قضى الفقيه بينبين مدة تناهز 31 عاما يشتغل مؤنسا للملك الحسن الثاني.. ابنه ماحي بينبين، اختار توثيق هذه التجربة المثيرة في رواية «مؤنس الملك» التي تمت ترجمتها لعدة لغات.. في هذه الحلقات نجري حوارا مع الروائي والفنان ماحي بينبين، وقصته مع والده، كما ننشر أبرز فصول الرواية. هل يمكن أن تحدثنا عن نشأتك؟ ولدت في أسرة عادية في مدينة مراكش سنة 1959، تتكون من أم تعمل سكرتيرة في وزارة المالية بمراكش وكنا سبع إخوة. أما والدي الفقيه بينبين، فقط طلق والدتي بعد حوالي 20 سنة من الزواج، أي قبل أن يلج إلى القصر كمؤنس للملك. لهذا أنا لم أتعرف على والدي، في صغري لأنه تركنا وكنت حينها صغيرا لكنني سأتعرف عليه لأول مرة بعدما بلغت حوالي 32 عاما. كيف أصبح الفقيه بينبين، مؤنسا للملك الحسن الثاني؟ أظنه دخل إلى القصر في أواخر الستينات. كانت المناسبة هي زيارة لكوكب الشرق، أم كلثوم، للمغرب، في 1968، وقد اتصلت السلطات بباشا مراكش لترتيب زيارتها للمدينة الحمراء، وقد وقع اختيار الباشا على والدي بحكم ثقافته وحفظه للشعر، وهكذا رافقها لزيارة عدة معالم. جدك أيضا كان مؤنسا للكلاوي؟ فعلا، جدي، والد أبي، أيضا كان مؤنسا للقايد الكلاوي بمراكش، وقد سألني الصحافي حميد برادة في برنامج في دوزيم، “مادام جدك كان مؤنسا للكلاوي، وابوك مؤنسا للحسن الثاني، هل يمكن أن تكون مؤنسا للملك محمد السادس؟” فقلت له “لقد أفلتت منها”، واضفت أن الفقيه بينبين ترك 15 ولدا، يمكن أن يختاروا منهم اي أحدا آخر غيري. لنعد إلى قصة دخول الفقيه بينبين للقصر وزيارة أم كلثوم؟ كما قلت تكلف الفقيه بنبين بأم كلثوم لمدة ثلاث أيام خلال زياتها لمراكش. كان والدي يملك ذاكرة قوية، ويمكنه حفظ كتاب حرفيا، ومرة سأله أخي عن كتاب، فرد عليه “هل تريد أن أقرأه عليك من المقدمة، أم بدون مقدمة”. كان الفقيه يرافق شاعر الحمراء الذي عرف بإدمان السكر، وكان كلما شرب كثيرا إلا وتلا مزيدا من الشعر، وكان والدي يحفظ عنه كل بيت قاله، وعندما يستفيق بن براهيم من سكره، يطلب من الفقيه، أن يتلوا عليه ما قاله بالأمس، لأنه لم يعد يذكره، فيتلوه عليه، وقد تطورت الأمور بأن أصبح الفقيه يبيع أبيات الشعر بمقابل لصاحبها بنبراهيم،الذي لا يستطيع تذكرها. وخلال زيارة أم كلثوم، قرأ عليها أشعار محمد بن براهيم، شاعر الحمراء، فأعجبت به، فسألت عن إمكانية الحصول على ديوان هذا الشاعر لكن قيل لها إنه لا يوجد له أي ديوان له، وأن أشعاره متفرقة. وعندما سافرت للرباط لإحياء حفلة في ضيافة الحسن الثاني، انتهزت الفرصة وقالت للملك، إنها أعجبت بشعر بنبراهيم، ودهشت أنه لا يتوفر على ديوان، وعبرت عن رغبتها في غناء بعض أشعاره، وقارنته بعمر الخيام. وحينها أعطى الملك تعليمات لجمع ديوان بنبراهيم، وكان الفقيه بينبين، أحد الأشخاص الذين كلفوا بجمع الديوان، رفقة شخصيتين. هل كانت تلك هي الفرصة التي فتحت للفقيه باب القصر؟ فعلا، فبعد جمع الديوان وطبعه، نظم الحسن الثاني حفلا في القصر، حضره بينبين وأفراد من الحاشية، فسأل الملك بينبين، لماذا يمدح شاعر الحمراء دائما القائد الكلاوي، ولا أجد في هذا الديوان أي بيت يهجوه فيه. فرد بينبين، “لأنه عاش في كنف الكلاوي ولا يمكن أن ينتقده”. وقد كلف الملك أوفقير، بمنح مكافئات لشخصين ساهما في جمع أشعار شاعر الحمراء إلا الفقيه بينبين، الذي غضب بسبب عدم حصوله على مكافئته، لكن الملك كان قد طلب من أوفقير إحضار بين بين إلى القصر ليكون ضمن حاشيته، وكانت تلك مكافئته. وهكذا دخل الفقيه للقصر وبقي فيه لمدة 31 عاما، مثل سجن ذهبي لا يغادره إلا نادرا.