موادها السامة لم تمنع من ترويجها في الفضاءات العامة كريمة أحداد
عادة جديدة بدأت تتسلل إلى الفضاءات المغربية العامة، وهي تدخين السيجارة الإلكترونية، بل إن شركات تسوق هذا المنتوج وتروج له عبر الإشهار، مع العلم أن إشهار التدخين ممنوع. المقبلون على هذه السيجارة يختارونها لأسباب متعددة، سواء لثمنها الأرخص من نظيرتها التقليدية، أو لما يقال من قدرتها على المساعدة على الإقلاع عن التدخين.
بالنسبة للبعض، هي سبيل للإقلاع عن التدخين؛ وللبعض الآخر، هي طريقة اقتصادية لتزويد الجسد بالنيكوتين. إنها السيجارة الإلكترونية التي أصبح الإقبال عليها متزايدا اليوم من طرف عدد كبير من المغاربة، غير أن دراسات غربية أعلنت أنها تحتوي على مواد سامة تسبب أمراضا خطيرة. « اليوم24» ترصد ظاهرة إقبال المغاربة على تدخين ما يسمى ب «السيجارة الإلكترونية»، وتنشر شهادات مغاربة يستعملونها، معتمدة على آراء أطباء حول هذا الموضوع.
وهم علاج الإدمان أحمد، شاب في العشرينات ومسؤول تواصل بإحدى المؤسسات بالرباط، يقول إنه لجأ إلى السيجارة الإلكترونية في محاولة منه للإقلاع عن التدخين؛ «أنا أدخن منذ ثمان سنوات، وأخاف أن أضر بصحتي أكثر إن واصلت التدخين، وحين سمعت أن السيجارة الإلكترونية قد تحل المشكلة، لجأت إليها. فهي تعوض النيكوتين الذي يحتاجه جسدي بسبب الإدمان، لكنها لا تترك رائحة كريهة كما السجائر العادية». مريم، طالبة في كلية العلوم بالرباط. اتخذت من السيجارة الإلكترونية ملاذا لها لمحاربة الإدمان على السجائر العادية، خصوصا بعد أن دخلت في خصام مع أسرتها التي اكتشفت علامات إدمانها بسبب الرائحة التي تتركها السجائر. تقول بسخرية سوداء: «لا فرق أبدا بين السيجارتين الإلكترونية والعادية، ألجأ إلى الإلكترونية لتعويض إدماني». يشرح محمدي عز الدين، اختصاصي في الأمراض التنفسية والصدرية، ل «أخبار اليوم» أن «خطورة السيجارة الإلكترونية تكمن في إيهام الناس بالتخلص من الإدمان، ولكنها في الحقيقة تحتوي على نفس النيكوتين الموجود في السجائر العادية». ويضيف رئيس جمعية أطباء الصدر بالمغرب أنه «رغم عدم وجود دراسات حول هذا النوع من السجائر، إلا أن ما هو مؤكد أنها تحتوي على سموم أقل من سموم السيجارة العادية،a كما أنها لا تضر المحيطين بمدخنها».
«موت» اقتصادي «أعرف أن كلتا السيجارتين تضران بالصحة، لكنني حين لا أجد المال الكافي لشراء السجائر التقليدية، ألجأ لتعبئة الإلكترونية التي تستمر لمدة أسبوع وب 60 درهما فقط !»، تقول لمياء، 23 سنة وطالبة، بارتياح ظاهر على قسمات وجهها. ويؤكد محمد سعيد لمباركي، عضو المكتب التنفيذي للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، في تصريح له ل «اليوم24» أن «السيجارة الإلكترونية تشبه إلى حد ما السيجارة العادية، فهي تحتوي على مواد مسرطنة، كما أن طريقة صنعها وتسويقها مشكوك فيها، لأنها تسوق في كل مكان، بالإضافة إلى أنها ذات صنع صيني، وثمنها رخيص جدا، ومع ذلك تباع هنا بثمن باهظ. ولا أحد يعرف بماذا تصنع، ولا مصدر الدخان الذي ينبعث منها أثناء التدخين». ومن جهته، يشدد مصطفى حدي، عضو النقابة الوطنية للصحة، على مخاطر السيجارة الإلكترونية، حيث أكد على تسجيل حالات تسمم خطيرة بسببها، وخصوصا لدى القاصرين الذين كانوا متحمسين لتجربتها.
