تحذر تقارير ودراسات من دمار شامل ينتظر البشرية بسبب تأثيرات البيئة والمناخ والاحتباس الحراري وتصفها ب»الكارثية»، كما أن هناك تنبؤات بزوال مدن بأكملها، وهلاك مئات الآلاف، بل ملايين، من البشر وانقراض أنواع من الكائنات الحية. وطبقا لهذه التقارير، فإن تكلفة التكيف مع التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، ستزداد بضعفين أو ثلاثة عن المبلغ المتوقع سابقا، والذي يتراوح بين 70 و100 مليار دولار سنويا بحلول العام 2050 «حتى لو تم التوصل إلى خفض درجات الحرارة»، فضلا عن أن هناك توقعات (باحتمالية أقل) بأن يتضاعف المبلغ خمس مرات. واعتبرت تقارير أن الدول النامية والدول الأقل نموا، ستتحمل النصيب الأكبر من هذا العبء. منذ عام 1992 وعى العالم بالدمار المنظم والمتسارع الوتيرة الذي ينتظر كوكب الأرض والمناخ، وتبعا لوعيه بخطورة مسألة التغيرات المناخية وتهديدها للحياة البشرية، أبرمت في الأممالمتحدة، اتفاقية لإنقاذ المناخ، لكن الكوارث الطبيعية، من أعاصير وفيضانات وعطش وجفاف وجوع، ارتفعت حدتها بشكل كبير، خصوصا في ظل استمرار التغير المناخي وتأثيره على مناحي الحياة، اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وصحيا. فمنذ عام 1995 وحتى عام 2006، شهدت الكرة الأرضية أكثر فتراتها سخونة وحرارة، ومرد ذلك أن القطبين الشمالي والجنوبي يشهدان ذوبانا للجليد سنويا بما يعادل مساحة فرنسا، وهو الجليد المسؤول عن ضبط درجة حرارة الأرض. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فالعلماء ينبهون إلى أن استمرار عبث الإنسان بالطبيعة سيرفع درجة حرارة الأرض بمعدل خمس درجات، بنهاية القرن، وهذا الارتفاع سيفاقم مشكلة ذوبان الجليد، وارتفاع مستويات البحار والمحيطات بمعدل متر واحد، وهو الأمر الكفيل بإغراق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ما سيفاقم مشكلة الجوع، إذ هناك باحثون يتوقعون اختفاء القمح والبن وفول الصويا من كوكب الأرض بحلول عام 2080. كوارث طبيعية اجتاحت الكوارث الطبيعية من فيضانات وانهيارات أرضية وعواصف ثلجية عددا من دول العالم، مما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص، في حالة وصفها العلماء بأنها نتيجة متوقعة للتغيرات المناخية، التي تعزى إلى ظاهرة الانحباس الحراري. وتكشف أكبر لجان الأممالمتحدة المعنية بالتغيرات المناخية، في تقرير لها، عن زيادة أعداد القتلى جراء التغيرات المناخية من فيضانات وجفاف وموجات حر، في ما يوصف بالتصعيد المناخي ضد الإنسانية. ويقول العلماء في التقرير ذاته إنه إذا استمرت نسب الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري على مستوياتها الحالية، فمن المتوقع أن ترتفع درجة حرارة الأرض، بواقع أربع إلى خمس درجات مائوية بحلول العام 2100. ويشير التقرير، أيضا، إلى أن الاحتباس الحراري العالمي سوف يزيد من ضغط وقوة الأحداث المناخية الطارئة، فالكتل اليابسة تكتسب الحرارة بشكل أسرع من الماء، لذا ربما ترتفع درجة الحرارة في بعض القارات، بما يعادل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف من معدل الارتفاع الذي حددته اللجنة الدولية للتغيرات المناخية ولا يتجاوز درجتين مائويتين. وأشار باحثون في علم المناخ إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى حدوث مزيد من موجات الجفاف في إفريقيا، وتعرض جنوب وجنوب شرق آسيا لمزيد من العواصف المدمرة، إلى جانب تزايد المخاطر المقترنة بموجات الحرارة