مديرية الضرائب تفتح شبابيكها نهاية الأسبوع لتمكين الأشخاص الذاتيين المعنيين من التسوية الطوعية لوضعيتهم الجبائية    تساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    رأس السنة الجديدة.. أبناك المغرب تفتح أبوابها استثنائيًا في عطلة نهاية الأسبوع    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    بيت الشعر ينعى الشاعر محمد عنيبة الحمري    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    الفقيه أحمد الريسوني... الهندوسي: عوض التفكير المقاصدي، الرئيس السابق للإصلاح والتوحيد يخترع الخيال العلمي في الفقه!    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصعد رفضها لمشروع قانون الإضراب    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    البطولة الوطنية.. 5 مدربين غادروا فرقهم بعد 15 دورة    مقتل 14 شرطيا في كمين بسوريا نصبته قوات موالية للنظام السابق    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    حملات متواصلة لمحاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون أو "المقنين"    تدابير للإقلاع عن التدخين .. فهم السلوك وبدائل النيكوتين    الحبس موقوف التنفيذ لمحتجين في سلا    وكالة بيت مال القدس واصلت عملها الميداني وأنجزت البرامج والمشاريع الملتزم بها رغم الصعوبات الأمنية    سنة 2024 .. مبادرات متجددة للنهوض بالشأن الثقافي وتكريس الإشعاع الدولي للمملكة    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    "البام" يدعو إلى اجتماع الأغلبية لتباحث الإسراع في تنزيل خلاصات جلسة العمل حول مراجعة مدونة الأسرة    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمهات عازبات يقدمن شهادات شجاعة عن الجرح والأهل والأبناء!
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 08 - 2014

لكي يقل عدد الأطفال التعساء، انخرطت جمعية التضامن النسوي، منذ تأسيسها سنة 1985، في مصاحبة الأمهات في وضعية صعبة، لا سيما الأمهات العازبات.
لكي يقل عدد الأطفال التعساء، قدمت السيدة عائشة الشنا شهادتها، عبر » ميزيريا « سنة 1996، لكي تكون الناطق الرسمي باسم من لا صوت لهم: خادمات صغيرات، ضحايا العنف، أطفال الشارع، أطفال متخلى عنهم، أطفال يعانون معاملة سيئة، أمهات وحيدات تتحملن مسؤولية أطفال... لكي يكون عدد الأطفال التعساء أقل، رافقت الجمعية مئات الأمهات العازبات في درب الاستقلالية والتعبير عن الذات.
لكي يكون هناك إصغاء متفهم، دعم وحقوق ممنوحة للأمهات العازبات لكي تنعمن بحياة كريمة كنساء وكأمهات، خاضت جمعية التضامن النسوي معركتها.
ولكي يكف، أخيرا، الحمل غير المرغوب فيه أو العرضي ويختفي، تقدم هؤلاء » الأمهات الشجاعات « شهاداتهن، ولو أن ذلك يعني بالنسبة لهن إلقاء كلمات على جراحهن. إنهن تُدن طفولتهن المغتصبة وتعبرن عن شعورهن بالظلم كلما أثار فيهن المجتمع الإحساس بأنه غير مرعوب فيهن. تعود بعضهن إلى محراب المعرفة، تواصلن الدراسة كما لو أنهن تبحثن عن أجوبة لأسئلة وجودية حول القيم الإنسانية والكونية التي شهدن انهيارها. قويات بالحب اللا مشروط لأبناهن، تتمردن رافعات شعار المطالبة باحترام حقوقهن وحقوق أطفالهن. وهن تمثلن، بالنسبة لهؤلاء الأطفال، قوة الترجي وتجسدن على نحو مفارق رمزية » الرجل الحديدي « المنعدم في وجودهن.
تكريما لإصرار وقوة هؤلاء النساء، تضع جمعية التضامن النسوي رهن إشارتهن إمكانية التعبير هاته: علهن تحركن القلوب والضمائر.
إيطو: المنصفة أو إرهاب لا اسم له
في الأربعين من عمرها. من أوائل المستفيدات من جمعية التضامن النسوي، التي غادرتها حين بلغ عمر ابنتها سبع سنوات ونصف السنة؛ عمر الفتاة اليوم عشرين سنة وهي تعيش رفقة أمها بالمركز الاجتماعي في العنق.
اعذريني لأنني استقبلتك هنا، أعرف أن المكان مقزز. إنهم يسمونه المركز الاجتماعي للعنق، ومن المرجح أن التسمية ترجع لحكايته، فقد كانوا يحبسون فيه المختلين عقليا. ولا يزال، حتى يومنا هذا، ممتلئا بالحمقى، إلا أنهم من نوعية أخرى. فهم أحرار، ولو أن بعضهم من الحمقى المفروض ربطهم. إننا نتساءل، حين نعيش هنا، كيف يمكننا الحفاظ على صوابنا. إننا نختنق، فالبؤس تنبعث منه رائحة كريهة وهو يصيب بالحمق. تجري هنا أمور غريبة وعبثية. يقول الناس بأنني أبالغ، لكن حين تعود فتيات في الثانية أو الرابعة عشرة على الساعة السادسة صباحا من عين الذئاب، بعد ممارسة الدعارة طوال الليل، بينما الأولياء نيام أو يتظاهرون بالنوم، فإني أقول: هذا غير عادي ! حين تحبلن بالقوة، تتخلين عن الرضيع أو تبعنه لأول وافد مقابل 300 درهم لا غير في بعض الأحيان، فإني أصرخ وأقول بأنه ينبغي سجنهن ! أحيانا تختفي الفتيات لفترة، فترة إفراغ البطن. ثم تعدن كما لو أن شيئا لم يقع » لا عين شافت لا قلب وجع «. ماذا عسانا نقول؟ الناس يغمضون عيونهم، لأن ذلك لا يهم. إنهم لا يُبالون. من الأحسن أن تفرخ الفتيات في مكان آخر، فذلك يجنبهن إطعام شقي آخر. على الدولة أن تنظم حملات تلقيح في الأحياء السيئة السمعة لمنع الشابات من الحمل كيفما اتفق ! ينبغي جعلهن عاقرات. هناك أيضا من يقايضون أخواتهم، قوادون حقيقيون، بلا أخلاق ولا إيمان ! هناك أشخاص يجرون تسويات فيما بينهم، إذا لاءمهم ذلك، حيث يزوج بعضهم أخته لصديق. إنهم يتبادلون الخدمات مقابل عمليات مربحة. اللعنة عليهم ! أقول إنه لم يعد هناك رجال في البلاد، إنهم مجرد قبرات سمينة، أشخاص قذرون لا يقومون بأي عمل طوال النهار، يفضلون المال السهل. أما العمل والكد، فليسا شأنهم. إنهم عديمو الإرادة والضمير، يستغلون الفرص للابتزاز والسرقة بكل أشكالها. أنا نفسي لا أنجو من سرقتهم. هل تتصورين ذلك؟ إذا نسيت شيئا على حبل الغسيل، أو لم أحكم إغلاق الباب. لا يهم من تكونين، إنها غابة. قلوبهم من حجر، إنهم حيوانات، ليسوا بشرا، حيوانات مفترسة ! أترين ذلك أمرا عاديا؟ المؤكد أنه لم يعد مركزا استشفائيا، بل نقطة استدلال المعتوهين، اللصوص ومدمني المخدرات. لكنني لا أستسلم. لقد تعلمت كيف أكون قوية، بل ساقطة ومتوحشة مثلهم. وإذا تجاوزوا الحدود، فإنني أرفع شكاية إلى الشرطة. أفعل ذلك لأجل ابنتي بوجه خاص. حين تكونين امرأة وحيدة ومعك فتاة، ينبغي أن تكوني قوية وأن تفرضي نفسك. وإلا سحقوك.
