في ظل النقاط السلبية التي تمنحها المؤسسات الدولية للمغرب مثل مؤسسة «فريدوم هاوس» ومنظمة «مراسلون بلا حدود»، والانتقاد الحاد الذي توجهه الجمعيات الحقوقية المغربية ونقابة الصحفيين المغاربة بين الفينة والأخرى إلى الدولة، لعل آخره تقرير النقابة الوطنية للصحافة المغربية الأخير الذي أعلن بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من ماي من كل سنة، والذي سجل تطورا مطردا في الاعتداءات الجسدية على الصحفيين أثناء مزاولة عملهم، وما يرافق ذلك من إهانة وسب وشتم وبخس للمهنة التي قيل إنها السلطة الرابعة. وأمام الصورة «الوردية» التي تسجلها الوزارة الوصية في تقاريرها السنوية عن حرية الصحافة، وانتقادها الشديد للتصنيفات التي تضع المغرب في ذيل الترتيب بين الدول التي لا تتمتع بأي قدر من الحرية، تتناسل تساؤلات عديدة عن مدى مصداقية التقارير الدولية وموضوعيتها مقابل مدى قوة الرواية الرسمية التي تدافع عن مجهوداتها في حماية الصحفيين ونهج الحكامة في القطاع. وفي الوقت الذي يعتبر خبراء مغاربة الخلل على مستوى حرية الصحافة منظومي ليس مرتبطا بقطاع أو بسياسة أو بشخص، بمعنى أننا إزاء وضع في الصحافة يراوح مكانه جراء ثقل إكراهات السلطة وضغط المنظومة، فإن المأمول في نظر آخرين هو تطوير المسار الإصلاحي الذي يعرفه المغرب منذ تكريس المقتضيات ذات الصلة بما جاء في الدستور الجديد في مجال حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير وحق الحصول على المعلومات واحترام التعددية، لأن ذلك من شأنه أن يطور الممارسة ويزيد من «نسيم» الحرية المنشودة. وبعيدا عن التباين الواضح في التقارير الدولية والمحلية والرسمية؛ أنهت اللجنة العلمية للحوار والتشاور حول مشروع مدونة الصحافة والنشر عملها منذ حوالي شهر، وحسمت بعد اجتماعات متكررة في التوجهات الكبرى المتعلقة بقانون الصحافة والنشر والقانون الأساسي للصحفي المهني وقانون الصحافة الإلكترونية، والمجلس الوطني للصحافة، في انتظار إقرار كل القوانين والمقتضيات المرتبطة بالمشروع بعد اعتمادها من طرف مجلس الحكومة والمصادقة عليها من طرف البرلمان. السؤال المطروح في هذا الصدد، إلى أي حد يمكن أن تساهم هذه القوانين في انتقال المغرب من قائمة الدول الخالية من حرية الصحافة إلى قائمة الدول التي تتمتع –على الأقل- بحرية جزئية، بعد أزيد من سبع سنوات من احتلال المغرب للمراتب الأخيرة في حرية الصحافة وراء دول مغمورة سياسيا ومتخلفة اقتصاديا. «فريدوم هاوس»: المغرب في قائمة الدول الخالية من حرية الصحافة للسنة التاسعة على التوالي؛ تصنف مؤسسة «بيت الحرية» المغرب بين دول العالم الخالية من حرية الصحافة إلى جانب 64 دولة أخرى، إذ احتل في تقرير سنة 2013 الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثاني من ماي من كل سنة، المرتبة 152 عالميا من أصل 197 دولة شملها التقييم، متقدما بمركز واحد عن تقرير السنة الماضية، ونال نفس التنقيط مع دول مغمورة هي كمبوديا والكامرون ومدغشقر. بيانات التقرير، كشفت أن المغرب يحتل المرتبة التاسعة عربيا على مستوى حرية الصحافة، حيث تصدرت قائمة الدول العربية موريتانيا باحتلالها المرتبة 93 عالميا، متبوعة بتونس ولبنان، يليهما الكويت وليبيا، وسجل التقرير، أن الدول العربية الخمسة الأولى وحدها التي تشهد حرية جزئية، فيما أظهرت نفس البيانات تقدم الجزائر ومصر والأردن على المغرب رغم تواجدهم في مجموعة الدول الخالية من حرية الصحافة والتي تشكل 32 في المائة من دول العالم، وأكدت المعطيات، احتلال المغرب للمرتبة الأخيرة بين دول الربيع العربي التي شهدت انتخابات حرة وأفرزت حكومات جديدة، كما لفتت إلى أنه من بين دول الربيع العربي احتفظت ليبيا وتونس وحدهما بمكاسبهما الكبيرة مقارنة بالسنة الماضية بخلاف مصر التي تراجعت إلى فئة غير الحرة، لكن رغم ذلك تتقدم على المغرب. من جهة أخرى، أظهرت المعطيات الرقمية الواردة في التقرير، أن خمسة دول من إفريقيا جنوب الصحراء تعرف حرية للصحافة، وهي جزر الرأس الأخضر وغانا