هو واحد من الكتب المثيرة، يصنف وثيقة تاريخية من قلب العمل المسلح لحزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية، ويضم وثائق مهمة بعضها ينشر لأول مرة، يحمل شهادة حية من كواليس التحضير لانتفاضة 3 مارس 1973، وتنظيم «الاختيار الثوري». امحمد التوزاني راوي هذه الأحداث يصفه رفيق دربه أحمد الطالبي المسعودي، بأنه «الشهيد الحي»، غاص في لجة أحداث وتجارب وأسرار ثورة لم تكتمل، بكل انتصاراتها وخيباتها ودروسها وتضحيات جيل وجد نفسه في مواجهة مفتوحة.. من أجل الحرية والديمقراطية. مؤلف الكتاب التقى المهدي بنبركة بالمغرب، وسيحاوره فيما بعد في دمشق قبيل التحاقه بمعهد الدراسات العسكرية بسوريا، كما سيلتقيه وهو في أوج عطائه، يجوب عواصم العالم تحضيرا لمؤتمر القارات الثلاث. انخرط التوزاني مع ثلة من مناضلين فلسطينيين وعرب من مختلف البلدان العربية في التكوين العسكري، كما انخرط في النضال الفلسطيني، وقام بنضال مشترك مع رفيقه غسان كنفاني، ومع تخرجه سيكون ضمن المستخرجين لرفات الأمير عبد القادر الجزائري من قبره في دمشق، وسيكون ممن حمل نعش الأمير عبد القادر إلى ساحة المرجة، حيث سيستلمه وزير الخارجية عبد العزيز بوتفليقة، لينقله إلى مثواه بالجزائر الشقيقة. كانت جريدة التحرير هي الناطقة باسم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ويتولى إدارتها، كل من عبد الرحمان اليوسفي ومحمد البصري في المغرب، منعت هذه الجريدة منذ 16 يوليوز 1963، واستمر توقفها إلى غاية 1975، عوضها المناضلون بالنشرات السرية الداخلية بعنوان التحرير. كان المناضلون يتوصلون بها من حين لآخر في جميع مناطقهم محليا وخارجيا. قبل دخولي إلى ليبيا، راودت المرحوم محمد البصري، وربما بعض المسؤولين في الكتابة العامة (قيادة الحزب)، فكرة إحداث واجهة إعلامية صوتية. ما علمته فيما بعد، هو قيام المرحوم محمد البصري بزيارات متكررة إلى ليبيا، واتصاله بالمسؤولين الليبيين، خاصة وزير الداخلية الليبي المرحوم صالح البوصيري، وخلالها عقد اجتماع بطرابلس بحضور محمد البصري والمرحوم عثمان بناني، شقيق السيدة غيثة بناني زوجة الشهيد المهدي بنبركة ممثل الحزب في القاهرة، والطاهر الجميعي ممثل الحزب في سوريا، والشهيد محمد بنونة، أصبح هذا الأخير رسميا مسؤولا إعلاميا عن الإذاعة بإشراف وتوجيه دائم من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شخص القياديين، عبد الرحمان اليوسفي والمرحوم الفقيه محمد البصري. أعتقد أنه في هذا الاجتماع تمت الموافقة على خلق برنامج إذاعي من خمسة وأربعين دقيقة موجه إلى المغرب، ولعل المرحوم البصري هو صاحب اقتراح هذا العنوان تعويضا لجريدة التحرير الموقوفة. وبعد وفاته، أخذ مكانه عبد المنعم الهوني، ونفذ تعليمات البوصيري وأضحى ما تم الاتفاق عليه كالتالي: تغير اسم الشهيد محمد بنونة واحتفظ بلقبه، بنونة، الذي أضحى لقب السيد إبراهيم أوشلح المسؤول عن إذاعة صوت التحرير، وأصبحنا منذ ذلك الوقت نبث كل يوم سبت أسبوعيا تحت عنوان: مجلة صوتية تهتم بنضال الشعب العربي في المغرب الشقيق، وبعد نجاحه، ستضاف حصة أخرى يوم الأربعاء في نفس التوقيت. وأذكر أن أول حلقة تمت إذاعتها في أوائل شهر أكتوبر 1971 كانت تتعلق بالجزر الإماراتية الثلاث: الطامب الكبرى والطامب الصغرى وجزيرة أبو موسى المحتلة من طرف نظام شاه إيران، أنجز خطوطها العريضة السيد إبراهيم أوشلح وقدمها لي لتصحيحها وإعادة صياغتها، واستفسرت إبراهيم أوشلح عن علاقتنا بهذه الجزر الإماراتية، فرد أن ذلك لكسب تعاطف المسؤولين الليبيين، ولا بأس من أن نقوم بهذا العمل، اعترضت على البرنامج وعلى الاعتبارات التي لا تهمنا كمناضلين. كنت أساهم كغيري في إعداد برامج صوت التحرير بمعية الشهيد محمد بنونة وإبراهيم أوشلح والشهيد الحسين المانوزي وآخرين، وقد كانت البرامج متنوعة، ويتم تقسيمها حسب التوقيت المخصص لنا: افتتاحية باللغة العربية الفصحى، يقرأها كل من ناصر عبد السميع والمرحوم جلال معوض. أقوال الصحف: تركز على الأخبار والتحاليل التي تكتبها الصحف العربية والغربية عن المغرب. أحداث وآفاق: تعاليق الصحف الفرنسية على بعض القضايا السياسية المتعلقة بالمغرب. منبر المواطنين: برنامج يستند إلى مراسلات الجماهير المغربية سواء من الداخل أو من الخارج، دون أن أنسى "حدث في مثل هذا اليوم..". أما بالنسبة للمصادر، فقد كنا نعتمد على المقالات التحليلية التي كانت تردنا من فروعنا الحزبية في داخل المغرب وأوربا والدول العربية (سوريا و الجزائر…)، كلما اعتمدنا على مراسلات المواطنين المغاربة التي شكلت مادة إعلامية دسمة لما تزخر به من معطيات ومعلومات متعددة خاصة بالمغرب، ألهمت الشهيد محمد بنونة لوضع ملف ضخم عن مشاكل الشعب المغربي، وقد اعتمدنا أيضا على كتب التاريخ، فرنسية، وعربية، لبث حلقات خاصة عن تاريخ المغرب. كانت الحلقات تذاع باللغة العربية الفصحى، وبعد إضافة حلقة أخرى صرنا نبث باللهجة السوسية التي تكلف بإذاعتها الشهيد الحسين المانوزي، إلى جانب أحمد الرامي الذي قدم إلى ليبيا، بعد فراره من المغرب على إثر انقلاب 16 غشت 1972، إلى أن غادرنا بعد إقامته معنا لمدة أربعة أشهر. بالإضافة إلى البث باللهجة الريفية التي تكلف بها المرابط سليمان (إسماعيل)، وكنت أنا مكلفا بالدارجة المغربية لا غير، لغاية 12 مارس 1973. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والمرحوم محمد البصري وغيرهما من قادة الحزب، قد ساهموا بشكل فعال في إنجاح هذا العمل، وقد كنا باستمرار في حاجة إلى الإغناء والتجديد، فكان الاتصال بقواعد حزبنا، نحثهم لبعث مساهماتهم أينما كانوا.