لم يبلع وزير الاتصال، مصطفى الخلفي، تقرير المنظمة الأمريكية «فريدوم هاوس، التي وضعت المملكة في خانة الدول التي تفتقر كليا إلى شيء اسمه حرية الصحافة... الخلفي من موقعه كوزير إعلام في حكومة بنكيران يستغرب وضع المغرب في المرتبة 147 في لائحة المنظمة الأمريكية، التي تضم 197 دولة، رغم أن فيه انفتاحا ديمقراطيا، ورغم أن السلطة لم تغلق أي جريدة سنة 2013، ولا صدر حكم بسجن الصحافيين، إذن، ما هو سبب سوء الفهم الكبير بين المملكة «صديقة حرية الصحافة والصحافيين» والمنظمة الأمريكية؟ في السابق كانت السلطة تتهم المنظمات الدولية بأنها متآمرة على البلاد، وأنها جزء من عصابة تهدف إلى المس بصورة العلم الأحمر والنجمة الخضراء. اليوم تطور عقل السلطة، حيث أصبحت تتهم هذه المنظمات بأنها «جاهلة» بالواقع، وتعتمد على تقارير مغلوطة، وأن معاييرها لقياس حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر معايير فاسدة، والتالي، فإن «أمنيستي» و«هيومان رايتس ووتش» و«فريدوم هاوس» ولجنة حماية الصحافيين ومنظمة الفصل 19 وغيرها تحتاج إلى دروس تقوية من قبل الحكومة المغربية لتعرف كيف تقرأ الواقع المغربي جيدا، وتحتاج هذه المنظمات إلى نظارات خاصة لرؤية حرية الصحافة التي تنعم بالازدهار والنماء والانتشار يوما بعد آخر... لنرجع إلى شيء من الجد.. مشكلة حرية الصحافة لا توجد في التقارير الدولية، توجد في الواقع القانوني والسياسي والاقتصادي المعادي لحرية الصحافة اليوم بالمغرب. ليس المشكل في المرآة التي تعكس صورة الواقع البئيس، بل في هذا الواقع، والذي لا تعجبه هذه الصورة، ما عليه إلا أن يغير الواقع لا أن يكسر المرآة... هذا لا ينفع في شيء. قوانين الصحافة المعمول بها اليوم تنظم الرقابة على الصحافة، ولا تنظم حرية الإعلام. الفكرة القابعة وراء العقل القانوني الذي وضع هذه النصوص هي أن حرية الصحافة مادة مضرة لصحة، وإذا كنا سنسمح بها اضطرارا فلا بد من تناولها على أضيق نطاق، ولا بد لمن يستهلكها أن يأخذ معها «مضادات حيوية» وأن يرى جيدا الخطوط الحمراء التي تسيجها. إلى الآن لم تخرج القوانين الجديدة من كهف الدولة العميقة مما يعني أن الإصلاح مازال معلقا على الإرادة السياسية. البيئة السياسية التي يتحرك فيها العمل الصحافي مليئة بالألغام، وهي غير صديقة بتاتا للصحافة كما هي متعارف عليها دوليا. لا الحكومة ولا المعارضة ولا القصر ولا الباطرونا ولا النقابات ولا الإسلاميين ولا اليساريين يقبلون بوجود صحافة تراقب وتكشف وتعري وتنتقد وتسخر... الفاعل السياسي لم يعد يكتفي بنقد وسائل الإعلام الحرة، على قلتها، ولم يعد يكتفي بجرها إلى القضاء أو السجن، بل صارت له صحافته الخاصة به، ومن زيت هذه الصحافة يقليها كل يوم. صار للسياسيين وأصحاب النفوذ «ميليشيات إعلامية» متخصصة في جلد صحافيين بعينهم، وخلط الأوراق، وممارسة رياضة جديدة اسمها: معارضة الحكومة لفائدة الحكم، والذي لا يستطيع أن يفتح فمه أمام الديناصورات يبصق كل يوم على الفئران. البيئة الاقتصادية هي الأخرى غير مساعدة على قيام صناعة إعلامية وصحافية حرة ومستقلة بالمغرب. الإعلانات جزء مهم منها مسيس، وهي سلاح أظهر فاعليته في كثير من الأحيان لتطويع الصحافة وإدخالها إلى بيت الطاعة كمقدمة لتسخيرها ضد معارضين أو صحافيين أو حقوقيين أو رجال أعمال مغضوب عليهم. القراء يهربون كل يوم من الصحافة المؤدى عنها إلى الصحافة المجانية في النيت، والمشاهدون يهربون كل يوم من قنوات القطب المتجمد إلى الفضائيات العربية والأجنبية، وفي النهاية تغضب الحكومة من التقارير الدولية تنعي حرية الصحافة ولا تهتز لها مشاعر لمتابعة صحافي بقانون الإرهاب.