في جنوب أوروبا. بالموازاة مع ذلك، أفاد باحثون أمريكيون بأن تغير المناخ نحو الحرارة يؤثر في انتشار الملاريا بطرق أعقد مما كان يعتقد، إذ يرى الخبراء أن عواقب تغير المناخ هائلة، إذ أن أكثر من نصف مليون طفل يموتون بسبب الملاريا في إفريقيا. ومع ظاهرة ازدياد الحرارة عالميا تنتشر الملاريا إلى أقاليم جديدة. مسؤولية العالم إن التقدم العلمي والتقني الهائل الذي حققه الإنسان، عبر التصنيع، كان السبب الرئيسي لما يحدث اليوم من تغيرات مناخية تهدد الحياة البشرية، إذ إن هذا التصنيع، يفسد بيئات الأرض من حوله إذا تم بمبالغة شديدة، فمنذ بداية عصر النهضة إلى الآن أحرق الإنسان كما هائلا من الفحم والخشب أولا، ثم من النفط والغاز لاحقا. وحرق هذه المواد يطلق إلى الجو كميات هائلة من المركبات الكيميائية السامة مثل ثاني أكسيد الكربون، أول أكسيد الكربون، أكاسيد النيتروجين، أكاسيد الكبريت. هذه التغيرات بسبب حرق الإنسان الفحم والخشب والنفط والغاز وغيرها، وإطلاق كميات هائلة من المركبات الكيميائية السامة إلى الجو، مثل ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، وأكاسيد الكبريت، التي تعتبر غازات غازات ثقيلة، تبقى في النطاق السفلي للغلاف الغازي للأرض. وأي اختلاف في تركيبة هذا الغلاف يضر بالحياة ويسبب خللا، فقد وصلت نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى نحو385 جزءا في المليون، بينما الوضع الطبيعي هو250 جزءا في المليون، أي زيادة بنسبة 52 في المائة عن الحد الطبيعي، وبالتالي يتحول في الجو إلى سموم. وتعتبر الولاياتالمتحدة على رأس الدول الصناعية الكبرى في زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، فهي تنتج منه 39.4 في المائة حسب إحصائية لعام 2004. أخطار تهدد الحياة ويكمن خطر ثاني أكسيد الكربون بسميته للكائنات الحية، وبقائه قريبا من سطح الأرض ويغلفها تغليفا، ويمنع انتشار الحرارة حيث يمتص الأشعة تحت الحمراء ويمنع تشتتها على سطح الأرض، مما يؤدي إلى رفع درجة الحرارة، وثقب طبقة الأوزون وبالتالي ذوبان الجليد. وقد نشرت وكالة الفضاء الأوروبية تقريرا، قالت فيه إن الممر الشمالي الغربي من القطب الشمالي قد فتح تماما من جراء ذوبان مياه البحر، وقد ذاب الجليد بواقع مليون كيلومتر مربع. ويؤدي ذوبان الجليد إلى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، مما يتسبب في إغراق أغلب الجزر والأنهار، والمناطق الشاطئية والقريبة من الشاطئية التي تضم أراضي زراعية ومناطق آهلة بالسكان. وتوقع العلماء أن يخلو القطب الشمالي من الثلج مع حلول العام 2040، ويقول تقرير آخر لمركز المعلومات الأمريكي، إن 20 في المائة من مساحة الثلوج في المحيط المتجمد الشمالي قد اختفت تماما، وإن هذا يمكن أن يؤدي إلى اختفاء المحيط المتجمد في العام 2030. وأظهرت دراسة أن العالم سيشهد في الفترة القادمة تغيرات مناخية ستهز العالم اقتصاديا وسياسيا، حيث ستؤدي ظاهرة الاحتباس الحراري إلى اختلال بيئي كبير، فالمدن الساحلية والدول الساحلية ذات الأراضي المنخفضة عن سطح البحر، وأراضي الدلتات وكثير من الجزر بالمحيط الهادي والأطلسي والهندي، سوف تتعرض لغرق مساحات شاسعة مع ارتفاع مستويات البحار، أما المناطق القريبة من خط الاستواء فقد تصبح صحارى تستحيل الحياة فيها. كما يؤدي الاحتباس الحراري إلى أضرار صحية وظهور أمراض جديدة بسبب زيادة نسبة الغازات السامة في الجو والتي تضر بالإنسان والحيوان والنبات. ويجمع