ما مدى دستورية حرمان رئيس الدولة مسؤولين سياسيين من تقلد أي مهمة رسمية مستقبلا؟ المتأمل في بلاغ الديوان الملكي يلاحظ أن ملك البلاد أعلن عدم رضاه عن مجموعة من الوزراء في الحكومة السابقة، وحرمانهم من تقلد أي مهمة رسمية في المستقبل. وقد فتح هذا القرار نقاشات دستورية وقانونية اختلفت في بعض الجوانب، لكنها اتفقت بأن لها بعد دستوري، خصوصا الفصل 47 من الدستور، وأهمية هذا القرار لا تتجلى في بعده الدستوري، بل في بعده الرمزي والسياسي، وهو ما يعني الإعدام السياسي لهاته الفئة من الوزراء الذين حرمهم رئيس الدولة من تقلد أي مهمة رسمية، بالإضافة إلى أنهم لم يعودوا يحظون برضا جلالته، وما تعنيه من أبعاد رمزية في النظام السياسي المغربي. إن هذا الحرمان أقسى من أي إعفاء. كيف تقرؤون إذن دلالات القرار الملكي الأخير؟ – دلالات القرار الملكي الأخير، بإعفاء عدد من الوزراء والشخصيات السامية، متعددة منها أولا: أنها بُنيت على أساس مبدأ دستوري، وهي أحكام الفصل 47، ولا سيما الفقرة الثالثة منه التي تؤكد بعد استشارة رئيس الحكومة للملك، حق إعفاء عدد من المسؤولين والوزراء. ثانيا: أنها ذات طابع جماعي، إذ جاءت على أساس تحقيقات وبعد خطابين ملكيين ومجلس وزاري. ثالثا، أن تقرير الإعفاء قامت به مؤسسة دستورية هي المجلس الأعلى للحسابات. رابعا: إنها بداية زلزال سياسي ستكون له تداعياته على المستوى الحزبي والحكومي والسياسي. لكن أهمم دلالة القرار الملكي تبقى هي قرار الملك في وضع حد لمسار، وتدشين مسار جديد، مفاده أن المغرب خرج من بناء المؤسسات الدستورية ودخل تفعيل مقتضيات الدستور، خصوصا بالنسبة إلى مبدأي ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة. ماذا يميز قرار الملك الأخير عن باقي الإعفاءات الوزارية التي شهدها تاريخ المغرب؟ ما يميز قرار الملك الأخير عن باقي الإعفاءات السابقة التي عرفها المغرب ما يلي: أولا: أنه كان نتيجة لحراك اجتماعي لم يشهد المغرب مثيلا له، وهو حراك الريف وما أحدثه من هزات داخل الدولة وخارجها. ثانيا: أنه إعفاء جماعي طال أكثر من 9 وزراء دفعة واحدة، ضمنهم شخصيات لها رمزية كبيرة في النظام السياسي المغربي. ثالثا: أنه جاء في فضاء مؤسساتي هو المجلس الوزاري. رابعا: هو إعفاء جماعي مؤطر بمرجعية دستورية. خامسا: إعفاء جاء بعد خطابين ناريين للملك تجاه الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين والمنتخبين. سادسا: أن هذا الإعفاء تم في سياق مأزوم فقدت فيه الكثير من المؤسسات هيبتها ومصداقيتها عند الشعب. كيف تتوقعون مستقبل حكومة العثماني بعد الرجة التي عرفتها؟ قرار الإعفاء ليس له علاقة بحكومة العثماني، بل له علاقة بحكومة بنكيران السابقة، وإن كان بعض الوزراء المعفيين ينتمون إلى حكومة العثماني. وعليه، فنحن لسنا أمام تعديل حكومي، بل أمام إعفاء وزراء ينتمون إلى حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية. وقد طلب بلاغ الديوان الملكي الأخير من رئيس الحكومة تعويض الوزراء من الأحزاب نفسها، وبالتالي، فلن تعرف الحكومة الحالية تعديلا حكوميا، ولكن تعويض وزراء معفيين بوزراء مقترحين من الأحزاب ذاتها، اللهم إذا قررت هياكل حزبي التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية الخروج إلى المعارضة. آنذاك سنكون أمام تعديل حكومي وتعويض الحزبين السابقين بحزب الاستقلال، لكن هذا السيناريو يبقى مستبعدا لأن كل المؤشرات تؤكد بقاء حزبي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية في حكومة العثماني. الأكيد أن الزلزال السياسي، الذي أحدثه القرار الملكي الأخير، ستكون له تداعياته، لكن ليس على المستوى الآني، بل في المستقبل على الأقل، أي بعد المؤتمر الوطني لحزب العدالة والتنمية المقبل، وما سيفرزه من نتائج على مستوى قيادة الأمانة العامة للحزب، وأن حكومة العثماني بعد الزلزال الملكي لن تكون هي الحكومة نفسها ما قبل هذا الزلزال، وأنها تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وأنها لن تذهب إلى نهاية ولايتها. وفي الأخير نشير إلى أن تعيين وزراء جدد لتعويض الوزراء المعفيين ستكون مناسبة لتعيين وزارة الشؤون الإفريقية. ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط