سجلت الصحافة الالكترونية بالمغرب في السنوات القليلة الماضية تفوقا واضحا على نظيرتها الورقية مما جعل منها البديل المفضل لدى القارئ المغربي، حيث ما زالت الصحافة الورقية تعيش على الدعم العمومي للدولة، وسط ضيق وتحكم السوق الاعلانية، مما يجعل هامش الحرية بها منحصرا جدا بالمقارنة مع الصحافة الالكترونية، وهو ما يفسر نفور القراء منها، إضافة إلى تراجع كبير في عدد مبيعاتها. ويرى مهنيو الصحافة الالكترونية بالمغرب أن تأثيرها الكبير على الرأي العام بات يقلق الدولة، حيث توجه وتؤطر الرأي العام المغربي، خاصة فيما باتت تلعبه المواقع الإلكترونية الخمسة الأكثر تصفحا في المغرب حسب موقع ‘أليكسا' وهي على التوالي: موقع ‘هسبريس′ (الرابع وطنيا)، ‘هبة برس′ (19 وطنيا)، ‘كَود' (30 وطنيا)، الموقع الإخباري الساخر ‘بوزي برس′ (44 وطنيا)، موقع ‘لكم' في نسخته العربية (45 وطنيا). الأمر الذي دفع بالدولة إلى التفكير في إصدار ترسانة قانونية ضمن قانون الصحافة المرتقب، تشدد فيها الخناق على هامش الحرية الذي تتمتع به هذه الصحافة البديلة بالمغرب مع تخصيص دعم خاص بالصحافة الالكترونية كمحاولة للسيطرة على الوضع. وتعرف الصحافة الورقية عدة مشاكل وإكراهات بسبب ارتفاع تكلفة الطبع والتوزيع، مما دفع صحافيين مغاربة بارزين من الصحافة الورقية إلى الرحيل في اتجاه مواقع إخبارية كان آخرها تأسيس الصحافية ماريا مكريم لموقع ‘فبراير.كوم'، وإعلان مدير نشر يومية ‘أخبار اليوم'، توفيق بوعشرين تأسيس موقع إخباري جديد بعنوان ‘اليوم24′. وتشهد الصحافة الورقية بالمغرب موتا بطيئا بسبب الإكراهات المادية، والتي أعلن على إثرها توقف بعض الصحف عن الإصدار، كان أخرها توقف اليومية الفرانكوفونية ‘إكو سوار' في الأسبوع الماضي بسبب مشاكل مالية وشح التمويل، وقبلها، تكرر السيناريو نفسه، مع المجلة الأسبوعية ‘هسبريس′، التي فشلت في الانتقال العكسي من الرقمي إلى الورقي. وتكلف الصحافة الورقية في المغرب سنويا ملايين الدراهم، فبرسم تشرين الأول/أكتوبر 2012، منحت وزارة الاتصال دعما عموميا لفائدة 34 صحيفة ورقية مغربية، ويخص هذا الدعم 40 بالمائة من ثمن الورق بالنسبة لمن سحبه يقل عن 20 ألف نسخة ودعم 30 بالمائة من الورق لمن يتجاوز سحبه 20 ألف نسخة مع احتساب 50 ألف نسخة كحد أقصى ثم دعم 50 بالمائة من تكاليف 6 خطوط هاتفية، بحسب بيان صادر عن وزارة الاتصال. بالمقابل ينحصر سوق القراء المغربي، فالصحف الحزبية التي تعيش على كاهل دعم الدولة وأحزابها، لا تتجاوز معدلات مبيعاتها في السوق تسعة آلاف نسخة، فحسب معلومات للمنظمة الفرنسية لمراقبة البث وتوزيع المطبوعات والإشهار ‘OJD'- فرع المغرب- لسنة 2012، لا يتجاوز عدد مبيعات يومية ‘العلم' الناطقة باسم حزب الاستقلال، 8984 نسخة في اليوم، تليها يومية ‘الإتحاد الاشتراكي' 7797 نسخة، ثم التجديد المقربة من حزب ‘العدالة والتنمية' والتي لا يتجاوز عدد مبيعاتها 2811 نسخة. أما الصحف الورقية المستقلة، فتتصدر يومية ‘المساء' عدد المبيعات الذي حددته المنظمة في 104861 نسخة يوميا. وبرز التأثير القوي للصحافة الالكترونية بالمغرب على الرأي العام على مستوى تفجير مجموعة من القضايا الحساسة وإعلام الرأي العام بها، والتي لم تتناولها الصحافة الورقية التابعة لرقابة مصادر التمويل، وكان آخر تلك القضايا، قضية ‘فضيحة العفو الملكي' على البيدوفيلي الإسباني ‘دانييل كالفان'، وهي القضية، التي واكبتها على مدار الدقيقة الصحافة الالكترونية المغربية، وتابعت تداعياتها، وذهبت بعيدا لحدود توجيه الرأي العام المغربي والإسباني بخصوصها حيث نقلت صحف إسبانية تقارير إخبارية عنها. كما انحصر تعميم خبر وترجمة كتاب ‘الملك المفترس′، في صفحات الصحافة