تجادل هذه الورقة أن أمننة السلطات لاحتجاجات الريف منح قوات الأمن سلطات أكبر لفرض النظام، إلا أن نتائجه قد تكون وخيمة على الاستقرار السياسي والاجتماعي على المدى البعيد، لأنه بدلا من التعامل مع الاحتجاجات الشعبية باعتبارها تعبيرا عن حالة من عدم الثقة في سياسات الدولة يتم التعامل معها باعتبارها تحديا أمنيا، مما قد يغذي الاحتقان ويؤجج الغضب الشعبي أكثر فأكثر. في 4 يوليوز 2019، أعلنت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان عن أول تقرير لها حول "أحداث الحسيمة وحماية حقوق الإنسان”، وذلك بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على انطلاق الاحتجاجات الاجتماعية بمنطقة الريف. غير أن التقرير أثار ردود فعل حقوقية غاضبة، اتهمت المندوبية بمحاولة "تبييض وجه الدولة”، ما أعاد إلى الواجهة موقف أحزاب الأغلبية الحكومية في 14 ماي 2017 حين اتهمت حراك الريف بالنزوع نحو الانفصال عن المغرب، وتلقي أموال من الخارج، وأسهمت بذلك في إضفاء الطابع الأمني على الحراك المذكور، أي التعامل معه بوصفه "تهديدا أمنيا"، ما يبرر اللجوء إلى الإجراءات الاستثنائية في مواجهته. بيد أن هذا التوجه لم يلق القبول من قبل فاعلين مدنيين وحقوقيين اعترضوا على خطاب الأمننة عبر مسارين: ميداني، في مسيرات وطنية ومحلية، نظمها فاعلون بينهم أحزاب وهيئات حقوقية ومدنية، ومسار خطابي، بلورته قوى مدنية وحقوقية يعتبر أن حراك الريف ينتمي إلى جيل جديد من الاحتجاجات فشلت السلطة في استيعابه. ومن خلال تحليل تدبير السلطة لحراك الريف، يبدو أن نظرية الأمننة تصلح لدراسة موقف السلطة المتمثل في إضفاء الطابع الأمني على احتجاجات اجتماعية سلمية. وتظهر سيرورة الأمننة من خلال استعمال ثلاثة أدوات أساسية، أولا من خلال استعمال أحزاب الأغلبية، وسائل الإعلام الرسمية أو المقربة، وخطباء المساجد، كحوامل للخطاب المُؤمنن. وثانيا من خلال الربط بين حراك الريف وتهم الانفصال، التمويل الأجنبي، وزرع الفتنة، بهدف تعبئة الرأي العام ضد المحتجين. وهذا ما أعطى ثالثا ذريعة للسلطات الأمنية لاتخاذ إجراءات استثنائية ضدهم، تمثلت في شنّ حملة اعتقالات ومحاكمات، وفرض قيود على الحريات العامة، بحجة حماية النظام العام. تجادل هذه الورقة أن أمننة السلطات لاحتجاجات الريف منح قوات الأمن سلطات أكبر لفرض النظام، إلا أن نتائجه قد تكون وخيمة على الاستقرار السياسي والاجتماعي على المدى البعيد، لأنه بدلا من التعامل مع الاحتجاجات الشعبية باعتبارها تعبيرا عن حالة من عدم الثقة في سياسات الدولة يتم التعامل معها باعتبارها تحديا أمنيا، مما قد يغذي الاحتقان ويؤجج الغضب الشعبي أكثر فأكثر. في مرحلة أولى، تبحث هذه الورقة في مسار أمننة حراك الريف من قبل السلطة، وتفحص مضمون الخطاب الأمني الذي صيغ من أجل إقناع الجمهور الواسع في الداخل والخارج بالإجراءات الاستثنائية التي استُعملت بذريعة حماية النظام العام، مع تحليل كلفة هذا الخيار السياسية والاجتماعية، كما تسعى الورقة أيضا إلى تحليل الخطاب المضاد الذي سعى إلى نزع الطابع الأمني Desecuritization عن حراك الريف، كما تبنّاه وعبر عنه فاعلون آخرون، ممن نازعوا في شرعية وموضوعية خطاب الأمننة