سواء كان الأمر عاديا أو لا، فأنا لا أسكت. إن الوضع أقوى مني، إنني أرد بسرعة كلما لاحظت ظلما أو خطأ. حين أرى آباء يعرفون جيدا ما يفعله أبناؤهم يوميا ويصمتون، يتظاهرون بأنهم لا يعرفون، فإنني أصرخ. كذلك تصرفت مع جارتي التي تقضي وقتها في التفريخ مثل أرنب. علما بأنها غير متزوحة. ولا يمنعها ذلك من الحمل مع كل من هب ودب. ترى أن الصغار هم رأسمالها. إنها تستغلهم في تسول السعوديين أمام المسجد على الشاطئ. إنها تلجأ إلى حيل لا تصدق مع الأطفال، بمختلف أعمارهم؛ فهي تبكي وتقول بأن زوجها مريض، وبأنها هي التي تؤمن حاجيات الأسرة، كما أن عليها شراء الأدوية لزوجها المسكين الذي يحتضر. هناك عدد كبير من أمثالها. إلا أنني شكوت الجارة » ب « إلى إمام المسجد. الأطفال يكبرون، فماذا ستفعل بهم عندها، حين يصبح استغلالهم في التسول مستحيلا؟ أجل، زرت الإمام لعلمي أنه كان يحميها من دوريات البوليس. كان يعطف عليها، ويأذن لها بالتسول أمام المسجد. لقد سرني ما فعلت، قلت له بأن تلك القذرة عديمة الذمة ولا تكف على الكذب، أمام بيت الله. استقصى الإمام من الحارس وطردها. كان علي، طبعا، أن أواجه تبعات تصرفي بعد ذلك. ارتمت علي » ب « وأخرجت كل أظافرها، شدتني من شعري ورماني ابنها البكر بالحجارة. ما جعل الدماء تغطي وجهي. إلا أن ذلك لم يكن خطيرا، بما أنها كفت عن التفريخ. ذلك أفضل، فقد حققت مكسبا على الأقل لصالح أبنائها المساكين. يا له من بؤس، أطفال لم يحظوا بأية تربية، كل واحد من أب، وأي نوع من الآباء؟ علم ذلك عندي الرب ! في جميع الأحوال، فابنها » م «، الذي ضربني يومها على رأسي، يشكرني اليوم لأنني أوقفت الخسارات. إنه يحترمني ويحميني كلما احتجت حمايته.
ابنتي ملاك، في ربيعها العشرين اليوم. مضت عشرون سنة على حدوث المشكل الذي قلب سير حياتي. كنت أعيش آنذاك ببيت والدي في حي جوته، بالقرب من شارع الزرقطوني. كان الحي جذابا، يعمره اليهود و الفرنسيون وكنا نتحدث الفرنسية كثيرا. كنت أعيش مع أبي وزوجته. أما أمي، فماتت رحمها الله وعمري سنتين. كانت في الثامنة عشرة حين طرأ المشكل. نزفت بشكل غير عادي. لم يكونوا يلقنوننا أي شيء عن الجسد، عن الحيض في طفولتي. كان ذلك » حشومة «. لذلك سألت زوجة أبي: » ما هذه الدماء التي تسيل مني؟ «، » إنك تكبرين «، ردت علي. » ولماذا ينتفخ بطني؟ «، قالت: » لأنك أكلت الكثير من الخبز «.
لقد علمت بالأمر، وأخفته. كان بإمكانها مساعدتي، لتجنب الفضيحة، لو شاءت. إننا لا نفهم أي شيء، إذا كنا لا نغادر البيت. كنت أفقد رشدي كلما ازداد بطني انتفاخا. من فعل هذا؟ لا زلت أتساءل حتى يومنا هذا. كل شيء » مكتوب «. إلا أنه من الصعب أن نتقبل ذلك، فيزداد إحساسنا بالوحدة.
لحسن حظي أن جارة لنا، السعدية، أشفقت علي. هي التي أخذتني إلى جمعية » أرض الرجال « - مؤسسة سويسرية. هناك وضعت ابنتي. وهناك أيضا اكتشفت عالما من المتخلى عنهم ليواجهوا مصيرهم لوحدهم. أناس فقراء مثلي، ضحايا هذا العالم البشع. لكل واحد حكايته. كانت هناك أمهات تروين حكاياتهن، أما أنا فكنت ألتزم الصمت. لم أكن أعرف حكايتي. أخذوني إلى دار الأيتام لالة حسناء، حيث كان لي الحق في غرفة أنا وابنتي. كنت منغلقة على نفسي وقتها، كنت لا أزال تحت تأثير صدمة ما مررت منه. خلال أحد الأيام، زارتنا الأميرة لالة عائشة بدار الأيتام. أحبت صغيرتي ورغبت في تبنيها. إلا أنني عارضت بقوة. لم تصر... أتساءل أحيانا إذا كنت أحسنت الصنع. كان علي أن أترك ابنتي ترحل رفقة تلك السيدة، كانت ستعيش حياة الأمراء؛ من المرجح أن حياتها ستكون أفضل من الحياة التي قضتها معي. أغضب من نفسي أحيانا لأنني لم أقبل. إنها ابنتي، تقدرين ذلك؟ وأنا أمها. إلا أنها قضية تخطر ببالي كثيرا؛ إلى جانب قضايا أخرى، تسبب لي أحيانا ضجيجا يشوش علي وأشعر بالانغلاق، في أعماقي.
في » أرض الرجال « ساعدني كثيرا رجل طيب، سويسري. كان طيبا معي. لم أتعود أن يعاملني الناس بطيبوبة. يشعرني ذلك بالارتياح، أجد اهتمام الناس بفتاة مثلي رائعا. ذلك الشخص هو الذي ساعدني في إيجاد سكن، وبفضل أحد منتخبي المدينة كذلك. تمكنت من السكن مجانيا في المركز الاجتماعي » العنق «. ولا زلت أقيم به. كان آنذاك، وكما سبق لي القول، مكانا سيء السمعة، يمنع دخوله على غير المقيمين به. كانوا يقتادون إليه مهمشي المجمع: عاهرات، عجزة، منحرفين من كل الأشكال وكذلك مختلين عقليا. تصوري معي هول المكان ! كان يتتبعنا طبيب نفساني، الدكتور مامون، وهو سيد عظيم. هو الذي وصف لي أدوية جعلتني أسترجع توازني. كنت توقفت على إرضاع الصغيرة. ينبغي القول إنني كنت في حالة سيئة، كنت منهكة. أكون بالمكان دون أن أكون به، أكون غائبة. أكون في مكان آخر. أين؟ لا علم لي. كنت كإنسان آلي. أحمل ابنتي على ظهري طوال النهار. تملكني وسواس أن يقترب منها الناس. لم أكن أطيق أن يلمسها أي كان. كانت تحدث أشياء كثيرة في هذا المكان. كانوا يحكون لي، أحيانا، أن طفلا من الأطفال تعرض للاغتصاب. كنت أسمع بكاء الأطفال، ولم أكن أطيق ذلك. ظللت بالعنق مدة سنتين؛ إلى أن جاءت الحاجة، عائشة الشنا، لزيارتي بالمركز. كانت ترافقها سيدة أخرى عظيمة » م ج «. أخذتاني معهما إلى عين السبع، إلى مقر جمعيتهما. التقيت هناك عددا من الفتيات مثلي، أمهات عازبات. ساعدني ذلك كثيرا، من البلاهة أن أتكلم هكذا، لكنه جعل إحساسي بالوحدة يقل وساعدني على تقبل وضعيتي. أخذت أشعر بالارتياح، وأخذ شجاري مع نفسي يقل. كما أن المسؤولين كانوا طيبين. إن الطيبوبة تخدمنا إذا كنا تعساء. كما لو أن إنسانا يمرر مرهما مزيلا للندوب على جراحنا. السيدة » م ج «، مثلا، كانت تنفق كل أموالها على الفتيات. كانت تلبس بالطريقة نفسها دائما وتقول بأنها تفضل الإنفاق على منهن أكثر احتياجا. لا زلت أحتفظ بالغطاء الذي أهدته لي ذات مرة. تعالي معي، سأريك هؤلاء الأشخاص كلهم. لدي صورهم. أحملها داخل قلبي، أرغب في مشاهدتها بين الفينة والأخرى. ? أخرجت لوحا خشبيا قديما، جمعت عليه صورا عديدة، يكاد معظمها يكون غير مرئي . أنظري كم هم جميلون !
عملت بمقر الجمعية كمساعدة في المطبخ، وبفضل أولئك الناس تمكنت من اكتراء غرفة، بالقرب من المركز، مقابل 700 درهم شهريا، وتسجيل ملاك في المدرسة. ظللت بعين السبع قرابة خمس سنوات. وبفضل أعضاء الجمعية كلهم أعدت بناء نفسي شيئا فشيئا. يمكن القول بأنني لملمتني، لأنني كنت محطمة كلية من قبل. حين أصبح عمر ملاك سبع سنوات ونصف السنة، رحلت. علينا أن نعرف متى نغادر، لترك مكاننا لشخص آخر. فهناك فتيات أخريات تفدن، كل واحدة محملة بأحزانها. عدت إلى هنا، إلى مركز العنق.
