صوت شجي يتلو القرآن الكريم، فيأسر قلوب المصلين ممن بات الكثير منهم يقصد مسجد الحسن الثاني، أكبر مساجد مدينة الدارالبيضاء، للاستمتاع إلى تلاوته المبهرة. رحلة بدأها الشيخ المغربي عمر القزابري، البالغ من العمر 45 سنة، مذ كان في الثانية عشرة من عمره، ولم تقتصر على تلاوة القرآن الكريم، وإنما أمّ المصلين، وهو في تلك السنّ، فيما استهلّ رحلة حفظ القرآن قبل ذلك بسنوات. ومن مدينة مراكش انطلقت مسيرة الشيخ الشاب، مرورا بالسعودية، قبل أن يعود إلى بلده، وتحديدا إلى الدارالبيضاء، حيث يؤم، حاليا، المصلين أثناء أداء صلاة التراويح في أكبر مسجد في البلاد. الشيخ الصغير إمامة القزابري المصلين في التراويح بدأت في أحد مساجد مراكش منذ أن كان عمره 12 سنة، ومنذ ذلك الحين وهو يؤم الناس في التراويح إلى اليوم. وفي تصريحات إعلامية، أدلى بها لمحطة إذاعية خاصة، قال القزابري إنه “بدأ حفظ القرآن الكريم، وهو ابن 8 سنوات، حيث كان يُظهر له أفراد أسرته إعجابهم بصوته الجميل”. ودأب الفتى على مرافقة والده، أحمد، الذي كان يؤم الناس في صلاة التراويح في أحد مساجد مراكش، إذ أثناءها وقع أسير تلك الأجواء الروحانية السائدة، ونهل من القرآن الكريم، وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، ما أهله لإمامة المصلين نيابة عن والده وعمره لا يتجاوز 12 سنة. تمكّن “الشيخ الصغير” من نيل إعجاب المصلين، وانهمرت دموع الفرح من عيني والده، الذي كان يرقبه من الصف الأول في المسجد، بل إن المصلين طلبوا، آنذاك، من والده أن يكمل الفتى إمامة صلاة التراويح، طوال الأيام المتبقية من رمضان. وكانت حادثة لا تنسى، إذ ظلت عالقة في ذاكرته حتى اليوم، يردد تفاصيلها كلما سئل عن بداياته، وانطلاقته الفعلية في المجال. ومستعرضا تفاصيل أصعب تجاربه وأكثرها حبا لقلبه، أضاف القزابري، في التصريحات ذاتها، أنه شعر بالارتباك في الركعة الأولى، لكنه ما لبث أن تخطى الأمر، وتسلح بثقة عالية من النفس مكنته من الحصول على مباركة الحاضرين. وبانتهاء الليلة الأولى، فرح والداه كثيرا بما حققه الابن، وامتزجت دموع الفرح بكلمات التهنئة، وأكمل الفتى إمامة المصلين في صلاة التراويح طوال رمضان، ليكون ذاك الشهر الفضيل نقطة انطلاقته في عالمه الجديد. وبالنسبة إليه، فإن “دخول عالم الإمامة ليس بالأمر الهين”، مشبها إياه ب”حمل الجبال فوق الكتفين”. ولفت القزابري الانتباه إلى أن “إمامة المصلين ليس بالأمر السهل كما يتصور الناس”. وعمر هو أصغر إخوته الستة، وتابع دراسته في المدارس العمومية في مراكش، كما ارتاد عددا من دور القرآن في المدينة نفسها، وبعد حصوله على الثانوية العامة، سافر إلى السعودية لإتمام دراسته. وبخصوص شغفه بالقرآن، قال إنه تأثر بكبار شيوخ المغرب، مثل “مولاي أحمد، والشيخ مولاي مصطفى اليحياوي”. وعلى مستوى تلاوة القرآن، أشار القزابري إلى أنه تأثر بالشيخ “محمد رفعت” في مصر. الأب والصديق يعتبر الإمام والده قدوته في الحياة؛ حيث يقول في إحدى مقابلاته التلفزية إن “علاقته مع القرآن بدأت بإلهام من والده، الذي كان من علماء مدينة مراكش، حيث نشأ، وهو يرى كيف كان يتعامل مع القرآن، قراءة، وترتيلا”. وحين كان في السابعة عشرة من عمره، سافر عمر إلى السعودية لأداء مناسك العمرة، وإمامة الناس في أحد مساجد المملكة، في رحلة وصفها في تصريحات سابقة له ب”أعز مكان مع أعز رجل”. وظلت علاقته بوالده راسخة بذاكرته، على الرغم من وفاة الأخير منذ أكثر من عقدين من الزمن، خصوصا أنه كان يلازمه في تحركاته، ويقتدي به في لباسه وطريقة كلامه. ونظرا إلى العلاقة الخاصة، التي كانت تربط بينهما، فقد شكّل رحيل الوالد صدمة بالنسبة إلى “عمر”، الذي فقد بفقدانه الأب، والشقيق، والصديق. أما أكثر ما حز في نفسه – كما يقول – فهو تغير معاملة الناس له إثر وفاة والده. وعقب فترة “عصيبة، وفراغ قاتل” إثر وفاة والده، يشد عمر الرحيل إلى السعودية عام 1996، حيث سيكمل دراسته، وتحصيله العلمي. فكرة التوجه إلى المملكة عرضها عليه الشيخ عبد الرحمن نصيف السعودي الجنسية، بعد لقاء بينهما في المغرب، حيث أعجب عبد الرحمن بصوت عمر. وفي مدينة جدة غربي السعودية، صقل عمر موهبته، خصوصا عقب احتكاكه مع مشاييخ، وعلماء من السعودية، ومصر، وسوريا، والعراق، وموريتانيا؛ حيث كان يؤم الناس في أحد المساجد، بالإضافة إلى تدريس مجموعة من الشباب القرآن، وعلوم التجويد. واليوم، يعتبر عمر القزابري أحد أشهر المقرئين المغاربة؛ حيث يستقطب بصوته الشجي أكثر من 30 ألف مصل يوميا، في صلاة التراويح في مسجد الحسن الثاني في مدينة الدارالبيضاء، فيما يرتفع العدد في العشر الأخيرة من رمضان. إقبال جعل اسم الإمام الشاب يرتبط بالمسجد، في ثنائية باتت شهيرة بمدينة الدارالبيضاء ممن يتدفق مصلوها كل ليلة، متجهين نحو المسجد، باحثين بحواسهم عن عمر، وعن صوته المبهر في تلاوة القرآن، وأسر مستمعيه.