وتداعياته. مسار أمننة حراك الريف اندلع حراك الريف على إثر مقتل بائع السمك، محسن فكري، في 28 أكتوبر 2016، داخل شاحنة للنفايات، بعدما أقدمت السلطات المحلية على مصادرة شحنة السمك التي كان يحملها إلى السوق. أسفر الحادث المأساوي عن ردود فعل غاضبة، سرعان ما تطورت إلى احتجاجات واسعة، شملت عدة مدن في الريف وخارجه، طيلة 7 أشهر تقريبا التي تلت وفاة محسن فكري. وقد عززت تلك الأحداث حالة الاحتقان السياسي الذي عرفها المغرب بعد الانتخابات البرلمانية ل 7 أكتوبر 2016، بسبب "البلوكاج" السياسي الذي حال بين رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، رئيس حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات، وبين تشكيل حكومته. لكن ذلك، سيتغير مباشرة بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في 7 أبريل 2017 برئاسة سعد الدين العثماني، حيث اختارت السلطة تطويق حراك الريف من خلال أمننته. من المفيد، في هذا السياق، القول إن الأمننة عملية تتم على مستوى اللغة أساسا، بوصفها فعل خطابي Speech Act يرمي إلى إضفاء الطابع الأمني على قضايا غير أمنية بطبيعتها، من أجل تبرير الإجراءات القمعية ضدها. وتصبح قضية ما أمنية عندما يُعرّفها أحد الفاعلين الرسميين بواسطة اللغة كتهديد وجودي للمجتمع، حيث تلعب المفردات المستعملة دورا حاسما في عملية التعبئة وتجنيد الدعم السياسي لشرعنة الإجراءات القمعية والاستثنائية. معنى ذلك أن عملية الأمننة تمر وفق سيرورة تبدأ أولا بتحديد قضية ما بوصفها مشكلة أمنية، ثم تسييسها من قبل السلطة لكي تصبح مرادفا للتهديد الأمني، وبالتالي وضعها على قمة الأجندة الأمنية للدولة. لكن كلام السلطة غير كاف لحدوث الأمننة، فهي تحتاج، في مرحلة ثانية، إلى إقناع الجمهور/المجتمع بحججها، وهذا الأخير قد يقتنع بطرح السلطة، كالقول مثلا إن حراك الريف انفصالي، وقد لا يقتنع. في الحالة الأولى يصبح الخطاب المؤمنن هو المهيمن وسط الجمهور، ويسمح ذلك للسلطة باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة، أي التحرر من القواعد والشكليات التي لا يمكن تجاوزها في الحالات العادية، أما في حالة عدم اقتناع الجمهور بالخطاب المؤمنن للسلطة، فإن عملية الأمننة تؤول إلى الفشل. إن نجاح سيرورة الأمننة يتوقف أساسا على القوة الإقناعية للسلطة في التكلم عن أي قضية بوصفها تهديدا وجوديا للأمن. في هذا السياق، كانت وزارة الداخلية أول من روّج خطابا أمنيا حول حراك الريف، ففي أول زيارة قام بها وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، إلى الحسيمة في 10 أبريل 2017، تحدث عن "أهداف مشبوهة" ل "بعض العناصر والجهات التي تعمل على استغلال مختلف التحركات الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة لخلق حالة من الاحتقان الاجتماعي والسياسي". والتي لا تكتفي، في نظر الوزير، ب “التخطيط لها على مستوى الميدان، بل يتم التأطير لها سياسيا عبر الترويج لعدد من الشعارات السياسية المتطرفة، ولخطاب الكراهية ضد المؤسسات، في مسعى خائب لكسب سند شعبي مفقود”. وفي 13 من نفس الشهر، نشرت "جون أفريك" مقتطفات من تقرير أمني نسبته إلى مديرية مراقبة التراب الوطني (DGST) يتحدث عن محاولات اختراق للحراك من قبل منظمات انفصالية تنشط في أوربا، اتهمها التقرير بأنها كانت وراء إضرام النار في مبنى سكني للشرطة يوم 26 مارس 2017 بإمزورن، ورفع لافتات تدعو للانفصال في تظاهرات الحراك HYPERLINK “https://mipa.institute/6886” \l “_ftn8” . وقد تلقفت وسائل إعلام مغربية ما ورد في "جون أفريك"، وطالبت النيابة العامة بفتح تحقيق بحجة أنه "لا يُقبل أن يواجه ممثل الحق العام نشر معلومات خطيرة جدا بالصمت"، لأن "من مسؤولية النيابة العامة حماية المجتمع مما يهدده من الخارج باستعمال عناصر من الداخل" HYPERLINK “https://mipa.institute/6886” \l “_ftn9” . كما أعاد فاعلون آخرون الترويج لتهمة الانفصال، لا سيما أحزاب الأغلبية الحكومية، وخطباء المساجد، ووسائل إعلام رسمية وأخرى مقربة من السلطة. ففي 14 ماي 2017 أدانت تلك الأحزاب، بعد اجتماع مع وزير الداخلية في بيت رئيس الحكومة، الحراك واتهمته بالنزوع نحو الانفصال وتلقي التمويل الخارجي، وفي 26 من نفس الشهر تمت تعبئة 80 خطيبا في مساجد إقليمالحسيمة لإدانة الحراك في خطبة يوم الجمعة، من خلال الربط بينه وبين مفهوم الفتنة وزعزعة الاستقرار، ما دفع ناصر الزفزافي، أبرز متزعمي الحراك، إلى الاحتجاج داخل المسجد الذي صلّى فيه، وهي الخطوة التي استغلتها السلطة للشروع في حملة اعتقالات جماعية، وضمنها اعتقال ناصر الزفزافي نفسه ومحاكمته بتهمة إهانة المقدسات الدينية. للإمعان في عملية الأمننة، وصفت وسائل إعلام مقربة من السلطة واقعة المسجد ب"فتنة المسجد"، مع الإشارة إلى ما تحمله كلمة "فتنة" من مخزون سلبي في الوعي الجماعي، لقد كان الهدف هو تجنيد الرأي العام ضد متزعمي الحراك، بهدف عزلهم ، وفي نفس الوقت تبرير الإجراءات القمعية المحتملة، وقد برز هذا المسعى بوضوح حين تم بثّ تقرير تلفزيوني يوم 27 ماي 2017 على القناة العمومية "الأولى" وقناة "ميدي 1 تي في" تم الربط فيه بين حراك الريف والتخريب، فالتقرير التلفزيوني استعان بصور حرق وإتلاف لممتلكات عامة وخاصة تعود إلى أحداث شغب اندلعت عقب مباراة كروية بين فريق الوداد البيضاوي وفريق شباب الريف الحسيمي في أوائل مارس 2017. وهكذا، علاوة على حادث حرق مبنى الأمن في إمزورن، اعتبرت السلطة واقعة احتجاج ناصر الزفزافي داخل المسجد ذريعة لإقناع الجمهور المتردد بأن سلوك الزفزافي ورفاقه قد مسّ في الجوهر بالنظام العام، ما يبرر إجراءات الضبط الأمني والقضائي في حقهم. ومن هنا يمكن تفسير سبب إصدار الوكيل العام للملك في الحسيمة أوامر اعتقال الزفزافي ورفاقه بمبرر "عرقلة حرية العبادات وتعطليها أثناء صلاة الجمعة"، وهي الإجراءات التي نفذت في حق 20 شخصا خلال نفس اليوم، فيما ألقي القبض على ناصر الزفزافي يوم 29 من نفس الشهر، قبل أن تتسع الاعتقالات لتشمل نحو 450 شخصا. الخطاب المضاد لنزعة الأمننة تعد أمننة الاحتجاجات مغرية للسلطة، لأنها تسمح لها بالتصرف، استثناءً، خارج القواعد الديمقراطية، من خلال تبني سياسات القوة بذريعة الحفاظ على النظام العام. وهذا التوجه قد يكون مبررا سياسيا وأخلاقيا، في حال كان التهديد موضوعيا، والرد الأمني متناسبا مع خطورة التهديد، وكان الهدف حماية أمن الأفراد لا النظام