عدم اكتراث يبدو أن الكثير من المدخنين غير مكترثين لمخاطر التدخين، وخصوصا تدخين السجائر الإلكترونية، رغم تسويقها المثير للشك، ورغم الدراسات العلمية المحتشمة التي أقيمت حولها. فهي بالنسبة لنبيل طريقة «سحرية» لتزويد الجسد بالنيكوتين في الأماكن التي يمنع فيها التدخين. «لا فرق لدي بين السيجارة الإلكترونية والعادية، سوى أن الأولى يمكن أن تستعملها في كل مكان»، يردف نبيل وتقاسيم وجهه تبدو عليها اللامبالاة، مضيفا بنفس النبرة: «لا يهمني ما يقال عن مخاطرها، لأنه ليست السيجارة وحدها التي تقتل، حتى دخان السيارات»، يضحك ساخرا. وعلى غرار نبيل، يؤكد جمال بنبرة واثقة أنه لا يهتم لما يمكن أن يسببه له استعمال السيجارة الإلكترونية، فما يهمه فقط هو أنها «أقل ضررا من السيجارة التقليدية، وفيها مواد أقل ضررا بالصحة من المواد الموجودة في السيجارة العادية». «لا يمكنني الاستغناء عن النيكوتين، والحل الوحيد هو تعويضه بالنيكوتين الموجود في السيجارة الإلكترونية»، يردف جمال.
قانون لم يطبق يبدو أن تدخين السيجارة الإلكترونية في الأماكن العمومية في الدول الغربية شأنه شأن تدخين السيجارة العادية، فبعد أن قامت العديد من الدول الأوربية بحظره في الأماكن العامة، أعلنت بريطانيا في يناير الماضي عن اعتزامها منع بيع السجائر الإلكترونية لمن هم دون سن الثامنة عشرة، لأن «الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه السجائر الخالية من التبغ ما يزال غير معلوم»، يؤكد الخبراء. كما منعت فرنسا أيضا بيع وتدخين السيجارة الإلكترونية في الأماكن العامة، في حين أن المغرب لم يطبق بعد حتى قانون منع تدخين السجائر العادية في هذه الأماكن. ويؤكد عضو المكتب التنفيذي للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، محمد سعيد لمباركي: «تجري في أوربا اليوم نقاشات لتجديد الترسانة القانونية من أجل منع السيجارة الإلكترونية، نظرا لأنها تحث الناس على التدخين والإدمان»، ويضيف: «في حين صادق البرلمان المغربي سنة 1991 على قانون منع التدخين في الأماكن العمومية، وتم نشره في الجريدة الرسمية سنة 1994، مما يعني أن أي شخص يقدم على خرقه يجب أن تطبق في حقه عقوبات، ومع ذلك لا يؤخذ بعين الاعتبار».
دراسات محتشمة «لا يسبب لي تدخين السيجارة الإلكترونية أي خوف على صحتي، ما دامت كل الدراسات حولها لم تثبت لها أي مخاطر كبيرة على الصحة، غير الإدمان !»، يؤكد خالد 35 سنة، مسؤول تواصل بإحدى المؤسسات بالرباط بثقة ظاهرة. يظهر أن السبب في تدخين المغاربة للسجائر الخالية من التبغ هو عدم الوعي بخطورتها. فهذا الاختراع الذي ظهر أول مرة في الصين سنة 1963، لم تقم حوله أية دراسات علمية جادة تحدد بطريقة دقيقة ما يمكن أن يصاب به مستعملها. «كانت هناك دراسات سنة 2009، لكنها ظلت محتشمة، لأنها اكتفت بالحديث عن مكونات هذه السيجارة، ولم تلتفت إلى مخاطرها والمشاكل التي يمكن أن تسببها على صحة الإنسان»، يؤكد المباركي. وقد نشرت بعض المواقع الإخبارية نهاية الشهر الماضي مستجدات حول دراسة حديثة قام بها باحثون في جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، مفادها أن مخاطر حقيقية تحيط باستخدام السيجارة الإلكترونية المطروحة في الأسواق بغرض مساعدة المدمنين على التوقف عن التدخين. وقام الباحثون بتحليل عدة أنواع تجارية مختلفة للسيجارة الإلكترونية، فوجدوا أن السائل الذي يحتوي على مادة النيكوتين يمكنه أن يتسرب من السيجارة لجسم المستخدم لها، كما أن معظم البيانات حول المنتج سيئة، ولا تتضمن المحتويات الفعلية للسيجارة أو تاريخ انتهاء الصلاحية، بالإضافة إلى عدم وجود تحذيرات صحية.
