توالت الفيضانات بالمغرب في الآونة الأخيرة، وبوتيرة غير مسبوقة، تظهر أن ثمة خطرا مناخيا داهما، فتفسيرات الخبراء لهذه الظواهر الطبيعية الطارئة، تفيد أن البلاد معرضة لعدم الاستقرار في المناخ خاصة بالمناطق الجبلية، وهي تقلبات مناخية ناجمة عن حدوث عدة ظواهر مناخية في وقت متقارب. في آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات تحدث فيه عن الكوارث الطبيعية بالمغرب، مقرا بأنها في ارتفاع مستمر. فقد عرف المغرب ما بين 1960 و2014 نحو 96 كارثة، أصابت أكثر من 300 مدينة، وأن عدد الكوارث الكبرى تضاعف ب22 مرة ما بين 2000 و2014، كما أن هناك 390 موقعا مهددا بالفيضانات في المغرب. وحسب هذه المعطيات الصادمة، وباعتراف رسمي، أصبح المغرب يواجه عددا من التأثيرات المناخية، وهو ما يؤكده رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، من أنها مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة، ما يحتم على المغرب تعزيز منظومة التعاطي مع الوقائع الكارثية والمخاطر المرتبطة بها، وهي تغيرات مناخية تتجلى، أساسا، في ارتفاع درجة الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار، وتفاقم ندرة المياه، وزحف رمال الصحراء على الواحات، والنظم الإيكولوجية الهشة، وارتفاع منسوب البحر. هذا الخطر دفع السلطات إلى تأسيس ترسانة قانونية لمكافحة هذه التغيرات المناخية، من خلال إصدار المرسوم رقم 2-18-74 المتعلق بنظام الجرد الوطني لانبعاثات غازات الدفيئة. وهو نظام وطني يهدف إلى جمع ومعالجة المعطيات المتعلقة بأنشطة القطاعات التي تقذف الغازات الدفيئة في المغرب، وكل المعطيات لإعداد التقرير الوطني للجرد. إلى أن الملك محمد السادس وفي آخر رسالة وجهها إلى القمة الرفيعة المستوى حول المناخ، التي انعقدت أواخر الشهر الماضي بنيويورك، كشف أن طموح المغرب للتصدي للتغيرات المناخية “يقتضي تضامنا دوليا فعليا، وتمويلات دائمة ونقلا نوعيا للتكنولوجيا والمهارات”. في المقابل، فإن البلدان الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا غير آبهة بهذا الخطر الداهم، ولا تريد الإقرار بأن هناك صلة وثيقة بين التنمية الاقتصادية التي يزداد فيها استهلاك ثاني أكسيد الكاربون بشكل كبير، والذي يؤدي حتما إلى الاحتباس الحراري. فحسب الباحث خالد الزرايدي، ف”اللوبي الصناعي القوي ماديا، هو المتحكم في مصير الأرض والبشرية منذ الثورة الصناعية إلى يومنا هذا، غير مبال بكل القرارات الدولية المدافعة عن البيئة (الصين و الولاياتالمتحدة …)، فالمصالح المادية بالنسبة إليهم فوق كل اعتبارات البيئة والإنسانية”. كل المؤشرات والباحثين الذين حاورناهم في هذا الملف، يؤكدون أنه “مادام المغرب جزءا من الكرة الأرضية، سيتأثر لا محالة بدوره من هذه التقلبات المناخية التي نراها اليوم بالعين المجردة، من خلال الكوارث الطبيعية التي لم نعتد عليها في الماضي (أمطار غزيرة وفيضانات في فصل الصيف وحتى في المناطق الجافة والصحراوية، وهطول كميات كبيرة من الثلوج،…)”. فهم يعتقدون أن “الحاجة ماسة واستعجالية إذن، للتصدي إلى كثير من الأضرار الناجمة عنها، خصوصا تراجع مستويات مخزون المياه، حيث سيزداد عدد المحتاجين للمياه ما بين 5-8 مليارات شخص خلال خمسين عاماً فقط، وتدني المحاصيل الزراعية وتراجعها، مما يؤثر سلبا على المخزون الغذائي، وانتشار التعرية نتيجة تدني مستويات الخصوبة في التربة بسبب استفحال معضلة التصحر، وارتفاع مستويات البحار، إذ تؤثر درجات الحرارة العالمية في تمدد كتلة مياه المحيطات، وازدياد فرص ذوبان الكتل الجليدية الضخمة”. بالنسبة إلى سعيد قروق، الأستاذ الجامعي الباحث في علم المناخ، فإن هذه التغيرات المناخية، تهدد المناطق الساحلية المنخفضة بالاختفاء من على وجه البسيطة، خصوصا منها المناطق الساحلية التي تمت تهيئتها بطرق غير معقلنة، ناهيك عما سيتسبب فيه الاحتباس الحراري من ندرة المياه، فكل المعطيات العلمية إذن، باتت تشير إلى انخفاض موارد المغرب المائية إلى 500 متر مكعب للفرد بحلول سنة 2030.