أعرف أنني سيئة الطبع. ثم أنني أعيش هوسا مزعجا، يتمثل في رغبة التدخل في كل شيء. ليست هناك حكاية الجارة فقط. إنني أشتغل حاليا في « سييتا «. وهي شركة مكلفة بتنظيف المدينة، بالكنس وجمع الزبالة. أعمل في الشركة كسائقة لشاحنة. وأنا سعيدة لذلك، فهو عمل قار ومصرح به. وجمعية التضامن النسوي هي التي تفاوضت لصالح فتياتها. إلا أن الفتيات مضربات في الوقت الحالي: لهن مطالب كثيرة. إنهن بصدد تقويض كل شيء، لأن بإمكان « سييتا « أن تتوقف عن تشغيل فتيات الجمعية. وأنا أرى أن تصرفهن هذا غير مسؤول. إنه عدم اعتراف بكل ما تحقق لهن. إضافة إلى أنهن في حالة احتجاج دائم: « على الجمعية أن تواصل الاهتمام بنا ، ... «. أقول لهن بأن ذلك غير صحيح، علينا أن نتعلم كيف نكبر، فالجمعية موجودة لجعلنا نقف على أرجلنا، لتعليمنا المشي. وعلينا أن نرسم طريقنا بعد ذلك.
يحدث لي أحيانا أن أضيع البوصلة، أن لا أميز بين الخير والشر، بين الحلال والحرام. أطرح على نفسي أسئلة كثيرة. أحاول الفهم، مثلا: حين تقضي أم صبيحتها في النوم وتأخذ المال من ابنتها التي لم تعد إلا صباحا من عين الذئاب. أليس على هذه الأم أن توبخ الرجل المتمدد بجانبها والذي لا يبذل أي جهد لكسب المال؟ أليس عليها هي نفسها أن تتدبر أمرها، أن تنظف البيوت أو شيئا آخر؟ صحيح أنه ليس سهلا أن نوفر متطلبات حياتنا. وليس سارا كذلك. علينا أن نعرق كثيرا وأن نتقبل الإهانة أحيانا. إلا أن المؤكد هو أنه ليس الأطفال من ينبغي أن يكسب المال. ذلك ما أومن به على الأقل. لكنني، حين أرى أولياء هؤلاء الصغار يصلون، يذكرون الله في أحاديثهم، يتكلمون كما لو كانوا عاقلين، أقول لنفسي بأنني المخطئة. قد يكون مفهوم الخير والشر نسبيا. ربما يتقبل الله أمورا أكثر من البؤساء. ذات صباح، حوالي السادسة، توقيت خروجي إلى العمل، رأيت صغيرتين، أختين عمرهما ما بين العاشرة والثانية عشرة، تعودان إلى بيتهما وهما تحدثان جلبة. اقترحت الأصغر على أختها اقتطاع 20 درهما من مداخيل الليلة لفائدتهما، « لاقتناء مصاصات من محل البقالة «. هزني ذلك. ما ذا أفعل، فذلك يجعل قلبي ينفطر، وهذا فقط يدفعني إلى القول بأنه أمر سيء.
مرة أخرى، شكوت أما إلى مدير دار للأيتام كانت تأوي ابنتيها خلال النهار بشكل مؤقت. جاءت إلي إحدى الصغيرتين، ولم تتجاوز بعد ربيعها الثاني عشر، لتقول لي بأنها خائفة، لأن بعض أطفال الشارع كانوا يلامسونها، خلال الليالي الأخيرة، ويسمعونها كلاما بذيئا. حاولت الصبية الانتحار بابتلاع أقراص وجدتها في البيت. حاولت إنقاذها وطلبت من المدير الاحتفاظ بالصغيرتين في دار الأيتام. إلا أن الأم استردتهما في النهاية. أحاول الإدانة وتقديم المساعدة. إلا أن ما يحدث كثير. كثير ومتواصل. أتأسى لهؤلاء الصغار. أرى أنه ينبغي مساعدتهم، فقد عانيت كثيرا في صغري. عانيت من الخوف، من الحرمات، من عدم وجود شخص أتحدث إليه، أذن نبيهة وطيبة. أبي وزوجته؟ لم أعد أرهما. لو كانا طيبين، لما كنت هنا.
حين لا يتحمل دماغي ويسبب لي صداعا قويا، إلى درجة أنني لا أسمع أي شيء، فإنني أتجه إلى « الجناح 36 « بمستشفى ابن رشد. الجناح المخصص للحمقى. لرغبتي الشديدة في الفهم، لكثرة التفكير، أشعر بصداع حاد في الدماغ. أطلب التحدث إلى الطبيب. وبما أن الطبيبة النفسانية تعرفني، فهي تستمع إلي بهدوء. صحيح أنها لا تملك عصى سحرية لتغيير مصيري، إلا أنني أشعر بالسكينة بعد الخروج من عندها.
إن الناس هنا لا يربون أبناءهم، ولا يسمحون لك بتربيتهم. لذلك أحمي ابنتي كثيرا. أفعل ما في وسعي لتظل في منأى عن المعاشرات السيئة. إنهم يغارون منا هنا، لأن ابنتي حصلت في دراستها على مستوى الباكالوريا، ولم تنجح في اجتيازها. لاحظت أنها أصبحت تعاشر صديقات مشبوهات. وذلل طبيعي، بما أنها في سن المراهقة. إنها مرحلة صعبة. لذلك خفت عليها. لم أرغب في أن تظل على صلة بأولئك الفتيات. ففضلت إخراجها من الثانوية. كانت تطمح إلى أن تصير مضيفة طيران، إلا أن تكاليف الدراسية مرتفعة. سجلتها، في النهاية، في مدرسة للممرضات. تكلفني دراستها 1000 درهم شهريا، إلا أنني أتقشف. وتتطلب الدراسة سنتين. كما نجحت ملاك في الحصول على ديبلوم في إتقان اللغة الانجليزية. أفعل كل ما وسعي لأجلها. ليس ذلك سهلا بالفعل. لكنها ابنتي، وعلي أن أفعل أقصى ما يمكنني فعله. ما يمكنني فعله على الأقل. وحين تحصل على عمل، سنبحث لنا معا على سكن ملائم.
بفضل الجمعية ذهبت وملاك إلى قطر. الحاجة، عائشة الشنا، هي التي بعثتنا. كان عمر ملاك أربع عشرة سنة. وقد تكفلت الجمعية بكل شيء: الجواز، التأشيرة، التذكرة. ذهبنا بمناسبة « عيد اليتيم «، الذي يُحتفل به سنويا في قطر، خلال الأسبوع الأول من شهر مارس. استغرقت الرحلة يوما بكامله. انطلقنا صباحا ولم نصل إلا ليلا. وجدنا أناسا في استقبالنا، أنا وابنتي، في المطار على متن سيارة جميلة وأخذونا إلى فندقنا. كانت مغامرة ساحرة بالفعل. تصوري فندقا من خمس نجوم كل شيء فيه يلمع. سلمونا بطاقات، كل واحدة منها تصلح لشيء معين. كانت غرفتنا فاخرة. أتذكر أن غطاء السرير كان ناعما ما يجعلنا نرغب في قضاء النهار مدثرات فيه. كنا نعتقد أننا في مسبح من ريش. كان لدينا « جاكوزي « في الحمام. كم ضحكت وملاك. كنا نأخذ حمامنا بالتناوب، ولم نكن نرغب في المغادرة. أما التغذية، فكانت مأدبة حقيقية. موائد ممتلئة عن آخرها بألذ المأكولات. فالمنظمون، رفقة قناة تلفزية معروفة، حرصوا على تنظيم حفل ضخم لكل الضيوف الوافدين من مختلف البلدان العربية. كان سفرا أسطوريا، خلف لدينا ذكريات جميلة، نود تذكرها باستمرار مع « م «، هدية جميلة أهدتنا إياها الحياة. شكرا الحاجة.
أشتغل في « سييتا « منذ خمس سنوات. بعد مغادرتي الجمعية، زاولت بعض المهن البسيطة، كالخدمة في البيوت وإعداد الحلويات والعمل في مصنع. كان ذلك ضروريا لاكتساب بعض المال. كان الأمر شاقا على مدى سبع سنوات تقريبا. لحسن الحظ أن لي اليوم، كما سبق لي القول، عملا قارا. أقود شاحنة لجمع الزبالة. لدي مدار خاص بي. حصلت على رخصة السياقة حين كنت أقيم بحينا. تقدم الكثيرون للامتحان، فمنحوني الرخصة. أنا أول امرأة تزاول هذه المهنة، « سائقة شاحنة «.