العلماء على عدم معرفتهم بالخطورة الكاملة للتغيرات المناخية، ولكن الإشارات تحذر من إمكانية حدوث كوارث. سدس الكائنات في خطر في سياق متصل، قال تقرير آخر، إن الكائنات الحية في أمريكاالجنوبية واستراليا ونيوزيلندا الأكثر عرضة للخطر، لأن الكثير منها يعيش في مناطق محدودة أو ليس بإمكانه التكيف بسهولة مع موجات الحر والجفاف والفيضانات أو ارتفاع منسوب مياه البحار. وتوقعت أن نسبة الكائنات الحية التي ستنقرض، تتراوح بين صفر و54 في المائة من الأنواع في شتى أرجاء العالم، وهو تفاوت واسع النطاق لا يتيح وضع سياسات خاصة بالحفاظ على الأنواع البيئية. وإجمالا، توصلت الدراسة إلى أن واحدا من بين ستة من الأنواع قد يأخذ طريقه إلى الاندثار إذا تركت الانبعاثات الغازية على معدلاتها الحالية، وإذا لم يتم وقف ارتفاع درجة حرارة الكوكب ب4.3 درجات مائوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام2100. أمريكا في عام 2100 في غضون ذلك، قال علماء إن الأمريكيين سيشهدون، على الأرجح، زيادة ست مرات في الأيام التي تزيد فيها درجة الحرارة عن 35 درجة مئوية بحلول 2100، وإن ذلك يرجع جزئيا إلى تغير المناخ، في الوقت الذي يربط فيه الخبراء حاليا بين الحر ومئات من حالات الوفيات السنوية في الولاياتالمتحدة. واستندت الدراسة إلى أن عدد سكان الولاياتالمتحدة سيصبح 470 مليون نسمة في 2100، بينما كان نحو 280 مليونا في عام 2000، وتقول دراسات الأممالمتحدة إن انبعاثات الغازات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري هي السبب وراء ظاهرة الاحتباس الحراري، وجاء في تقرير آخر أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد يقلل توليد الكهرباء في غرب الولاياتالمتحدة نظرا لتقلص كميات المياه في السدود التي تولد الكهرباء من تساقط المياه، ونظرا أيضا لتقلص كميات مياه التبريد المتوفرة في محطات توليد الطاقة من الفحم أو المحطات النووية. الأمن الغذائي والصحي تغير المناخ يؤثر في المتطلبات الأساسية للصحة، والهواء النقي ومياه الشرب والغذاء الكافي والمأوى الآمن. كما تسبب الاحترار العالمي الذي يحدث منذ سبعينيات القرن العشرين، في أكثر من140 ألف وفاة سنويا، وفي الكثير من أهم الاعتلالات الفتاكة، مثل الإسهال وسوء التغذية والملاريا وحمى الضنك، ومن المتوقع أن يزداد سوءا مع تغير المناخ. إلى جانب أن الأماكن ذات البنية التحتية الصحية الضعيفة، ومعظمها في البلدان النامية، ستكون الأقل قدرة على التحمل ما لم تحصل على المساعدة اللازمة للتأهب والاستجابة. وإذا ما استمر الاتجاه الراهن في انبعاثات الكربون، فإن درجات الحرارة سوف تزيد بنحو درجة مائوية واحدة بحلول عام 2030، وبدرجتين مائويتين في نهاية القرن القادم. ومن جهة أخرى، فإن هذه الزيادة ربما ستكون لها تأثيرات متباينة باختلاف الأقاليم. فالتأثيرات على الزراعة، مثلا، سوف تكون أكثر ضررا في المناطق الاستوائية مما هي عليه في المناطق المعتدلة. وسوف تستفيد البلدان المتقدمة بقدر أكبر، لأن من المقدر أن تزيد إنتاجية الحبوب في كندا وشمال أوروبا وبعض أنحاء روسيا. وعلى العكس من ذلك، فإن من المحتمل أن تتأثر بصورة سلبية، البلدان النامية الأشد فقرا في الوقت الراهن خلال السنوات الخمسين إلى المائة القادمة، مع تقليص في مساحة الأراضي الزراعية وإنتاجياتها المحتمل. وسوف تكون إفريقيا جنوب الصحراء أشد المناطق تضررا، بسبب عدم مقدرتها على التلاؤم بقدر كاف من خلال توفير الموارد الضرورية