إشهار خارج القانون في محطات الترامواي بالرباط وشوارع مدينة الدارالبيضاء، تقابلك إعلانات تعرض فيها شركة متخصصة في تسويق وتوزيع السجائر الإلكترونية بالمغرب، رغم المنع القانوني لإشهار السجائر، لاستقطاب أكبر عدد من المستهلكين وإغرائهم بمبيعاته وجودتها. ومقابل الصرامة في التشريعات القانونية التي أصبحت دول العالم تقابل بها مسألة التدخين والإشهار للسجائر التقليدية، استغلت هذه الشركة الفراغ القانوني في مجال البيع والتسويق والإشهار لتحفيز أذواق مستهلكي السجائر الإلكترونية، لتعرض إشهاراتها في شوارع المدن الكبرى. ويؤكد المباركي محمد سعيد، العضو في المكتب التنفيذي للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، في تصريح ل « اليوم24»، أنه «منذ أن بدأ الجدال حول السجائر الإلكترونية وطريقة تسويقها والإعلان لها، حاولت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، ومنها الشبكة المغربية للدفاع عن الصحة، الاتصال بالإعلام من أجل التحسيس بخطورة هذه السجائر والتأكيد على أنها ليست وسيلة فعالة للإقلاع عن التدخين، وكذلك التنبيه إلى غياب قانون منظم لهذا الصنف الجديد من المنتوجات»، ويضيف لمباركي، أنه «في الآونة الأخيرة، حققت هذه الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية أرباحا خيالية، والتي كان هدفها في البداية مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين». من جهته، يؤكد ياسر، مسؤول في أول شركة لتسويق السجائر الإلكترونية عبر «الأنترنيت» في المغرب، في تصريح ل «اليوم24»، أن «فكرة السيجارة الإلكترونية جاءت من أجل مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين»، مضيفا أن «السيجارة الإلكترونية وسيلة فعالة من أجل هذا الغرض، والدليل هو عدد الناس الذين استطاعوا الإقلاع عن التدخين بفضلها». وأضاف المتحدث ذاته، أن «شركات السجائر الإلكترونية في المغرب ليس هدفها التجارة والترويج للسجائر الإلكترونية؛ وإنما تقوم بالإشهار لتوقيف التدخين، نظرا لأن السجائر التقليدية خطيرة جدا على صحة الإنسان لتوفرها على مواد سامة وقاتلة». وقال المسؤول ذاته: إن «أكبر خاسر أمام ظهور شركات السجائر الإلكترونية بالمغرب هو شركات السجائر العادية». وعن منع السجائر الإلكترونية على القاصرين في الدول الغربية، قال المتحدث نفسه، إن السبب هو «عدم دفع الأطفال والقاصرين إلى الإدمان على النيكوتين، لأنهم يأخذون الأمر على أنه «موضة»، فالسيجارة الإلكترونية هي فقط خطوة أولى لتغيير عادة تدخين السيجارة العادية»، مؤكدا أن «النيكوتين في الحقيقة غير مضر بالصحة، لكنه مسبب للإدمان. المضر في السجائر هو المواد التي تتوفر عليها ك «القطران»، وثاني أكسيد الكربون الذي يتجرعه المدخن أثناء تدخين السيجارة التقليدية».