كان من الصعب في البداية أن يتقبلني الناس كامرأة، لا سيما في ميدان مخصص للرجال، وقد تحقق لي ذلك بفضل إصراري وبذلي مجهودا كبيرا. كاد ذلك يخلق لي بعض المشاكل، لأن الرجال كانوا يعتقدون أنني أسعى إلى منافستهم لكي يتم طردهم. حين فهمت ذلك، تداركت نفسي بسرعة، وتدبرت الأمر لكي أقدم لهم خدمات كثيرة، حتى يكون لي مكان بينهم وأجعلهم يتقبلونني. فبالإضافة إلى عملي، كنت أتطوع لتنظيف الحمامات والمراحيض الموجودة في مقر العمل. كنت أفحص ماء الشاحنات الأخرى وزيتها، أطبخ، أعد الشاي. لذلك، فهم يحيطونني بالتقدير والاحترام. ينبغي القول بأنني احترمت نفسي أولا، وذلك ما جعل الآخرين يحترمونني. لم يسبق لي، مثلا، أن أخذت حماما بمقر العمل. ففي المكان حيث نودع العربات، كانت لنا حمامات للاغتسال آخر النهار. إلا أنني حرمت نفسي من ذلك. ويعلم الله كم كانت رغبتي قوية في الاغتسال، لأنه لا وجود لحمام في محل إقامتي، إضافة إلى أن الماء كان دافئا. إلا أن امرأة تستحم، حتى لو ابتعد الرجال، تثير الأقاويل حولها. لقد فضلت التكتم وعدم إثارة الانتباه، لا سيما وأنني كنت المرأة الوحيدة طيلة مدة. لم أخبر أحدا، بالطبع، أنني أم عازب. يعلمون أن لي بنتا، إلا أنهم يعتقدون أنني مطلقة. وذلك أفضل.
سألتني ملاك عن والدها طبعا. وحكيت لها كل شيء. قلت لها بوجه خاص أنني كنت ضحية بريئة، وأن الحقيقة ستظهر يوم الحساب. يجب أن تكون لها صورة جيدة عني. لا بد أن يكون الاحترام متبادلا بيننا.
حين سئمت أن أتعرض للسرقة، رفعت شكاية إلى الشرطة. ماذا قالوا لي هناك؟ زوجي هو الذي يقف وراء كل مشاكلي. ما جعلني أصاب بالحمق مرة أخرى. صرخت وأنا أقول لهم بأنني عازب وبأنه لن يكون لي زوج أبدا. لم يصدقوني. علما بأنهم كانوا يعرفونني، فلم تكن تلك زيارتي الأولى لمركزهم الكريه. لا بأس، ذهبت إلى الرباط عدة مرات، صرفت مبلغا من المال، للحصول على وثيقة تثبت أنني غير متزوجة. وحين عدت إلى المحكمة لتتبع قضية السرقة، علمت بالصدفة أنهم وضعوا ملفي جانبا، وضعوه في الأرشيف دون إجراء أي تحقيق، أو توجيه أي استدعاء. لماذا؟ ما هذا الذي يحدث لي؟ هناك شيء ما يطاردوني ولا أعرف ما هو. إلا أن أمرا غير مفهوم يحدث لي بانتظام. هذا هو الإرهاب في اعتقادي: حين تنفجر في وجهك قنبلة ولا تعرف مصدرها. إنه العنف المجاني، الصادر عن شخص يريد أن يلحق بك ضررا. إن الشرطة تحارب الإرهاب وهي تعتقد أن مصدره جماعات منظمة. إنها لا تحارب الإرهاب اليومي الذي يكون المواطنون ضحاياه. لا سيما سكان أحياء البؤس الذين يعيشون في مناخ لا أخلاق له ولا إيمان. هناك أيضا الفقر الفكري، الغيرة، الحقد ما يجعل الإنسان عنيفا رغم عدم عوزه المادي.
لن أغفر لأبي أبدا، و لزوجته. لكل من شارك في هذه الجريمة التي دمرت شبابي وجعلت ابنتي في ورطة. لحسن الحظ أن الله كان بجانبي. لولاه، لكان من المرجح أن أكون أنا أيضا بين الحمقى وابنتي في دار للأيتام، في أحسن الأحوال. لا أستطيع النسيان. وأتساءل كيف تتصرف النساء اللواتي تنجبن الطفل بعد الطفل؟ كيف تستطعن النوم؟ لا حظي معي، فهن اللواتي ترغبن في ذلك. والدليل أنهن تواصلن الإنجاب. أما أنا، فلم أرغب في ذلك. وأنا أدفع الثمن يوميا. والدليل أن ابنتي، المسكينة، قضت طفولتها الأولى بين الحمقى. تغذت من الماضي، من تلك الحكاية المحزنة، من معاناتي، من حمقي. كبرت وكبر معها كل ذلك. ما الذي فعلته ليكون لي هكذا مصير؟ علم ذلك عند الرب.
لا يزال صراخ أطفال ذلك المركز، حيث قضيت سنتين من حياتي، يرن في دماغي. الصراخ والأكل الرديء نفسه كل يوم: عدس، « بيصارة « للغذاء، و « حريرة « للعشاء. يوما بعد يوم. المعاناة حاضرة. حاضرة على الدوام. فبمجرد أن أحكي، ينبعث كل شيء من جديد. أشعر بوجود الظلم في كل أحشائي. أشعر ب « الحكَرة «. كان الله بجانبي. أما عباده، فلا.
ملاك: والدتي.. » الرجل الحديدي «
عشرون سنة. إبنة إيطو.
يلقبون والدتي » الرجل الحديدي «. خالي هو الذي أطلق عليها اللقب. إنه لقب غريب. أليس كذلك؟ ينبغي أن نعاشرها لكي نفهم. يردد خالي دائما بأنها سيدة رائعة. يقول، هو الذي له أربع بنات ويقيم بقرية هادئة في مراكش، إنه يجد صعوبة كبيرة في توفير متطلبات الحياة. أما هي التي تعيش وحيدة، وهي أم عازبة زيادة على ذلك، في غابة اسمها الدار البيضاء، فهي إنجاز كبير في اعتقاده.
الكل يحترم أمي في عملها. ينبغي القول بأنها اختارت عملا كان حصرا على الرجال: سائقة شاحنة لجمع الزبالة. هي أول سيدة تشغل هذا المنصب. امرأة في وسط كان مخصصا للرجال حصريا ! لم تكن معركتها مربوحة قبليا، فقد واجهت نظرات الساخرين، ازدراءهم وكلماتهم الفظة. كان الرجال الذين يرافقونها في جمع الزبالة، يتفقون لعدم القيام بعملهم كما ينبغي، وكانت هي التي تتلقى توبيخ رئيسها في النهاية. لقد قاومت على مدى سنوات لتحقيق مكانتها: لا عطل، الصمود، عدم الشكوى، عدم التدخل في أي شيء و، بوجه خاص، عدم التسبب في أي مشكل. وكان عليها، في الوقت نفسه، أن تكون عطوفة، أن تقدم يد المساعدة للجميع، أن تُعد الشاي في أوقات الاستراحة، أن تعوض المتغيبين في أعمالهم القذرة. أعرف الكثير عن عملها. كنت أراها وهي تهزل، ووجهها يزداد تعاسة. الجميع يحترمونها اليوم وزملاؤها في العمل يعتبرونها » رفيقا «. خلال هذه السنة فقط، بعد خمس سنوات من العمل الشاق، تم ترسيمها. لذلك، فهي تشعر اليوم بالأمان والارتياح أكثر. وذلك أفضل لنا جميعا.
خلال هذه السنة، يوم 8 مارس، كرمتها إحدى الجمعيات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. لقد تم تتويج عدة نساء تزاولن أعمالا رجولية: سائقة سيارة أجرة، سائقة حافلة، حارسة سيارات وأمي. وقد تحدثت كل واحدة من هؤلاء النسوة عن الصعوبات التي واجهتها في مشوارها؛ كانت شهادات مؤثرة وكنت أشعر بالفخر وبالانقباض في نفس الوقت. كانت حياة أمي قاسية وقدمت تضحيات كثيرة... لأجلي.
أنا ممتنة لها، لكل ما فعلته من أجلي. كانت حاضرة، منذ ولادتي، يقظة للسهر علي. أعرف جيدا أنها كانت ضحية المجتمع، أنها تحملت الكثير، من أجلي. و عمري اليوم هو، بالفعل، نفس عمرها حين أنجبتني. كانت في العشرين وهي تحبل بي. نكون شابات في العشرين ولا نعرف الشيء الكثير عن الحياة. نكون سريعات العطب، والحادث يقع بسرعة في هذه السن. أجل، يمكن أن يحدث أي شيء في هذه السن، وأنا لا أحاكم أمي.
بالطبع، أنا على علم بحكايتي، ومنذ ولادتي. لم تخف عني أمي أي شيء. ثم إني كبرت بداخل الجمعية التي تأوي العديد من الأمهات العازبات، وكنا جميعنا نتقاسم نفس المعيش. بالنسبة لي، كانت أمي حاضرة وهذا هو الأساسي. فكرت أحيانا في أن أطرح عليها بعض الأسئلة؛ لكن، بما أنني رأيتها تعاني وتبكي في العديد من المناسبات، لم أتجرأ حتى لا أضيف جراحا أخرى إلى جراحها. كانت تخاف، في بعض اللحظات، أن أنتقدها وتشرع في التلفظ بسيل لا يتوقف من الكلمات وهي تصرح أنها ضحت من أجلي، أنه كان بالإمكان أن تكون لها حياة أفضل، إلخ. المسكينة، خاضت التحدي لوحدها بعد ولادتي. قطعت علاقتها بوالدها بشكل نهائي. أما أمها، فماتت وهي لا تزال بعد صغيرة. لم تجد من يدافع عنها في مواجهة والدها، ولم يتحمل هو الحكاية. لم تره طيلة عشرين سنة، رغم معرفتها أين يمكن أن تجده. يا لها من مأساة !
بعد ولادتي، قضت في السجن 48 ساعة، مباشرة بعد مغادرتها المستشفى: اتهموها بالدعارة. بعد خروجها من السجن، اختفت لبضعة أيام عند أختها في مدينة العيون، بعيدا عن الدار البيضاء بحوالي 1200 كلم. كان لا بد لها من الابتعاد، علهم ينسونها. من المؤكد أن المسكينة مرت بأوقات عصيبة. كيف لا أتأسى لها و أنا أفكر في كل هذا. هي التي تخاف أن أحاكمها... لم يخطر ببالي أبدا أن أوبخها.
وددت لو كنت طفلة ككل أطفال العالم. حاولت كثيرا نسيان الحكاية، إلا أن أمورا كثيرة كانت تجعلها حاضرة باستمرار. حين يسألونني عن أصلي مثلا: أجبت دائما أنني أمازيغية وكنت أصرح أن أمي هي أيضا كذلك. إلا أن البعض كان يستبسل ويقول بأن الأصل يرجع إلى الأب. أقول، أحيانا، إنه مات... وذلك صحيح في اعتقادي. فهذا الأب ميت، بالنسبة لي، حتى لو كان موجودا. فالتخلي عن طفل، عدم الاعتراف به، معناه الموت في نظر ذلك الطفل. أليس ذلك صحيحا؟ الإنسان ميت إذا كان بلا قلب. على الأب أن يظل مع أبنائه ولو قضوا جميعهم جوعا؛ عليه أن يكون رجلا على الأقل !
تصوري أن ألتقي أخي ذات يوم، أن أربط معه علاقة من غير أن أعرف من يكون. سأجدني، عندها، على علاقة بمحرم دون مشيئتي! لا أريد معرفة من يكون ذلك الأب. لا أريد رؤيته أبدا. تضايقني أمي، أحيانا، وهي تسألني رد فعلي لو أنها تخلت عني ثم عادت إلي فيما بعد. أرد عليها فورا أنه من المرجح أنني كنت سأسبها و أ طردها. وذلك هو إحساسي تجاه من يفترض أنه والدي. من الأحسن أن لا أراه، لأني لا أعرف كيف سأتصرف عندها. لقد ارتُكبت أخطاء كثيرة، أُحدثت آلام كثيرة، ولا أريد أن تُرتكب أخطاء أخرى. إنه يظل أبي، بالطبع، لكني لا أريد ارتكاب إثم. أود فقط معرفة من يكون، لتجنب مشاكل محرم محتملة.
ظللت في الجمعية حتى السابعة من عمري. كان هناك أناس كثيرون لهم مشاكل شبيهة بمشاكلنا. إننا نحتاج، في الحياة، أن ننتمي إلى جماعة نشعر بالقرب إليها، لا سيما إذا كنا نحمل ثقلا. يكون لدينا الانطباع، عندها، بأن هناك من يتقاسم معنا عذابنا. تعقدت الأمور بالنسبة لي، بعد بلوغي السابعة: حين نصبح ملزمين بمواجهة الحياة، بمواجهة العالم الخارجي، حين نقارن أنفسنا بالآخرين، حين نلاحظ أننا مختلفون... عندها تأكدت أن هناك مشكلا ما. كنت أدخل بيوتا حيث كنت ألاحظ أن الأم تظل بالبيت للاعتناء بالأطفال، بينما يخرج الرجل إلى العمل لتأمين حاجيات الأسرة. أما أنا، فرأيت دائما أن أمي في الخارج بلا انقطاع، في الداخل بدون توقف ! عندها شعرت أن شيئا ما ينقص خليتنا العائلية. من المرجح أنه غياب الأب. إننا لا نعي هذا النقص فعلا، إلا ونحن نكبر. وحتى ونحن نحاول تركه جانبا، لأننا نعرف أنه لا معنى له، فإنه يكبر بداخلنا. إضافة إلى أن أصدقاءنا لا يزعجوننا ونحن صغار. أما حين نكبر، فالكل يسمح لنفسه بالتعبير عن رأيه في الموضوع، الكل يأذن لنفسه بإصدار أحكام. أم عازبة ! كيف نفسر للناس معنى ذلك؟ يكون العبء ثقيلا، في بعض الأحيان. لنتصور أنني تزوجت ذات يوم، رجلا يعرف حكايتي طبعا، أنه وقع بيننا خصام ذات مرة، كما يحدث بين كل الأزواج، إلا أنه تصرف بعنف وشتمني بكوني » بنت الحرام «. كيف سيكون رد فعلي؟ مؤكد أنني لن أتحمل ذلك. المرعب، بالفعل، هو كون حكايتنا تطاردنا. حتى حين نكون في أمان مع دواتنا، فهناك دائما » قلوب رحيمة « تمر ر إلينا كلمات عدوانية تجرحنا في العمق.
ما الذي أحبه في الحياة؟ فريق الرجاء البيضاوي. إنه فريق له مكانته في حياتي. أقول دائما إن هناك ثلاثة عناصر مهمة في حياتي: الله، أمي وفريق الرجاء ! لقد كنت من أنصار الفريق منذ طفولتي. ربما من باب التناقض: أمي تشجع فريق الوداد البيضاوي. إنه أمر غريب؛ ونحن نتخاصم طوال الوقت بسبب هذا الموضوع. ولا زلنا غير متفقتين بخصوصه حتى يومنا هذا، لأن كل واحدة منا تدافع عن فريقها المفضل. أمي لا تريدني أن أذهب إلى الملعب لتتبع المقابلات. إنها تخاف علي. وهي على صواب، فالبلبلة تملأ الملاعب وأحيانا تنقلب الأمور إلى ما لا تحمد عقباه. إلا أن الملاعب يسودها حماس لا يمكن أن أفوته لأي سبب. و رغم علمي أنني سأتعرض للتوبيخ، فأنا أذهب إلى الملعب. لا أذهب لوحدي بالطبع، بل أذهب مع أصدقائي، ذكورا وإناثا. إننا نحس بالأمان وسط الجماعة ونلهو كثيرا: نرقص، نغني، نطلق مكبوتاتنا. الأهم بالنسبة لأمي هو دراستي وتربيتي: علي أن أدرس جيدا وأن يكون لي سلوك مثالي. لا تتحمل أمي أن أخوض في الدروب التي خبرتها، وعلى رأسها السفاهة. كان رفيعة: الفيلسوفة
24 سنة، ولدت بتافراوت ، وكبرت بها إلى أن بلغت الثانية عشرة من عمرها، فرحلت إلى خريبكة. أم لطفلة اسمها كرم وهي في ربيعها الأول. ترغب في الدراسة، فهي مسألة حيوية بالنسبة لها: إنها الطريقة الوحيدة للحصول على عمل شريف.
أشتغلُ في الاستقبالات بحمام شعبي يوما كل يومين. إذا لم أكن في الحمام، فأنا أدرس في البيت. طلبت أن يمنحوني الوقت للتحضير للبالكالوريا كمرشحة حرة. وللأسف، فقد شرعت في الإعداد متأخرة، و فاتني أجل التسجيل. تسجلتُ خلال السنة الماضية، إلا أن المشكل حدث.
الدراسة، شيء أساسي في الحياة. للحصول على عمل جيد. لا أريد أن أجدني خادمة بيوت في نهاية المطاف. أفضل الموت على ذلك. إضافة إلى أننا نتعلم أشياء كثيرة من الدراسة، فهي تشغل العقل وتساعدنا حتى لا نشرد. أشعر الآن بفراغ كبير، ويجعلني ذلك شقية أكثر. أما إذا كنا ندرس، فإننا نعيش ونحن نتطلع إلى حياة أفضل، نتمكن من إسقاط ذواتنا في شيء مغاير لحياتنا اليومية الشاقة. إن حلمي هو أن أصبح مساعدة اجتماعية في المستقبل. أنا مقتنعة أنه العمل الذي يلائمني أكثر، لا سيما منذ حدث لي المشكل وأصبحت أعرف مدى أهمية هذه المهنة وقدرتها على إنقاذ حياة الناس.
بإمكان المساعدة الاجتماعية أن تقدم الدعم على المستوى النفسي، الاجتماعي، ويعطي ذلك حياتها معنى لحظة الاعتقاد أنها على حافة الانتحار، وأنه لا شيء يمكنه إنقاذها. إنهم رائعون هنا في الجمعية وهم ينجحون، بفضل صبرهم ومثابرتهم، في إخراجنا من حالة اليأس ومرافقتنا تدريجيا في إعادة بناء الصلة بين الماضي، المستقبل والحاضر كذلك. و رغم كل الصعوبات، فإننا نتمكن من استرجاع الأمل والثقة. إننا نتعلم أن الحياة لا تتوقف، أن الأمل لا ينبغي أن يتزعزع؛ وإنه حتى إذا كانت الظروف لا تساعد، و كنا ترغب في الدراسة فعلينا أن ننطلق ابتداء من اليوم، فأمامنا دائما متسع من الوقت. رغم كل المعاناة التي قاسيتها، فبإمكاني أن أصرح لكم إلى أي حد كان عمل المساعدات الاجتماعيات حاسما بالنسبة لي. إنهن تتوفقن في تحقيق إنجازات كبيرة، بل معجزات. إنهن تجتهدن في العمل وتعاندن، رغم ما تواجهنه من فشل أحيانا، لتقديم كل ما بإمكانهن لمساعدتنا على المضي إلى الأمام. لتجديد الصلة مع الأسرة، مثلا، مع أب الطفل. إنه عمل شاق. إنهن تقدمن لنا الدعم وتحميننا كذلك على المستوى الاجتماعي، وتساعدننا على مواجهة النظرة المحقرة والمنقصة للمجتمع الذي يرفضنا. إنهن تعلمننا تقبل وضعيتنا الجديدة. إنهن معنا باستمرار، إلى أن نقف ثانية ونثبت حضورنا من جديد. إنه عمل رائع فعلا.
ولدت بتافراوت وقضيت بها الجزء الأساسي من طفولتي، مع جدتي، بينما كان باقي أفراد عائلتي في خريبكة. لم ألتحق بوالدي إلا حين بلغت سن التمدرس في الثانوي. أنا أكبر سبعة إخوة. أختي التي تصغرني، » ه «، تدرس حاليا في كلية الاقتصاد بخريبكة، ولدي كذلك أخ وأخت، توأم، يجتازان الباكالوريا هذه السنة، أما الآخرون فهم صغار. » ه «، هي الوحيدة التي كانت لطيفة ومتفهمة. أما أمي فكانت قاسية، بلا قلب.
غادرت خريبكة منذ ما يفوق السنة، كنت حبلى في الشهر التاسع، طردتني أمي.
والد ابني يدعى » س «. وُلد سنة 1981. طلبني للزواج خلال سنة اجتيازي امتحانات الباكالوريا. كان أبي موافقا، المشكلة هي أن »س « لم يعد، ظل يؤجل الأمر مبررا ذلك بمواجهته مشاكل صحية. كان يتصل بي هاتفيا لا غير. تخاصم معه أبي الذي لم يعد يرى فيه الزوج المناسب. و رغم رفض والدي، واصل » س « اتصالاته الهاتفية بي مباشرة، ليكرر لي تمسكه بي. خلال أحد الأيام، سنة 2010، أخبرني أنه من الضروري أن نلتقي ليخبرني أمرا هاما. أخبرت أمي بذلك، فوافقت على اللقاء شريطة أن ترفقني أختي » ه «. حين التقينا ثلاثتنا، أبعد » س « أختي » ه «، بدعوى أنه يريد أن يتحدث إلي رأسا لرأس. عادت أختي إلى البيت، وركبت معه سياراته. كان غاضبا يومها، ولم يكن يفهم لماذا اصطففت إلى جانب والدي؟ طلبت منه أن يوصلني إلى البيت، لكنه رفض... اغتصبني داخل السيارة... كانت الساعة تشير إلى السادسة بعد الزوال. كنا في حي به فيلات، وبما أننا كنا في فصل الخريف، فقد كان المكان مظلما. بدا لي أنه شاهد حارسا في البعيد، إلا أنه اختفى بعدما سمع صراخا.
عدت إلى البيت وحكيت ما جرى لأمي. كنت في حاجة إلى أن تتصرف. لقد انتقم مني » س «، ومن المؤكد أن فكرة الزواج لم تعد واردة. وددت لو تقوم أمي بإخبار والدي. إلا أنها رفضت رفضا قاطعا، وهي تقول لي بأنه سيحول غضبه إليها هي إذا علم، ويؤاخذها لأنها سمحت لي بلقائه. كانت تقول بأنه ربما يطردها خارج البيت... التزمتُ الصمت، كي لا يحدث لها مكروه. رددت علي والدتي، في نفس الوقت، أنه من المرجح، بعد الذي حدث، أن يعود » س « لطلب يدي للزواج من جديد. لكن الوقت كان يمر، دون أن يظهر.. أخبرت أمي وأنا أتوسل إليها لكي تتصرف. ردت علي بعنف: » لقد أرعبتني مرة بحكايتك، وها أنت الآن تريدين تحطيم عائلتنا، إجمعي أغراضك، التحقي بذلك النذل وتدبري أمرك معه «.
مر الشهر الأول، ثم الثاني دون حيض، ولم أكن مريضة، ففهمت أنني حامل. حرضت أمي إخواني وأخواتي ضدي. فانتهى بهم الأمر هم أيضا إلى ترديد ما قالته » ارحلي أيتها الحقيرة «. لم أكن أرغب في مغادرة البيت، لأن أبي لم يكن على علم بأي شيء. وحدها أختي » ه « كانت تدعمني. اتصلت ب » س « في أحد الأيام ولم يصدقني بسهولة، لأنه لم يكن يتصور أن أحبل بتلك السرعة. طلب مني أن أجهض نفسي، كما لو أن ذلك كان سهلا. قلت له إن الحل الأمثل هو أن نتزوج، لكنه رفض. طلب مني مغادرة البيت والالتحاق به. لكنني كنت خائفة، لأنه لم يعد يحظى بثقتي. ولو أن ذلك هو ما كانت أمي تنتظره. كان همها الوحيد أن لا يعلم أي كان بما حدث؛ وبما أنني أصبحت مزعجة أكثر، فقد أصبحت هي شنيعة أكثر. كانت تأمل أن يفيض بي الكيل وارحل. كانت تجعلني أنظف البيت باستمرار، تشتمني بكل الصفات، وكانت تتواطأ بانشراح مع إخوتي الذين رأوا أنه طبيعي أن يعاملونني بتلك الطريقة، بما أن أمهم كانت تتصرف كذلك. فكرت أكثر من مرة في التحدث إلى أبي والاعتراف له بكل شيء، إلا أنني لم أكن أعرف من أين أبدأ له الحكاية. كان الوقت يمر، لم يكن انتفاخ بطني واضحا، إلا أنني كنت أقترب من النهاية. أرسلتني أمي، ذات يوم، لاقتناء غرض من عند البقال. حين عدت، رفضت أن تفتح لي الباب. رمت لي بطاقة التعريف من النافذة، وطلبت مني أن لا أعود إلى البيت. لم أكن أرتدي سوى » بيجامة «. طرقت باب جارة واعترفت لها بكل شيء. اتصلت ب » س « وشرحت له الوضع. حدد لي موعدا للقاء خلال اليوم التالي في المحطة الطرقية بخريبكة.
