ملف مثير من المقرّر أن يجري فيه قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة المكلفة بجرائم الأموال باستئنافية مراكش، خلال الأيام القليلة القادمة، جلسات الاستنطاق التفصيلي لخمسة مشتبه بهم في سرقة أكثر من 260 هاتفا ذكيا (سمارتفون) من قسم المحجوزات بابتدائية ابن جرير، اثنان منهم يعملان حارسا أمن خاص، ويمثلان أمامه في حالة اعتقال، فيما الباقون موظفون رسميون يمثلون، في حالة سراح، بعد أن قرّر إخلاء سبيلهم، في ختام جلسات استنطاقهم الابتدائي، وهو القرار الذي طعنت فيه النيابة العامة أمام الغرفة الجنحية بالاستئنافية نفسها، خاصة بالنسبة لأحد الموظفين الثلاثة، الذين تعاقبوا على مسؤولية الإشراف على مكتب المحجوزات، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. واستنادا إلى مصدر مطلع، فقد تفجرت القضية على إثر طلب تقدم به شخص لدى ابتدائية ابن جرير، من أجل تنفيذ حكم قضائي يقضي باسترجاعه لهاتفه الذكي، من نوع “آيفون إس بلوس”، الذي كان محجوزا في إطار ملف قضائي، قبل حوالي ثلاث سنوات، غير أنه شعَر بأن طلبه ظل يُواجه بالتسويف، رغم أنه ذيّله بموافقة النيابة العامة، وأدلى بما يفيد بأن الحكم نهائي، قبل أن يفاجأ بأن هاتفه “اختفى” في ظروف غامضة من قسم المحجوزات، وتتحول المماطلة إلى محاولة استرضائه، على قاعدة المثل القائل: “يا دار ما دخلك شرّ”، واقتراح اقتناء “سمارتفون” آخر له بنفس نوعية هاتفه “المفقود”، الذي لم يكن يقل ثمنه، وقت حجزه، عن 12000 درهم، فيما يصل سعره حاليا إلى حوالي مليون سنتيم. لم يقبل الشخص المذكور بالعرض المقترح عليه، وكاد يفقد صبره من شدة الضغط عليه، قبل أن يكشف للموظف المسؤول عن قسم المحجوزات بأن السرّ الكامن وراء رفضه، ليس راجعا للقيمة المالية للهاتف النقال، وإنما لشعوره بأن سنوات من تحصيله الجامعي باتت مهددة بأن تذهب سُدًى، موضحا له بأن ذاكرة هاتفه المحجوز كانت تحوي بحثه في سلك الماجستير، ليجد موظف المحجوزات نفسه مضطرا إلى توجيه كتابٍ إلى رئيس كتابة الضبط بالمحكمة نفسها، باعتباره رئيسه المباشر، وبحكم أن المصلحة المذكورة هي الجهة التي تُترك المحجوزات في عهدتها، غير أن الكتاب لم يقتصر فقط على الطلب الذي استعصى تنفيذه، بل حمل مفاجأة من عيار ثقيل، مفادها بأن لائحة الهواتف “المفقودة” تشمل 261 هاتفا ذكيا إضافيا، لم يعد يظهر لها أثر في مكتب المحجوزات بالطابق تحت الأرضي للمحكمة. لم ينتظر رئيس كتابة الضبط طويلا، فقد أشّر على الرسالة الواردة عليه وأحالها، بشكل مباشر، على وكيل الملك بالابتدائية نفسها، باعتبار النيابة العامة هي صاحبة الولاية العامة على المحكمة في القضايا الجنحية والزجرية، فيما تضطلع رئاسة المحكمة بالمهمة عينها في القضايا المدنية. الرسالة/الإخبار ستأخذ طريقها بسرعة من وكيل الملك بابن جرير إلى مكتب الوكيل العام بشارع الشهداء بالحي الشتوي بمراكش، وذلك لاعتبارين اثنين، كون الأفعال الإجرامية المشتبه في ارتكابها ترقى إلى مستوى الجنايات، إذ أن القيمة المالية للهواتف المسروقة تتجاوز بأضعاف مضاعفة مبلغ مائة ألف درهم (10 ملايين سنتيم)، وهو السقف الأعلى الذي يتم تكييف المتابعة في اختلاس أشياء أو إخفائها بقيمته على أنها مجرد جنحة، أما الاعتبار الثاني، فيتعلق بالإحالة من أجل الاختصاص، ذلك أن الهواتف كانت محجوزة لفائدة الدولة المغربية، وسرقتها تعتبر تبديدا لأموال عامة، وهو ما يتعيّن معه إحالة الملف على غرفة جرائم الأموال بمراكش، باعتبارها الجهة القضائية المختصة للبت في هذه النوعية من الملفات. أياما قليلة بعد ذلك، سيعهد الوكيل العام بإنجاز البحث التمهيدي للفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمراكش، التي حلّ ضباطها بعاصمة الرحامنة مستهلين تحرياتهم الأمنية بالاستماع إلى الطالب المشتكي، ولثلاثة موظفين تعاقبوا على الإشراف على قسم المحجوزات، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ولرئيس كتابة الضبط، قبل أن يتقرّر إجراء خبرة تقنية بمختبر الشرطة العلمية بالدار البيضاء، لتحديد أماكن الهواتف المسروقة، بالاعتماد على أرقامها ونوعيتها المشار إليها في محاضر الحجز. كما قامت الضابطة القضائية، التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بمعاينة قسم المحجوزات، لتقف هناك على ما وصفه مصدرنا ب “اختلالات تشوب تدبيره”، إذ ينعدم فيه أي فصل بين المحجوزات على أساس التمييز بين “العادية” و”الثمينة” منها، وفق ما تنص عليه المقتضيات القانونية، التي تحدد ثلاث طرق للتصرف في هذه المحجوزات، إما بإتلافها، كالخمور والمخدرات، أو إرجاعها لأصحابها بناءً على أحكام قضائية، أو مصادرتها لفائدة الأملاك المخزنية.