرى حول مجموعة من الخروقات الإدارية والمالية خلال الفترة الممتدة من فبراير إلى يوليوز 2018. “يتيم” يبادر وبعد إعفاء الوزير التجمعي وتعيين محمد بنشعبون وزيرا للاقتصاد والمالية في 20 غشت 2018، بادر الوزير محمد يتيم إلى فتح الملف من جديد، وبعث بمراسلة مستعجلة جدا تحت رقم: 359/2018 بتاريخ 28 غشت 2018 إلى بنشعبون، بخصوص التجاوزات الخطيرة المسجلة في تدبير صندوق الضمان التكميلي عند الوفاة المحدث من طرف التعاضدية. وفي 12 أكتوبر 2018، وجه يتيم مراسلة مستعجلة جدا إلى عبد المولى يدعوه فيها إلى عدم تفويت صفقة غير قانونية إلى شركة التأمين، ستلحق أضرارا جسيمة بمالية التعاضدية بقيمة 12 مليار سنتيم مقابل خدمات شبه وهمية، وقد قام يتيم بإطلاع بنشعبون في حينه حول هذا الموضوع بواسطة رسالة تحت رقم: 2018/418 بتاريخ 12 أكتوبر 2018. وعوض أن يستجيب عبد المولى لطلب يتيم بشأن وقف هذه الصفقة، حرصا على حماية أموال المنخرطين من استمرار تبديدها وتبذيرها وسوء التصرف فيها، يضيف المصدر، فقد سارع إلى عقد اجتماع للمجلس الإداري يوم الأحد 14 أكتوبر 2018 بالمهدية، والذي صادق على ما يسميه ب”بداية التنزيل الفعلي للخدمات الجديدة المقررة لفائدة المنخرطين”. وبعد يوم واحد من انعقاد المجلس، قام بصرف بواسطة أمر بالأداء رقم: 1662، ما مجموعه 19 مليوم و557 ألف و650 درهما، كدفعة مالية أولى لفائدة شركة التأمين، من مبلغ إجمالي يصل إلى 120 مليون درهم، وعقد ندوة صحفية يوم 15 أكتوبر 2018 بثت على الانترنيت، وأعلن تجاهله لمضمون مراسلة الوزير. “بنشعبون” يتفاعل سريعا الوزير السابق محمد يتيم، أعد تقرير من 345 صفحة و89 مرفقا، واقترح بمقتضى مراسلته رقم 2019/02 بتاريخ 04 يناير 2019، إعمال مقتضيات الفصل 26 من الظهير الشريف، وإسناد السلطات المخولة للمجلس الإداري لهذه التعاضدية لمتصرفين مؤقتين إلى غاية انتخاب أجهزة مسيرة جديدة. وأوضح مصدر الموقع، بأن وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، تفاعل بشكل سريع مع مراسلة وزارة الشغل والإدماج المهني، وراسل رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي لاستطلاع رأيه طبقا لمقتضيات المادة 12 من القانون رقم 64.12 المحدث لهذه الهيئة، وفي 27 مارس 2019 بدأ فريق تابع لهذه الهيئة مهمة رقابية بالتعاضدية. وأفاد المصدر بأن محمد يتيم، “لاحظ تمادي رئيس التعاضدية في خرق مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية والتعاقدية الجاري بها العمل خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2019، على الرغم من تواجد الفريق التابع لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بالتعاضدية”. وقام يتيم بتوجيه مراسلة تحت رقم 2019/29 بتاريخ 05 شتنبر 2019 إلى كل من وزير الاقتصاد والمالية ورئيس الهيئة المذكورة، حول مآل طلبه الذي كان قد وجهه إليهم بتاريخ 04 يناير 2019. من جهته، بادر الوزير محمد بنشعبون إلى تذكير رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي حول هذا الموضوع، وفي فاتح أكتوبر الجاري، راسل رئيس الهيئة الوزير بنشعبون، وأكد له وجود خروقات خطيرة في التسيير الإداري والمالي للتعاضدية العامة، وذهب إلى ما كان قد ذهبت إليه مراسلة يتيم في 04 يناير 2019. وأخيرا.. بعد أزيد من عشر سنوات مرت على وجود عبد المولى عبد المومني، على رأس التعاضية، جاء القرار المشترك لوزير الشغل والإدماج المهني، ووزير الاقتصاد والمالية رقم 3065.19، الصادر في 04 أكتوبر 2019 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6819 بتاريخ 07 أكتوبر 2019. وتم إسناد السلطات المخولة للمجلس الإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بالمغرب إلى أربعة متصرفين مؤقتين. وعهد إلى كل واحد من المتصرفين فيما يخصه، بإجراء انتخابات جديدة في ظرف ثلاثة أشهر، والسهر على التسيير العادي لشؤون هذه التعاضدية إلى حين تنصيب الأجهزة المسيرة الجديدة مع الحرص على ديمومة الخدمات المقدمة للمنخرطين وذويهم بشكل عادي. وحاول الموقع أخذ رأي وزيري الأقتصاد والمالية الأسبقين، نزار بركة ومحمد بوسعيد حول الموضوع، إلا أن هاتف الأول كان مغلقا بين ظل هاتف الثاني يرن دون رد.