وجزر الموريتش ودولة ساو تومي وبرينسيبي التي تتكون من جزيرتين في خليج غينيا عند خط الاستواء غرب الغابون مساحتها 1101 كلم مربع، بينما يتذيل المغرب الترتيب الإفريقي مقارنة مع عدد الدول الإفريقية الغائبة سياسيا والمتخلفة اقتصاديا. نقابة الصحفيين: الاعتداء الجسدي على الصحفيين تطور سنة 2012 أكد التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عن حرية الصحافة والإعلام بالمغرب، أن سنة 2012 عرفت تراجعا في مجال الحريات النقابية وممارسة العمل النقابي في مؤسسات الإعلام العمومي خاصة على مستوى القناة الثانية «دوزيم» والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وكذا بوكالة المغرب العربي للأنباء، وسجل تطورا في حالات الاعتداءات الجسدية على الصحافيين، من خلال الزيادة المطردة لحالات الضرب والتنكيل والمضايقات والسب والتهديد ومنع الصحافيين المصورين من القيام بعملهم، واحتجاز رجال الأمن لآلات التصوير إلى جانب أنواع مختلفة من الضغوطات التي تعتبر انتهاكا لحرية الصحافة. وأكدت النقابة في تقريرها السنوي، أن آلية التتبع التي أُعلن عنها والتي تضم وزارة العدل والحريات ووزارة الاتصال وكذا النقابة الوطنية للصحافة المغربية، لم تنفع في التصدي لهذه الاعتداءات. منجزو التقرير وعلى مستوى القناة الثانية قالوا إنه لم يتبلور بعد الحوار الحقيقي بالقناة حول القضايا المهنية من استقلالية وديمقراطية للتحرير وأنظمة الشفافية والحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص ومقتضيات تطبيق مبادئ الخدمة العمومية. وعلى مستوى دار لبريهي فقد وقف التقرير عند ما وصفه بالهجوم على عدد من المسؤولين النقابيين وأعضاء النقابة من طرف بعض المدراء بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الذين اتخذوا من مناصبة العداء للعمل النقابي وسيلة للتقرب من رئاسة الشركة بعدما انكشف تواضعهم المهني و ضعفهم في التدبير» وعن وكالة المغرب العربي للأنباء قال التقرير إنها تشهد مشاكل متعددة، «جراء غياب حوار جدي مع الممثلين النقابيين، في تعارض تام مع ّأجواء وسياق الحوار والنقاش الجاري في البلد على خلفية الحراك الاجتماعي والسياسي الذي شهده المغرب، والذي أسس له الدستور الجديد والأدبيات السياسية والمدنية الجديدة المختلفة ببلادنا. المغرب ينال 66 نقطة سلبية في معايير "فريدوم هاوس" تعتمد مؤسسة «فريدوم هاوس» التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، في تقييمها لتعامل دولة ما مع الصحافة على ثلاث مؤشرات رئيسية وهي؛ البيئة القانونية لاشتغال وسائل الإعلام، والتضييق السياسي على منابر الإعلام، والضغوط الاقتصادية على الصحافة. وفيما يتعلق بالمؤشر الأول، أظهر تقييم المؤسسة الدولية نيل المغرب (24 نقطة) سلبية في تقييم القوانين التي تنظم عمل الإعلام، ومدى توفير الحكومة المغربية لقوانين لا تقيد حق الوصول إلى المعلومة، والضمانات الدستورية والقانونية لحرية التعبير، ثم الجوانب السلبية المسجلة في قانون العقوبات وغيره من القوانين الجنائية، والعقوبات المفروضة على القذف والتشهير في قانون الصحافة، ومدى استقلال القضاء في متابعة الصحفيين. بالنسبة للمؤشر الثاني، حصل المغرب على نفس عدد النقاط السلبية، فيما يخص هيمنة الدولة على وسائل الإعلام العمومية، والرقابة على المطبوعات ووضع حواجز أمام الوصول إلى المعلومة، فضلا عن حيوية الإعلام وتنوع الأخبار المتاحة للرأي العام الوطني، إضافة إلى قدرة الصحفيين المحليين والأجانب على تغطية الأخبار دون تضييق. في المؤشر الثالث، بلغ مجمع النقاط السلبية التي حصل عليها المغرب (18 نقطة) سلبية، من خلال مراقبة عدم الانتقائية في تقديم الدعم المالي للمنابر الإعلامية، ومدى وجود الشفافية في مراقبة تكاليف الإنتاج والتوزيع وملكية وسائل الإعلام. كم نقطة سلبية كان بالإمكان تفاديها؟ يرى متبعون، أن المغرب كان بالإمكان أن يتفادى في المؤشر الأول الذي يتعلق بالبيئة القانونية التي تؤطر العمل الصحفي بالمغرب أكثر من عشر نقاط سلبية بسبب تأخره في إخراج بعض القوانين وتقوية بعضها، يتعلق الأمر بإخراج مدونة الصحافة والنشر الجديدة بمشاريعها الأربعة إلى حيز الوجود، وإقرار قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، وإصلاح منظومة استقلال القضاء، خاصة أن قانون الصحافة الذي ينتظر المصادقة عليه خال من العقوبات السالبة للحريات. نفس الأمر ينطبق في المؤشر الثاني المتعلق بالتضييق السياسي على وسائل الإعلام، إذ لاحظ المتتبعون، أن المغرب أضاع فرصة تجنب جمع 10 نقاط سلبية أيضا، بسبب انتهاجه المقاربة الأمنية في التعامل مع المراسلين المعتمدين وتعرض عدد من الصحفيين المغاربة لاعتداءات متكررة، وعدم تمكين وسائل الإعلام من الولوج إلى المعلومة. كما أكدوا أن كان بإمكانه أن يتجنب حوالي نصف عدد النقاط السلبية المسجلة في مؤشر الضغوط الاقتصادية على الصحافة لو مكن الرأي العام من معرفة مالكي الجرائد والمساهمين الحقيقيين في رأسمالها، وحارب تركز ملكية وسائل الإعلام في نخب تعكس التحكم في المشهد الإعلامي وعدم وجود تنوع وتعدد فيه، وأيضا لو أقر معايير شفافة في توزيع الإعلانات والإشهار على الصحف والمجلات. تقرير وزارة الاتصال يرسم صورة إيجابية سجل تقرير وزارة الاتصال الأخير حول حرية الصحافة برسم السنة الماضية، تقدما كبير بخلاف ما يرد في التقارير الدولية، حيث أكد التقرير، تقدما للمغرب على مستوى قانون الصحافة بعد إطلاق عملية إصلاح الإطار القانوني للصحافة واعتماد مدونة حديثة للصحافة والنشر، والتزام المغرب بإلغاء العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة في الأممالمتحدة، وتوسيع المقاربة التشاركية في إصلاح قانون الصحافة والنشر وإحداث لجنة استشارية علمية. تقرير الخلفي أشاد بالتقدم المسجل في مؤشر الحق في الولوج إلى المعلومة من خلال بلورة مقتضيات قانونية تضمن حق ولوج الصحفيين إلى المعلومة ونشرها، وإعداد مشروع قانون شامل حول الولوج إلى المعلومة. وتحدث عن حرية في الممارسات الصحفية بعد وضع آلية مشتركة لحماية الصحفيين والتزام الحكومة بالتحقيق في أي انتهاك مفترض لحرية الصحافة وذلك بعد اتفاق وزارة الاتصال والنقابة الوطنية للصحافة المغربية على آلية للوقاية من أي حادث محتمل قد يقع الصحفيون ضحيته وتعبير وزارة العدل والحريات عن التزامها بفتح التحقيق في الشكايات المرفوعة إليها. نفس التقرير، لم يسجل أي حالة منع أو مصادرة لصحيفة وطنية طيلة سنة 2012، كما لم يسجل أي حالة اعتقال للصحفيين المهنيين. وبخصوص المؤشرات المتعلقة بالعنف الخطير الممارس ضد الصحفيين التي تعتمدها المنظمات الوطنية والدولية الناشطة في مجال حماية الصحفيين، لم يسجل التقرير أي حالة تعذيب أو اختطاف أو الهرب بسبب تهديدات ولجوء الصحفيين لإجراءات خاصة لضمان سلامتهم، أو التوقف عن الأنشطة المهنية بسبب ضغوطات سياسية أو منع الصحفيين من ممارسة مهنتهم لأسباب تتعلق بالجنس أو الأصل أوالدين، وأكد عدم تعرض أي صحفي للقتل أو الوضع تحت الحراسة النظرية أو السجن دون محاكمة أو الإدانة بعقوبة حبسية. التقرير الإيجابي لوزارة الاتصال أشاد بإحداث لجنة التحكيم التي يرأسها قاض وتشمل في عضويتها صحفيين وناشرين فقط المتخصصة في تسوية نزاعات الشغل بين الصحفيين ومشغليهم، وأكد على احترام الحق في تأسيس الجمعيات واحترام حق الإضراب بالنسبة للصحفيين، وإقرار آلية تشاركية وشفافة لاعتماد الصحفيين على مستوى الصحافة عبر لجنة مشتركة تضم في عضويتها أربعة من ممثلي الصحفيين وأربعة من ممثلي الناشرين وإقرار تعليل قرارات الرفض ونشرها. من جهة أخرى، أشار التقرير إلى حرية تأسيس المواقع الإلكترونية الإخبارية، وعدم تسجيل أي حالة إغلاق موقع صحفي إلكتروني أو منع الولوج، وضمن جهود النهوض بالصحافة الإلكترونية تحدث التقرير عن إطلاق الحوار الوطني المهني لإعداد كتاب أبيض، وإعداد مشروع إطار قانوني لحرية الصحافة الإلكترونية، وبلورة إطار الدعم العمومي للصحافة الإلكترونية، والانضمام لاتفاقية الجرائم الإلكترونية وبروتوكولها الإضافي المعتمدة من مجلس أوروبا.