حسم التعديل الحكومي الأخير لصالح الحفاظ على بنية حكومة سعد الدين العثماني دون تغيير كبير في مكوناتها، فأغلق بذلك سيناريو إبعاد حزب التقدم والاشتراكية، أو سيناريو انضمام حزب الاستقلال، لكنه أعاد النقاش من جديد حول ما إذا كان العثماني، الذي أصبح أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية كذلك، قادرا على بعث الروح السياسية في جسد حكومته المنهك، أم إنه سيستسلم لواقع الجمود الذي يميز الحياة السياسية المغربية منذ تنصيب حكومته في أبريل الماضي. قرار التعديل جاء بعد 3 أشهر من الانتظار، ما دفع القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العلي حامي الدين، إلى الحديث عن «ميني بلوكاج»، تباينت التحليلات حول الغرض منه. عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بمراكش، قال ل«اليوم24» إن «التأخر في التعديل الحكومي ارتبط بسيناريوهات كان يتم الاشتغال عليها، أبرزها رغبة البعض في «إبعاد حزب التقدم والاشتراكية عن حكومة العثماني، ومنح حقائبه لباقي الأحزاب المشكلة لها، خصوصا الأحرار»، أما السيناريو الثاني، فقد تعلق ب«احتمال تعويض التقدم والاشتراكية بحزب الاستقلال»، مؤكدا أن السيناريو الذي تم ترجيحه في النهاية هو «الحفاظ على الوضع الراهن». بمعنى استمرار التشكيلة الحكومية نفسها، مع تعويض الوزراء المعفيين بآخرين من الأحزاب نفسها، أو يعينون باسمها، اثنان عن حزب التقدم والاشتراكية وعضوا مكتبه السياسي، هما: عبد الأحد الفاسي وأنس الدكالي، واثنان باسم حزب الحركة الشعبية هما: سعيد أمزازي ومحمد الغراس، ووزير خامس مستقل قادم من عالم المال والأعمال، محسن الجوهري. إحدى أولى نتائج هذا التعيين، حسب عبد المنعم لزعر، باحث في العلوم السياسية، أن «التعيين الملكي للوزراء الجدد مكان الوزراء المعفيين، أغلق قوس التأويلات والسيناريوهات والأسئلة السياسية التي خلقها حدث الإعفاء، خاصة في ما يتعلق بسؤال إقصاء حزب التقدم والاشتراكية، وإدماج حزب الاستقلال، وسؤال التعديل الموسع أو التعديل المحدود». غير أن هذا التعيين لم يوقف التساؤلات، فما دلالاته؟ وهل يعيد الروح السياسية إلى حكومة العثماني، أم إنه سيعمّق مأساتها؟ في قراءته لمخرجات التعديل الحكومي، يرى عباس بوغالم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وجدة، أنه «تعديل تقني دون روح سياسية»، وأضاف: «رغم احتفاظ حزب التقدم والاشتراكية بمناصبه في الحكومة، يُلاحظ أنه رشح باسمه تقنوقراطيين، وإن كانوا من بين قياداته، وهذا قد يُفقده الزخم السياسي الذي طبع مشاركته في الحكومة السابقة، نتيجة الحضور المعتبر لأمينه العام الذي تم إعفاؤه». تعزيز الوجود التقنوقراطي في الحكومة، في رأي عباس بوغالم، يؤكده أيضا استوزار رجل أعمال محسوب على «الباطرونا» في الحكومة، وهذا معناه أنه «قادم من أجل خدمة أهداف اقتصادية معينة، وليس للدفاع عن السياسة المغربية في إفريقيا، التي تقع في صلبها خدمة قضية الوحدة الترابية». وسجّل عبد المنعم لزعر، بدوره، الملاحظة نفسها، إذ اعتبر أن التعيينات الجديدة «جاءت لتحافظ على أطراف وشروط وبنود الصفقة نفسها التي تحكمت في بناء الحكومة. هذه الصفقة التي تمتاز بهيمنة رهانات وديناميات السوق على رهانات وديناميات السياسة». ومن شأن توسيع جبهة التقنوقراط، وفق عبد الرحيم العلام، أن «يضعف الروح السياسية لحكومة العثماني»، بل إن عباس بوغالم اعتبر أن التعديل الجديد «يجعلنا عمليا إزاء حكومة تنفذ برنامج الإدارة، ويهيمن عليها التقنوقراط، ولا يمكن أن نتوقع منها الكثير في ما يخص مصالحة المواطنين مع السياسة». وضعية دفعت عبد المنعم لزعر إلى وصف حكومة العثماني، وقد اكتمل أعضاؤها، بأنها «حكومة أدوار بامتياز»، فهي «حكومة توصف بأنها متحررة من الروابط السوسيو-سياسية التي تغذي جسدها، وواقعة، في الوقت نفسه، تحت تأثير التطلعات السوسيو-سياسية لهذه الروابط»، ما يعني استمرار معاناتها بسبب نقص مشروعيتها.