السياسي إلا أنه في حالة حراك الريف، يبدو أن العمليات الأمنية لم تكن متناسبة مع خطورة التهديد، حيث أدى الإفراط في استعمال القوة إلى حالة وفاة أحد المحتجين -عماد العتابي-، ناهيك عن مداهمات للبيوت بدون مذكرات توقيف، واعتقال نحو 450 شخصا، 53 منهم نقلوا إلى الدارالبيضاء حيث واجهوا محاكمة جماعية بتهم العصيان، والعنف ضد الشرطة، وتلقي تمويل خارجي، ما جعل موقف السلطة محل انتقاد لدى جزء معتبر من الرأي العام الوطني، ولدى قوى سياسية ومدنية، وهيئات حقوق الإنسان. لقد تولد عن سياسة أمننة حراك الريف خطاب مضاد، يمكن رصده عبر مسارين: الأول في الميدان، وحرص على نقض حجج الخطاب المؤمنن للسلطة حول حراك الريف من خلال التشكيك في تهم الانفصال وتلقي التمويل الخارجي في مسيرات شعبية سلمية وطنية ومحلية، عبّرت عن تصور بديل يدرج حراك الريف ضمن جيل جديد من الاحتجاج فشلت السلطة في استيعابه. ففي مسيرة 18 ماي 2017، تظاهرت الساكنة المحلية في الحسيمة ضد تهم السلطة للحراك بالانفصال وتلقي التمويل الأجنبي، وفي 11 يونيو 2017، دعت أحزاب ومنظمات مدنية وحقوقية إلى مسيرة وطنية في العاصمة الرباط رفعت شعار "لسنا انفصاليين"، وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين، والكف عن مزيد من الاعتقالات في حق النشطاء، وتسريع الاستجابة لمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية، وإذ مثّلت تلك المسيرات محاولة لاحتضان حراك الريف من قبل أحزاب وهيئات وطنية، فقد عبّرت، أيضا، عن وجهة نظر مضادة للمقاربة التي عبّرت عنها السلطة. ورغم تضييق السلطات على الحق في التظاهر السلمي منذ واقعة "المسجد"، فقد ابتدع المحتجون أشكال غير مسبوقة في الاحتجاج السلمي وتجاوز حالة الأمننة، مثل قرع الصحون فوق البيوت، وإطفاء الأضواء، وتنظيم مسيرات في شاطئ البحر، أو السير عبر مسالك وعرة من القرى والبلدات المجاورة نحو مدينة الحسيمة. وفي أوج التضييق ابتكر الشباب تقنية "شن طن" التي تسمح بخروج مسيرات من مختلف الأحياء، وفي توقيت واحد، نحو مركز مدينة الحسيمة. وقد بلغ تحدي الساكنة للإجراءات الأمنية المشددة مداه في المسيرة السلمية يوم 20 يوليوز 2017، ما أدى إلى مواجهات نجمت عنها حالة وفاة الناشط عماد العتابي. المسار الثاني، تم التعبير عنه من قبل منظمات حقوق الإنسان، التي انتقدت هيمنة المقاربة الأمنية في التعاطي مع قضايا الحرية مثل الحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي. فقد اعتبرت "المبادرة المدنية من أجل الريف" في تقرير لها أن تهمة الانفصال التي وجهت للحراك من قبل السلطة غير مبنية على معطيات موضوعية، وأكد التقرير أن "المعطيات التي نتوفر عليها لا تؤشر على وجود تيار انفصالي ضمن الحركة الاحتجاجية المطلبية". وقدّمت المبادرة المدنية مقاربة مغايرة لمقاربة السلطة، إذ اعتبرت أن حراك الريف "ينتمي إلى جيل جديد من أشكال الاحتجاج الاجتماعي الذي يتسم بسمات السلمية والاستعجال والحدة ورفض الوساطات إزاء الدولة" أما الخطاب الحقوقي لمنظمات حقوق الإنسان فقد ركّز على انتقاد نزوع السلطة نحو تغليب "المقاربة الأمنية" في التعاطي مع حراك اجتماعي سلمي اعترفت الحكومة بشرعية مطالبه. وقد تحدث