« العقبة عندك ».. « عقبالك ».. « إيوا فوقاش غنفرحوا بحفادنا ؟ » .. « ونتي مازال ماعندكش شي وليدات ؟ » عبارات أسمعها في كل مناسبة وبغير مناسبة.. اعتادت علي ولم أعتد عليها.. لم أكن أعيرها اهتماما في البداية خاصة وأنني لم أكن أشعر حينها بشيء ينقصني أو أحتاج إليه.. ثم بدأ القلق يراودني ويتلمس طريقه إلى قلبي رويدا رويدا ولكنني واصلت تجاهل خوفي ظاهريا ومحاولة تصوير تساؤلات الأهل والصديقات على أنها تسرع واستباق للأحداث وتدخل في خصوصياتي ليس لها مبرر بينما كان عقلي الباطني يعاني من النظرات والتلميحات التي لم تنفك تنهش أحاسيسي وتجرحها بمجرد مرور السنة الثانية على زواجي تطورت الأحداث وصارت نظرات الشفقة التي تلقيها علي أمي وإخوتي جلية بينما تحولت همزات ولمزات زوجي وحماتي إلى أسئلة صريحة واتهامات مباشرة .. الجميع يتعاملون مع الأمر كما لو كان بيدي وكما لو كنت المسؤولة الوحيدة عن تأخر الحمل.. ولم يدر بخلدهم أن زوجي قد يكون له دخل في الموضوع.. ثم أليس الإنجاب أمرا قدريا بيد الله ؟ عاتبتني أمي على عدم عرضي نفسي على طبيبة نسائية ثم طلبت مني حماتي أيضا إجراء كشف.. ولكنني تماطلت.. ولم أخبرهما بأنني جمعت بعض النقود التي أخذتها خفية من المصروف اليومي فلسا فلسا وأنني ذهبت من تلقاء نفسي إلى الطبيب العام مرة أو مرتين بعد تأخر طفيف في ميعاد الدورة الشهرية وفي نفسي رغبة عارمة في أن أسمع كلمة مبروك بمجرد خروجي من حجرة الكشف ولكن الطبيب كان يؤكد لي في كل مرة أنني لست حاملا فأعود إلى المنزل أجر ذيول الخيبة ونفسي مثخنة بالجراح بعد تلك الفترة ولمدة بضعة أشهر, أصبحت أشتري علبتين من اختبار الحمل المنزلي.. أقوم باختبار الكشف الأول في المساء بمجرد شراءه بسبب قلقي ولكن النتيجة كانت تأبى إلا أن تكون سلبية.. فأعزي نفسي وأقنعها بأن السبب يعود إلى كوني أجريت الإختبار في المساء وليس في الصباح كما هو مكتوب على العلبة في الصباح وبمجرد مغادرة زوجي للبيت أدخل إلى الحمام بسرعة كما لو لدغني ثعبان وأجري الإختبار الثاني بتوتر ولكن النتيجة تكون دائما سلبية في نهاية المطاف, مللت من التمني والترجي و التستر على مخاوفي فطلبت من أختي اصطحابي إلى طبيبة نسائية.. أجرت لي الدكتورة فحصا لعنق رحمي ثم كشفت علي بحهاز الصدى ولكن بطني كانت مملوءة بالغاز على مايبدو مما جعل الرؤية تتعذر فطلبت مني إجراء فحص بالأشعة وبعض التحاليل الهرمونية توجهت إلى عيادة لإجراء فحص الأشعة الذي يبين سلامة الرحم وقرني فالوب ولكن المبلغ المطلوب كان كبيرا فعرجت على المستشفى الجامعي حيث منحوني موعدا بعد أسبوعين قمت بإجراء تحاليل الدم ولكن تبين أن كل شيء على مايرام.. فبدأ الأمل يبرق في الأفق.. من يدري ربما زوجي هو من لديه مشاكل ؟ ترى مالذي سأفعله إن كان عقيما ؟ لن أطلب الطلاق بكل تأكيد .. قد نتبنى طفلة أو طفلتين.. لكن مالي وهذه الأفكار السوداوية ؟ سمعت بالعديد من الحالات التي لايشكو فيها الزوجان من أي خلل ولكنهما يتأخران في الإنجاب لعدة سنوات من دون سبب ثم يأتي الفرج نفذ صبري في انتظار يوم الفحص الحاسم ولكن الخوف لفني بسياطه الباردة وأنا أتوجه إلى المستشفى وازدادت حدته بينما كنت في قاعة الإنتظار.. أخبرتني المرأة الجالسة بجانبي أنه فحص صعب ومؤلم فلم يحن دوري حتى كانت أسناني تصطك وجسمي يرتعش استلقيت على طاولة الفحص بعد أن خلعت ملابسي وعضلاتي متشنجة.. وعضضت على نواجدي بينما كانت الطبيبة تدخل أدواتها الباردة والمخيفة في جوفي.. وأحسست بدخول بعض السوائل إلى بطني وببعض الألم في منطقة رحمي ولكن الفحص انتهى بسرعة بدت لي الطبيبة عبر زجاج النافذة وهي تنظر إلى صور أشعتي وتتناقش مع زملاءها ثم وهي تمط شفتيها.. كنت متلهفة لمعرفة النتيجة ومرعوبة في نفس الوقت.. أخبرني الممرض بأنني لن أحصل على النتيجة إلا في الغد لأنه يجب استشارة الأستاذة.. فتوجب علي اختلاق عذر اَخر في اليوم الموالي لكي لايشك زوجي بشيء في الغد.. منحني الممرض النتيجة ولكنه لم يشرحها لي بل طلب مني أخذها إلى طبيبتي المعالجة.. في المنزل بحثت في الإنترنت فاكتشفت بأنني مصابة بتشوه خلقي في الرحم يستحيل معه الحمل.. يارباه إني عاقر ترددت هذه الكلمة طيلة اليوم في رأسي: عاقر .. عاقر .. عاقر.. فاض الحليب وأنا أحرسه.. احترق الطعام في الطنجرة دون أن أشم شيئا.. تملكني شعور بالخيبة والدمار كما لو فقدت شخصا عزيزا للتو.. كما لو أن أنوثتي تصدعت وانهارت للأبد وأنا مستلقية بجانب زوجي في الليل وقد علا صوت شخيره.. أسندت رأسي إلى كتفه كطفلة صغيرة تفتقد للحنان.. ماذا سيفعل لو علم ؟ هل سيتركني ؟ هل سيتزوج علي ؟ الموت أهون بالنسبة لي .. ثم شرعت في تخيل حياتي وأنا بعيدة عنه.. وكيف ستكون عليه أيامي بعدما تبين أنني خربة.. منزل مهجور وأرض جرداء لاتثمر.. فتسابقت الدموع تباعا إلى مقلتي وأصبحت أنهارا جارفة.. فحاولت التماسك وإذا بشهقاتي وزفراتي تتردد في أرجاء الغرفة فنهض زوجي فزعا ولكنني لم أقو على مصارحته فأقنعته بأن الأمر لايعدو عن كونه خوفا من امتحان وشيك واكتئابا مزامنا لدورتي الشهرية.. فحاول التخفيف عني وسرعان ماغط في النوم وهو لايعلم بأنني أحتضر بجانبه في الصباح وقبل ان أفتح عيني أو أدرك من أنا.. اجتاحني إحساس بالمرارة والدونية أصبح ملازما لي منذ ذلك الحين وأنا ارتدي ملابسي للذهاب إلى الكلية .. رمقت بطني المسطحة المنبطحة التي لن تعرف الحياة الطريق إليها يوما وإلى ثدياي الفتيين فبديا لي كحلية مزيفة.. ولم يبرحني إحساس عميق بالحداد طيلة اليوم لم أخبر أحدا بالموضوع ولو حتى أمي فمجرد كشف سري سيعزز من شعوري بالنقص والفراغ وسيضطرني إلى مجابهة أحداث واتخاذ تدابير لست مستعدة لها في نهاية كل شهر, أصبحت أخبر زوجي بأنني لست حاملا ولله الحمد.. وبأنني « لاأرغب بعد في الحصول على مخلوق قد يعطل مسيرتي العلمية ثم العملية خاصة وأننا شابان تزوجا مبكرا وبأن الوقت ليس مناسبا بعد للإنجاب » ثم أحاول عدم الإهتمام بعتابه المتواصل أصبحت أردد تلك العبارة في كل مرة على مسامع الأهل والأصدقاء محاولة رسم ابتسامة باهتة على شفتي بينما قلبي ينفطر وينزف لم أعد أستطيع تحمل بروز بطون النساء الحوامل في الشارع ولا مشيتهن الأشبه بمشية البطريق.. ولا حضور حفلات العقيقة ولاالتطلع إلى اللحظات الحميمية بين الأمهات وأطفالهن تتزوج الواحدة منهن ثم تلد بشكل أتوماتيكي كما تفرخ الأرانب أو كما يدخل الواحد منا إلى المرحاض.. أمقتهن جميعا.. كلهن عاهرات .. أكرهن وأكره نفسي لم أنا الوحيدة التي حرمت من هذه النعمة ؟ .. أي ذنب فعلته لينزل علي هذا العقاب ؟ إنه ظلم .. ظلم لن يدللني زوجي وأنا أتوحم ولن ينصت إلي باهتمام وأنا أحيطه علما بتقارير الأطباء كما لو كانت خبرا عاجلا في الشريط أسفل قناة الجزيرة لن أحس بالحياة وهي تنشؤ في أحشائي شيئا فشيئا حتى يأتي ذلك اليوم التاريخي الذي سأحس فيه بركلات صغيري.. كما لو احتل جسمي من طرف فضائي أو جني صغير لن أعد الأيام في انتظار فحص الإيكوغرافيا لمعرفة جنس جنيني ولن أتجول في الأسواق لابتياع ملابسه الصغيرة التي قد تصلح للدمى وأنا أتساءل إن كان الطبيب قد أخطأ في تحديد الجنس لن أنصهر ألما لعدة ساعات بينما صغيري يشق طريقه إلى الخارج كما لو أردت اختزال كل المعاناة التي قد تواجهه لاحقا في خضم حياته لأجنبه إياها.. ولن أتسلمه بين يدي وهو يحاول التطلع إلى هذا العالم الغريب الذي نزل إليه من جنته وهو ينتفض كهر صغير لاحول له ولاقوة لن أكاغي طفلي يوما.. لن أعبث بقدميه الصغيرتين اللتين بطول أصابعي ولن أقبل باطنهما الناعم بينما يبعدهما عن شفتاي لأنه يحس بالدغدغة.. لن أشم رائحة شعره بعد الحمام ولن يلوذ بصدري بعد موجة من البكاء ليجد فيه الغذاء والأمان بينما ينظر أبوه إلينا وهو يشعر بحنان تشوبه بعض الغيرة صرت أعود إلى المنزل فيبدو لي كئيبا موحشا كما فقدت شهيتي للطعام وللحياة .. حتى ابتياع الأثاث لم يعد يبث الفرح في نفسي.. فقد كنت أحس بأنني إنما أشتريه لضرتي المستقبلية وبأن مقامي في بيتي لن يطول هيمنت علي هذه الأفكار والهواجس واكتسحت عقلي وأصبحت لصيقة بي كظلي .. إلى أن أحسست بالدوار والغثيان في أحد الأيام.. وأصبحت أشم روائح غريبة.. أصبحت أيضا أتوق إلى أكل التراب وشم الصابون البلدي بينما أصبح اللحم يصيبني بالقرف كما لو تعلق الأمر بجيفة .. رباه هل حصلت المعجزة ؟ بعد أيام من ذلك وخاصة مع انتفاخ بطني أخبرت زوجي بأنني حامل وبأنني سأجري اختبار دم كانت النتيجة سلبية طبعا.. صفر فارغ كخواء أحشائي.. كانت أعراض حمل وهمي.. تبا لم يكن يجدر بي توقع نهاية سعيدة يليها غلاف أنيق.. فالحياة ليست رواية عاطفية ( أحداث هذه القصة خيالية)