الالكترونية، وهو الكتاب الذي تضمن انتقادات لاذعة للمؤسسة الملكية في المغرب. وصرح عبد الوهاب الرامي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، لموقع ‘لكم'، بأن ‘أهم ما تمتاز به الصحافة الإلكترونية بالمغرب والعالم، هو ارتباطها بتكنولوجيا الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي'، مؤكدا على ‘التحول الجذري' الذي عرفته في المغرب على مستوى الممارسة الإعلامية. وأضاف الخبير الإعلامي بأن ‘الصحافة الإلكترونية بالمغرب والعالم، أصبحت تحتل الصدارة على مستوى التلقي والتصفح، وذلك لوجودها في محيط يؤدي مهمة الإعلام والتواصل والتفاعل والمشاركة في المادة الإعلامية دون حواجز أو ضغوطات، عكس الإعلام الورقي الكلاسيكي'.'وهو الأمر الذي أفضى حسب الرامي، إلى نوع من السبق للصحافة الإلكترونية، إلى جانب مجانيتها وارتباطها بحوامل بديلة سمعية- بصرية. وتحدثت ماريا مكريم، مديرة موقع ‘فبراير.كوم' عن تجربة الانتقال من الصحافة الورقية إلى الالكترونية، التي أكدت بأن مستقبلها بالمغرب يتوقف على رهان الحرفية والمهنية، وضرورة الاستثمار في الصحافيين المهنيين، والأجناس الصحافية الكبرى المهنية، وحينئذ ستصبح الصحافة الإلكترونية في المغرب مؤثرة وصانعة للرأي العام، وفق مكريم. وصرح القائمون على موقع ‘اليوم24′ الذي سيكون الصحيفة الالكترونية لصحيفة اخبار اليوم الورقية أنهم يريدونها ‘أن تكون أختا شقيقة لصحيفة ‘أخبار اليوم' الورقية، بمعنى أن لها نفس خط التحرير، ونفس القيم التي ندافع عنها يوميا منذ سنوات عديدة'. وسرد بوعشرين النهج الذي ستسير عليه جريدته الالكترونية الجديدة، على غرار شقيقتها الكبرى الورقية، ومن ذلك ‘حق المواطن في معرفة ما يجري حوله بدون روتوش ولا مساحيق ولا تلاعب بالحقائق، وحق المواطن في الخبر الصحيح من مصادره، ورأي عقلاني من عمق همومه وانشغالاته'. وأكد مدير الموقع الجديد على أن ‘من حق القارئ أن تكون له خدمة إعلامية لا تبيع الناس الوهم، ولا تقبض ثمنا من أحد مقابل تحويل الإعلام إلى إعلان، والصحافة إلى دعاية'، متمنيا أن يقدم موقع ‘اليوم 24′ قيمة مضافة وسط ‘غابة من المواقع الوطنية والدولية'. ويتضمن الموقع الجديد أخبارا ومواضيع متجددة في مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع والفنون والرياضة والعلوم، إضافة إلى أعمدة الرأي والمقالات التي يتم نشرها في جريدة أخبار اليوم الورقية. وقد أشارت افتتاحية الصحيفة الالكترونية الجديدة، ‘اليوم24′، إلى أن العالم الافتراضي على شبكة النت هو ‘عبارة عن عالم ديمقراطي يتحدث لغة واحدة ويسبح في نهر واحد ويعبر عن أفكاره بلا قيد آو شرط، عالم جعله الولوج السهل إلى المعلومة ديمقراطيا ومتساويا'، إشارة إلى الهامش الواسع من الحرية الذي تستثمره الصحافة الالكترونية، مغرية بذلك الكثير من الصحافيين الورقيين. اقتصاديا، بدأت المواقع الإخبارية تستقطب إعلانات التجارة الإلكتروتية، لا سيما مع تزايد مستخدمي الانترنت في المغرب الذي يتجاوز عددهم 15 مليون مستخدم، وقد وجدت هذه التجارة تفاعلا نسبيا في السنوات الأخيرة رغم الكثير من المعوقات التي تجعل هذا النمو محدودا. فرغم العدد الكبير من المتعاملين بالبطائق البنكية إلا أن هناك استحياء في أرقام المعاملات التي تتم الكترونيا، لتأثر نمو التجارة الالكترونية بعدة عوامل منها ما هو اقتصادي وما هو قانوني، وهذا عائد لحداثة التعامل التجاري الالكتروني في المغرب بالمقارنة مع وجود خدمة الانترنت في المغرب منذ 1995. ومن الملاحظ أيضا أن معاملات هذه التجارة منذ بدايتها في المغرب بلغ 2.5 مليار دولار مقابل أكثر من 11 مليار دولار في مصر، كما يسجل غياب تبني استراتيجية واضحة في هذا المجال. المصدر: القدس العربي