فارس آخر من فرسان الديمقراطية والتحرر يترجل عن جواده، بعد حياة مليئة بالكفاح ضد المستعمر، وبالعمل النضالي الدؤوب على بناء مغرب الاستقلال. إنه المقاوم والمناضل عبد الواحد بنونة، أول كاتب خاص للشهيد المهدي بنبركة، وأحد الرجال الذين لعبوا دورا بارزا في بناء حركة المقاومة، حتى قبل إقدام سلطات الحماية الفرنسية على نفي السلطان محمد الخامس. وقد شغل الفقيد، الذي كان معروفا بكرمه وعفة لسانه وهدوئه وحكمته وصمته عن المحن، منصب كاتب خاص للشهيد المهدي بنبركة لما كان هذا الأخير رئيسا للمجلس الاستشاري (البرلمان) سنة 1957. وناضل الراحل إلى جانب رفيقيه المهدي بنبركة وقائد المقاومة وجيش التحرير المرحوم محمد الفقيه البصري، من أجل إرساء دعائم مغرب الاستقلال، وعانى، كما عانى رفاقه المناضلون الاتحاديون، خلال سنوات الرصاص، من الاعتقال والتعذيب، وكان من بين معذبيه الجلاد بوبكر الحسوني، أحد المتورطين في اختطاف واغتيال الشهيد المهدي، حسب الشهادة التي كان قد أدلى بها في حوار أجرته معه «الاتحاد الاشتراكي» نهاية التسعينيات . ومعلوم أن المهدي بنبركة وعبد الواحد بنبركة تزوجا شقيقتي عثمان بناني الذي كان مسؤولا عن العلاقات الخارجية في الحزب إلى جانب عبد الرحمن اليوسفي. وإلى جانب أدواره الوطنية والحزبية، لعب الفقيد دورا كبيرا على المستوى النقابي، وكان من قيادات إضراب 1961 الذي انتهى بطرده إلى جانب مجموعة من المناضلين، ومن بينهم محمد الحيحي. وكان الراحل، أيضا، ينسق، منذ سنة 1952، نقل الأسلحة مع الفقيه البصري بكلمة سر في مخروط صخري بساحل البحر بحي المحيط بالرباط، في إطار حركة المقاومة المسلحة التي أطلقها جيش التحرير المغربي في مواجهة الاستعمار الفرنسي، والتي شاركت فيها أسماء من المناضلين حينها مثل محمد العلمي عبروق، عبد الفتاح بساطة وآخرون. بل استطاع إلى جانب عبد القادر بن يوسف، المسؤول عن المقاومة بالرباط، فضلا عن عمر المكوني، من توسيع رقعة المقاومة التي امتدت، مع حمو عبد العليم، حتى الجنوب الشرقي. ولعل أول صدمة تلقاها الراحل كانت هي لحظة استشهاد شقيقه قائد كوماندو كولميمة أثناء الاشتباك المسلح مع قوات قمع النظام في جبال أملاكو، ويتعلق الأمر بالقائد الشهيد محمد بنونة (محمود) سنة 1973، الذي كان رفيقا لشيخ العرب. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم الاتحاديون والاتحاديات، قيادة وقواعد، بأحر تعازيهم وأصدق مواساتهم إلى أرملة الفقيد زهور بناني وشقيقتها غيثة بناني (أرملة الشهيد المهدي بنبركة) وابنه ياسر بنونة وابن شقيقه المهدي بنونة صاحب كتاب «أبطال بلا مجد» (ابن الشهيد محمود)، وإلى الحبيب الشرقاوي، وكل أفراد عائلات بنونة وبنبركة والشرقاوي وباينة وإلى عائلته الكبيرة داخل كل الأحزاب التقدمية والمركزيات النقابية والحركة الحقوقية. تغمد الله الفقيد الكبير بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته إلى جانب الأنبياء والصديقين. وألهمنا جميعا الصبر فيه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.