جاء » س « وكذلك أختي » ه «، التي كانت لطيفة وجاءتني ببعض الملابس. رافقني هو على متن الحافلة إلى الدار البيضاء. لقد سمع عن جمعية » إنصاف «، فأوصلني إليها بسيارة أجرة قبل أن ينصرف. طلب مني أن لا أتحدث عن علاقتنا، وقال لي بأنه سيعود لرؤيتي فيما بعد. رفضوا إيوائي في الجمعية بادئ الأمر، بدعوى عدم وجود مكان شاغر. أخذت في البكاء. اتصلت ب » س «؛ أطفأ هاتفه . لم أكن أعرف أحدا في الدار البيضاء. إنها زيارتي الأولى لها. لم يكن لدي مال لكي أعود إلى البيت. بعد لحظة، وبعدما رأت حالتي، أشفقت على السيدة عضو الجمعية، وقالت لي بأنها ستحاول إيجاد حل. وضعت أياما قليلة بعد ذلك. أًصبت بنزيف حاد، كنت ضعيفة. احتفظوا بي في المركز مدة شهرين، ريثما أسترجع قواي. ثم اكتروا لي غرفة خارج المركز. لا زلت أذهب يوميا إلى الجمعية حيث تخضع الفتيات في مثل حالتي للتتبع، كما شاركت في تكوين خارجي في الخياطة. حصلت على شهادتي بعد خمسة أشهر، إلا أنني أخبرتهم أنني أريد مواصلة دراستي. وجهوني، عندها، إلى جمعية التضامن النسوي، لأنه من المرجح أن أكون محظوظة أكثر هناك، وأتابع دراستي.
إكرام، أنا التي اخترت هذا الاسم لابنتي، تكريما لكل المحسنين الذين ساعدوني لإخراجها إلى الوجود. لم أفكر في التخلي عنها، ولو للحظة واحدة. لكن، حين طرح علي « س « فكرة الإجهاض، تركته يتكلم كما يحلو له. أما بالنسبة لي، فالفكرة مرفوضة. حين وُلدتْ، كنت أقول لنفسي بأنني سأتكفل بها مهما حدث، حتى لو كنت لا أملك شيئا، حتى لو كنت بلا عمل وبلا مال. فعلا، كنت حزينة عليها أكثر من حزني على نفسي. لكن، عليها أن تكون قوية؛ بمجرد أن تبلغ السن التي تؤهلها للفهم، سأطلعها على الحقيقة. وكل ما أطمح إليه الآن هو أن تكون لي مهنة حقيقية. لا أريد لابنتي أن تخجل من مهنة أمها. يكفيها ما ستتحمله بالنظر لحكايتها. أتصل هاتفيا، بين الفينة والأخرى، بأمي. تقول لي بأنها آسفة على تصرفها، وتطلب مني أن أغفر لها. كانت تعتقد أنه بطردها لي، سيستقبلني « س « ويتزوجني. لقد حزنتْ حين علمت أن « س « رمى بي في جمعية وانصرف بصفة نهائية. حكت لوالدي أنني هربت مع « س «. لقد غضب، طبعا، لأني خالفت مشيئته. قال بأنه يتنكر لي، وبأنني فتاة غير جديرة.
أعرف قراءة الفرنسية والانجليزية كذلك. أعمل على القراءة كلما أمكنني ذلك، لكي أشغل نفسي و لكي أتمكن ، في الوقت نفسه، من متابعة دراستي حالما تتاح لي الفرصة. أقرأ بالفرنسية « كونديد « لفولتير وكذلك « الصندوق السحري « لأحمد الصفريوي. وأقرأ بالعربية نصوص توفيق الحكيم وطه حسين، والشعر كذلك. ما أحبه أكثر، هو الفلسفة. أقرأ أعمال ديكارت، أفلاطون وابن رشد. أحب ما أتعلمه منهم من أفكار. إنهم يساعدونني على التفكير في الحياة وفهمها. فابن رشد يتحدث عن الفلسفة والدين باعتبارهما حق. وهو يقول: « الفلسفة حق. الدين حق. ولا يمكن للحق أن يخالف الحق. إنه يؤكده ويشهد لصالحه «.
يتحدث ديكارت عن الفكر، عن نشاط العقل الذي يميزنا عن السيطرة الحيوانية. وأرسطو يتحدث كثيرا عن النظام الاجتماعي وعن دور المدينة التي تجعل الإنسان يحقق الانسجام مع الحياة. بخلاف شوبنهاور الذي يقول بأن المدينة تفرض على الإنسان نظاما يحرمه من الحرية. إنني أشغل عقلي وأنا أقرأ. بي ظمأ للقراءة، فهي الشيء الوحيد الذي يفيدني. إن المعرفة واسعة، إنها غذاء العقل، وغذاء الروح كذلك.
كل الناس يحلمون بالحب؟ لا ، أعتقد.
ربما تحلم به الفتيات.. أما أنا، فلا.
الحب غير موجود. إنه ريح؛ إنه ليس جديا.
المصالح هي التي تهيمن في الحياة، لكل واحد أهداف، واعية أو غير واعية، وهي التي توجهه. تلك فكرتي عن الحب، أما الباقي فلا أومن به.
أحقد على الرجال. بالنظر لما قاسيته، كيف يمكن أن يكون رأيي حول الجنس الآخر. إنهم وحوش في اعتقادي. ولن أغير رأيي أبدا. يمكننا معاشرتهم، طبعا، في إطار العمل أو غيره. أنا مجبرة على التقائهم في الحياة. إلا أنني لا أثق فيهم أبدا. لكل الرجال، في اعتقادي، هدف محدد: استغلال جسد المرأة، للتخلي عنها بعد ذلك والبحث عن أخرى. والرجال يعتبرون ذلك أمرا عاديا. لا يوبخهم ضميرهم. أحقد على الرجال. أبي؟ نعم، أحبه، لكنه هو أيضا رجل، له ذكرياته وحبه الخاص به.
صفية: الطالبة الأبدية أو البحث عن المعرفة
تنحدر من فاس، وهي في الرابعة والعشرين من عمرها. موجزة في علم الاجتماع ( كلية فاس )، طالبة حاليا بكلية ابن امسيك في الدار البيضاء. أم لفتاة اسمها كنزة.
كنت حبلى أثناء إعدادي أطروحة الإجازة في علم الاجتماع بفاس، إلا أن الحمل لم يمنعني من مواصلة أبحاثي والتحضير لامتحاناتي. أنجبت الصغيرة يوم فاتح يونيو، وتقدمت لاجتياز الامتحانات يوم 18 يونيو. المشكلة الوحيدة هي أنني وجدتني، بعد الوضع، في الشارع.
تمكنت من كراء شقة خلال فترة الحمل، إلا أنه لم يكن واردا أن أعود إليها ومعي رضيع، كان ذلك بمثابة المجازفة. قبل الولادة، ذهبت للاستفسار لدى جمعية المبادرة لحماية حقوق المرأة، التي تتكفل بحماية النساء ضحايا العنف. و بفضل سيدة من أعضاء الجمعية، كانت معي في المستشفى أثناء الولادة، أمكنني مغادرة المستشفى دون مشاكل ودون الاضطرار لمواجهة الشرطة. لأن ولادة الفتاة الأم ورطة حقيقية. أثناء فترة الحمل، كنت أفكر في تسليم الطفل لأحدى دور الأيتام؛ أما بعد الولادة، فأصبح ذلك قاسيا وقررت الاحتفاظ بابنتي. بعد مغادرة المستشفى، اتجهت إلى الجمعية لإعداد ملف الصغيرة بهدف تسجيلها. لم أكن أعرف أين سأسكن. لحسن حظي، فإن نساء من الجمعية قبلن استقبالي ببيوتهن لمدة. مباشرة بعد استقراري، ذهبت لتجميع دروسي بغرض تحضير امتحاناتي. أتذكر أن السيدات اللواتي كن تأوينني، خفن أن أهرب وأتخلى عن الرضيع. لذلك تركت لديهن بطاقة التعريف كضمانة على حسن نيتي. كان علي اجتياز ثلاثة مواد في الامتحان، إضافة إلى تقديم الأطروحة التي كانت قيد الطبع. تمكنت من النجاح في مادتين، أما الثالثة فقد قبل الأستاذ أن أجتازها شفويا. خلال تلك الفترة، أعددت وثائق ابنتي وقمت بالإجراءات اللازمة: عقد الازدياد، التلقيح. كنت أزور الجمعية يوميا لأطلب إيجاد سكن لي، لأن السيدات اللواتي كنت أقيم عندهن أخبرنني أنهن ستسافرن في عطلة أواخر شهر يونيو. ولحسن الحظ، فقد تمكنت الجمعية من النيابة عنهن، وحصلت لي على سكن يأويني حتى أواخر أكتوبر.
