اثر الخطاب الملكي انبرت شهية التحليلات والتعليقات والدراسات. وحسب ما تسرب انفردت مذكرة نور الدين عيوش بالدعوة إلى اعتماد الدارجة في التعليم المغربي بدل اللغات. إلا أن المقترح ربما ستواجهه صعوبات في التنزيل. ف "درجنة" التعليم محاولة فشلت في العديد من الأقطار العربية كمصر ولبنان وسوريا... رغم الوزن الثقيل الذي مثله تيار متزعمي درجنة التعليم في الأوساط الاجتماعية بهذه البلدان كطه حسين وتوفيق الحكيم... كما أن المقترح لم يقدم تجارب رائدة في الموضوع؛ فرغم أن الاتحاد السوفياتي كان يضاهي من حيث المساحة القارة الإفريقية، وتفوق أعداد أقلياته ولهجاته القارتين الإفريقية والأوربية فانه لم يعتمد اللهجات المحلية، ورغم استقلال الجمهوريات بعد انهيار الاتحاد فإنها لم تسارع إلى اعتماد لهجاتها المحلية. ويعود ذلك إلى أن اعتماد العامية يخرب مستقبل تدريس باقي اللغات، اللهم إذا كان من المقبول تدريس اللغة الفرنسية بالدارجة المغربية. فالأكيد أن درجنة دروس الرياضيات والفنون التشكيلية والعلوم الطبيعية... سيطرح أمام المتعلم صعوبة اكتساب اللغة انطلاقا من منطقها الداخلي. ولعل أهم نتائج لجوء بعض مدرسي اللغة الفرنسية إلى تعريب بعض المصطلحات أو تقديم ملخصات الروايات تتمثل في مساهمته في ضعف استيعاب اللغات. لذلك ف "الدرجنة" وسيلة فعالة قد تقوض الجهود المبذولة في ورش تدريس الامازيغية المتعثر. فتعدد اللسان الامازيغي أو الدارجات الامازيغية المغربية سيصبح هو المعتمد بدل تنزيل مصوغات الامازيغية الموحدة، فتختار كل منطقة تدريس الامازيغية المحلية وليس الامازيغية الوطنية. ولعل خيار اللهجنة المحلية سيؤدي إلى إفشال هذا الورش العمومي. كما أن اعتماد اللهجات في التعليم أداة ستذكي العرقية، وتمزق المجتمع المغربي بإحياء الحنين إلى القبلية خصوصا في جبهات التصادم اللهجاتي. وهنا لا نعني تناطح اللهجات الامزيغية بالعربية، وإنما سيتوسع الصراع خصوصا في أحواض التقاطع اللهجاتي. كما يؤاخذ على المقترح تجاهله كون اللهجات والدارجة المغربية لم تخضع لتجريب قدرتها على الاعتماد في التعليم، خصوصا على مستوى تأهيل الموارد البشرية. فكيف يمكن لمدرس مثلا انتقل من منطقة سوس بعد التدريس باللهجة السوسية إلى الريف دون تكوين وتنبيه إلى بعض المصطلحات التي تستعمل في سوس لمقصد وتستعمل لمقصد غير مقبول في الريف. وقل مثل ذلك عن أستاذ من فاس انتقل إلى سوس. تصور كيف يمكنه أن يتقن التدريس بالدارجة التي ستصبح من حقوق التعليم محليا؟ ومن جهة أخرى نعلم الطفل المغربي يتقن اللهجة، ولا يحتاج إلى تعلمها وأي محاولة من هذا القبيل سيفهم منها أن فضاء المدرسة عبثي، ولا فرق بينه وبين السوق والملعب... وبالتالي الرفع من نسب الأمية والهدر المدرسي. فما يوجه إلى المدرسة من سهام التنقيص ستتزايد حينما يحس الطفل والأسرة أن المرفق العمومي أدنى تنظيما على مستوى اللسان من باقي المرافق. وفي الوقت الذي تحتاج فيه الناشئة إلى اكتساب مبكر للغة تخاطب بها العالم، وتستعملها في استثمار تيكنولوجيات المعلوميات والإعلام، وصنع شخصية منفتحة. لاعتبار اللغة عنصرا أساسيا وقيمة إضافية لا يكتسبها متعلم إلا في المدرسة... فان الإقدام على اعتماد الدارجة سيجعل المتعلم غير قادر على متابعة الإعلام العمومي بالأحرى الاندماج في العالم الرقمي بسلاسة. كما يمكن أن ينتج مقترح عيوش نفسا إقصائيا؛ اذ يصعب مثلا على طفل انتقل من منطقة تدرس بلهجة إلى أخرى تعتمد لهجة أخرى الاندماج، ويقوي انعدام تكافؤ الفرص. بحيث أن المتعلم الذي ألف تلقي العلوم بمصطلحات ومفاهيم اكتسبها من لهجة ما سيجد صعوبات كبرى في تلقي نفس العلوم بلهجة جديدة تستعمل مصطلحات جديدة ومفاهيم جديدة... مما يجعل التدريس باللهجة لا يضمن نفس المسار عند المتعلمين. وفي الختام دعوة عيوش لاستعمال الدارجة ليست سبقا، بقدر ماهي مجرد تجديد التشويش على إرادات الإصلاح وإشغال المعنيين عن القضايا الكفيلة بإخراج التعليم من الأزمة البنيوية. ففي الوقت الذي كان المجتمع العلمي والفكري ينتظر مبادرات هادفة، استفاق على مقترح الدرجنة. وهو في الحقيقة تشويش على مبادرات الإصلاح وتبخيس جهود الأحزاب والجمعيات والحكومة والمجلس الأعلى للتعليم... باحث في العلوم الإنسانية