تقرير ل"هيومن رايتس ووتش"، في هذا الصدد، عن "حصار غير معلن" حول مدينة الحسيمة، وعن "استعمال مفرط للقوة"، بل عن "حالات تعذيب للمعتقلين”، استنادا إلى تقرير للطب الشرعي أنجز لفائدة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد مصداقية تهم التعذيب، وتم حجبه من قبل المجلس حتى الآن. علاوة على واقعة تسريب "فيديو" مصور للزفزافي ظهر فيه عاريا، وعلى رأسه، عينه اليسري، وأسفل ظهره، كدمات وجروح، تؤكد الادعاءات نفسها. لقد بلور الخطاب المضاد لنزعة الأمننة حججا مضادة، لم يقدم الخطاب الرسمي حتى الآن أجوبة مقنعة عنها، بما في ذلك تقرير المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، الذي وُصف من قبل بعض الحقوقيين بأنه "تقرير غير حقوقي، خصوصا فيما يتعلق بنفي وجود حالات التعذيب، ومدى تناسب الإجراءات الأمنية مع التجاوزات القانونية المسجلة، وارتفاع الأحكام القضائية في حق المعتقلين. ورغم اللجوء الى المقاربة الأمنية في التعامل مع حراك الريف، يبدو أن جهات أخرى في الدولة تدرك محدودية مسار الأمننة، واحتمال الزيادة في حجم التوتر بين بين الريف والدولة. في هذا السياق، يمكن فهم مضامين الخطاب الملكي في ذكرى عيد العرش بتاريخ 29 يوليوز HYPERLINK “https://mipa.institute/6886” \l “_ftn25” 2017 والإجراءات اللاحقة عليه، ففي الوقت الذي تبنى الملك محمد السادس رأيا معينا في تفسير تلك الأحداث، مفاده أن تدخل قوات الأمن حصل بسبب عدم تحمل الأحزاب لمسؤوليتها في التأطير والوساطة، استدرك، بعد سنة على ذلك، تصحيح الوضع، من خلال قرارات بالعفو شملت بمناسبة عيد الأضحى لسنة 2018، نحو 188 سجينا من معتقلي الحراك، بينهم 11 من مجموعة الدارالبيضاء وهو نهج تواصل في مناسبات وطنية أخرى، وأظهر، مرة بعد أخرى، شعورا متزايدا لدى الدولة في حلحلة ملف معتقلي حراك الريف بشكل تدريجي. خاتمة خلاصة القول، أن خيار مسار أمننة حراك الريف من قبل السلطة بدأ على المستوى الخطابي، وارتكز على مقولات الانفصال، التمويل الخارجي، والفتنة، مستغلا أحداثا بعينها في احتجاجات اتسمت بالسلمية على وجه العموم، قبل أن تنتقل إلى تبني إجراءات استثنائية تمثلت في حملة اعتقالات واسعة، وفرض قيود على الحريات العامة. وقد أثار نزوع السلطة نحو الأمننة ردود فعل من لدن الساكنة المحلية، وكذا هيئات مدنية وحقوقية، سعت إلى نزع الطابع الأمني عن الحراك ، من خلال نقض حجج الخطاب المؤمنن للسلطة، ونقد هيمنة المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية. وبين نزوع السلطة نحو الأمننة، وسعي القوى المدنية والحقوقية إلى نقض تلك النزعة، يمكن القول أن حراك الريف قد كشف عن ضعف كبير في آليات الوساطة، وأظهر محدودية السياسات والبرامج التي تبنتها الدولة طيلة قرابة عقدين من الزمن للتصالح مع الريف، كما عرّى عن نخبة محلية استثمرت فيها السلطة لكنها بدت معزولة عن واقعها الاجتماعي والسياسي، وهي عزلة جعلتها أقل قدرة على لعب دور الوسيط بين الساكنة والسلطة، ووضع الحراك في مواجهة مباشرة مع الدولة، ما جعلها ترجح خيار القوة في إدارة الأزمة، لكن بكلفة يبدو مع الزمن أنها كانت فوق قدرتها على التحمل. *عن المعهد المغربي لتحليل السياسات