أو من خلال زيادة وارداتها من الأغذية. فتغير المناخ يمكن أن يغير في هذه العوامل مما يسبب تهديدا خطيرا لتوافر المياه، وتقليصا في الإنتاجية الزراعية وانتشار الأمراض التي تحملها القوارض إلى مناطق جديدة، وزيادة الفيضانات بسبب ارتفاع منسوب البحار، وأيضا بسبب هطول الأمطار الغزيرة. فتغير المناخ هو في واقع الأمر السبب الرئيسي لتقلبات الإنتاج من عام إلى آخر في البلدان المتقدمة والنامية على السواء. وتشير دراسة أعدتها منظمة الأغذية والزراعة في عام 1996 إلى أن أشد انخفاض في إنتاج الحبوب، سوف يحدث في البلدان النامية، حيث يتوقع أن يبلغ متوسط هذا الانخفاض نحو 10 في المائة. بالموازاة مع ذلك، إن انخفاضا متوقعا ما بين 2-3 في المائة، في إنتاج إفريقيا من الحبوب في عام 2020 سوف يكون كافيا لوحده لتعريض نحو 10 ملايين شخص للأخطار. وتستلزم هذه التأثيرات جهودا للتكيف، يصعب تحملها من قبل السكان الذين تقل لديهم إمكانات الحصول على الموارد أو المدخرات الضرورية. ونظرا لأن انعدام الأمن الغذائي يتوقف على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر مما يتوقف على الأوضاع الزراعية المناخية، فإن الأساليب التي يمكن فيها لتغير المناخ أن يؤثر على مقدرة السكان في الحصول على ما يكفيهم من الأغذية تعتبر بالغة التعقيد. وسوف يعتمد الأمن الغذائي في المستقبل، بصورة رئيسية، على العلاقات المتبادلة بين الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعلى التقدم التكنولوجي والسياسات والأسعار الزراعية وزيادة معدل الدخل الفردي والدخل الوطني وتقليص ظاهرة الفقر، وتعليم المرأة والتجارة وتغير المناخ. ومن جهة أخرى، فإن تغير المناخ يمكن أن يؤثر في التوافر المادي للإنتاج الغذائي، من خلال التغيرات في درجات الحرارة وفي هطول الأمطار؛ وفي مقدرة السكان على الحصول على الأغذية نتيجة لانخفاض دخولهم من الصيد الساحلي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار؛ أو في تراجع حصيلة البلاد من العملة الأجنبية بسبب تدمير محاصيلها التصديرية نتيجة زيادة وتيرة الأعاصير الاستوائية. وهناك بعض الجماعات التي هي معرضة بوجه خاص لتغير المناخ وهي: المجموعات ذات الدخل المنخفض في المناطق المعرضة للجفاف، والتي تفتقر إلى البنية الأساسية ولنظم التوزيع السوقي؛ والمجموعات التي يتراوح دخلها بين المنخفض والمتوسط في المناطق المعرضة للفيضانات والتي يمكن أن تفقد مخزوناتها من الأغذية أو ممتلكاتها؛ والمزارعون الذين قد تتعرض أراضيهم للدمار لطغيان مياه البحار عليها؛ والصيادون الذين قد يفقدون مصايدهم بسبب تغير التيارات المائية أو نتيجة طغيان مياه الفيضانات على مناطق تفريخ الأسماك. ومن جهة أخرى، يعتقد بأن مزيدا من البلدان سوف تحقق بحلول عام 2030 مزيدا من التحسين في اقتصادياتها ومرافقها ومؤسساتها وسوف تكون قادرة على التعويض عن تأثيرات تغير المناخ على إنتاجها المحلي من خلال استيراد الأغذية من بلدان أخرى. بتعبير آخر، إن الإنسان، خصوصا في الدول الصناعية الكبرى، يهدد الحياة على وجه البسيطة، بسبب الانبعاثات الغازية التي يتسبب فيها، ما ينتج عنه تغيرات مناخية، من فيضانات وكوارث طبيعية وصحية وبيئية، ستجعل الحياة على الأرض تنقرض، سواء الحياة البشرية أو الكائنات الحية، وكل ما يوجد على وجه الأرض، خصوصا في ظل استمرار العالم على الوتيرة التي هو عليها الآن، وهي الوتيرة التي ترفع احتمالية انقراض الحياة على الكرة الأرضية أكثر بكثير.