تنحدر عائلتي من جهة فاس. وقد ذهبت منذ صغري إلى المدينة للعيش مع أخي الكبير، الذي كان متزوجا وله عدة أبناء. بعد اجتياز الباكالوريا، تمكنت من الإقامة بالحي الجامعي. لكنني فضلت، بعد الحمل، الكراء بعيدا حفاظا على سري. والد صغيرتي هو الذي كان يدفع السومة الكرائية، وقد تدبرت أمر العلاجات الأولية لابنتي بعد ولادتها، بالمنحة التي كنت أحصل عليها كطالبة.
ينحدر « م «، والد ابنتي ، من تيسة، قرية صغيرة في منتصف الطريف بين فاس وتاونات. كانت أختي تقيم بها. خلال الإقامة عندها تعرفت على « م «. التقيته في استوديو، يعمل في التنشيط الموسيقي للحفلات. غالبا ما كان يزور فاس رفقة صديقه « أ «. طلب مني مرارا أن التحق به بتيسة، حيث كان له سكن، وكان يقول لي بأننا سنكون على خير ما يرام هناك. إلا أنني كنت أرفض. كنا نلتقي خلال فترة، فأخذنا نتعود على بعضنا البعض.
كنت أشتاق إليه حين لا يكون معي، كما كان يقول لي إنه هو أيضا يشتاق لي. كنت أشعر بالثقة وأنا معه، كان يبعث على الاطمئنان، وكان يحسن الكلام. أحببت رفقته، لم أكن أشعر بمرور الوقت. كان يوليني اهتماما كبيرا، وكان الاحترام متبادلا فيما بيننا. أجل، أعتقد أنه بإمكاننا اعتبار ذلك حبا. بالإضافة إلى أنه كان يطلب مني، في فترة الحمل، أن نظل معا. إلا أنه لم يكن يرغب في احتفاظنا بالرضيع، وقد اتفقنا معا على الإجهاض. إلا أن ذلك أصبح مستحيلا، لأن الحمل تجاوز الفترة التي تسمح بالإسقاط.
أذكر أنني قررت، في غضون ذلك، قضاء بعض الوقت في بيت عائلتي. مكثت معهم ثلاثة أشهر. كنت أعرف أنه سيكون علي الرحيل بسبب مشكلتي، لذلك وددت أن أقضي معهم أطول مدة ممكنة. كنت أشعر بالأمان بجانبهم. إلا أنني كنت أعرف أن ذلك لن يستمر طويلا. رحلت مباشرة بعدما أخذ بطني في الانتفاخ. جاء « م « على الفور لزيارتي بفاس. سلمني النقود لكراء شقة، واتفقنا على أن أطلبه عند الولادة لكي يأخذ الرضيع ويسلمه لشخص ما. لأنه كان ضد الاحتفاظ به، فكان لا بد من التخلص منه إذن.
بعد الوضع، وبعد اتخاذ قراري، اتصلت ب « م « هاتفيا وعبرت له عن رغبتي في الاحتفاظ بالطفل. لم يتحمل تغييري لرأيي. اعتبر ذلك خيانة. لم يتفهم. لم يعش، هو، ما عانيته، أنا، لإخراج الصغيرة إلى الوجود. حملت صغيرتي طيلة تسعة أشهر. أحسست بها وهي تكبر بداخلي. رأيتها وهي تولد، حملتها بين ذراعي. معاناة كثيرة لكي أتخلى عنها في النهاية، لم يعد ذلك ممكنا. أياما قليلة بعد الوضع، اتصل بي وطلب مني أن آخذ إليه الصغيرة لأنه يود رؤيتها. لكنني خفت أن يدبر لي مكيدة ويأخذ مني ابنتي. لم أذهب. لا يزال « م « يتصل بي بين الفينة والأخرى للسؤال عن أحوالي، إلا أنه تغير.
خلال أحد الأيام، اعترفت بما حدث لأختي التي تقيم بتيسة. اتصلت ب » م « هاتفيا وطلبت منه العمل على تسوية الوضع. أصابه الرعب منذ ذلك الحين وغير رقم هاتفه. خلال إحدى زياراتي لأختي في تيسة، قررت زيارته في محل عمله. إلا أنني لم أجد سوى أخيه. لم يحفظ الأخير السر، تحدث عنه في محيطه، فانتشر الخبر، إلى درجة أن أسرتي نفسها علمت بما حدث.
جئت إلى الدار البيضاء حين بلغت ابنتي كنزة شهرها الرابع. وجمعية فاس هي التي ربطت لي الاتصال بجمعية التضامن النسوي في الدار البيضاء. كان ذلك لمصلحتي، بعدما أصبحت محاصرة في فاس، ولم يعد بإمكاني فعل أي شيء. كنت أعلم أن جمعية الدار البيضاء تساعد الفتيات لتصبحن مستقلات. بمجرد وصولي، تم تعييني في الاستقبالات بحمام الجمعية. اقترحوا علي في الجمعية تكوينا خارجيا في إدارة المكتب لدى إحدى جمعيات الأحياء - تضامن أعمى ومبصر. حصلت على ديبلوم بعد سنة. وبانطلاق الموسم الجديد، شجعتني الجمعية على مواصلة تكويني الأساسي في علم الاجتماع بالحصول على إجازة مهنية من كلية ابن امسيك، لكي أزيد من حظوظي في ولوج عالم الشغل. لم أعد أذهب إلى الحمام إلا نادرا، لأن دراستي تأخذ مني الكثير من الوقت.
لقد قدمت لي جمعية التضامن النسوي الشيء الكثير، لا سيما على المستوى النفسي. فلدينا الحظ هنا للاستفادة من ورشات ينشطها مختصون. يفيدنا ذلك في تكويننا ونتعلم منه الكثير. ما يتعلق بحقوقنا مثلا، وواجباتنا كذلك. حضرت مؤخرا ورشة حول احترام النفس. ذلك مهم، ففي وضعيتنا نشعر دائما أننا نخطئ، نشعر بالذنب ونعيب على أنفسنا بالضرورة. بناء على ذلك، فنحن نميل إلى الانطواء على أنفسنا، إلى الانغلاق، إلى عدم التقاء أي كان. كل شيء يخيفنا ونشعر أنه لا قيمة لنا. حضرت، مؤخرا، ندوة نظمتها جمعية التضامن النسوي: » الأمهات العازبات: الواقع وآفاق التغيير «. أفادتنا الندوة، لأنه شارك فيها متدخلون لهم مكانتهم، وصحافيون كذلك. كنا أمهات كثيرات، قدمنا شهادات حول معيشنا. استمع لنا الكثير من الناس، بل صفقوا لنا. أمر غريب، لأنني شعرت يومها بأهميتي، أعطيت نفسي الحق في الوجود بتقبلي لواقعي بشكل أفضل.
والداي... حاولت حمايتهما بإبقائهما بعيدا عن كل هذا. لم أزرهما بمناسبة عيد الأضحى خلال السنة الماضية. اندهشا لذلك. صحيح أن زياراتي لهما أصبحت قليلة بسبب دراستي، إلا أننا كنا نقضي الأعياد معا. لا سيما عيد الأضحى، فله قدسيته وهو يمر في جو عائلي. علمت أمي بما حدث، أخبرتها أختي بحكايتي، على جزء منها على الأقل. كانت تخاف رد فعل أبي وإخواني بوجه خاص. ذهبت لزيارتهم ذات يوم لوحدي، دون ابنتي. لم تحدثني أمي في أي شيء. كنت أخذت معي صورا لكنزة، لإطلاعها عليها. إلا أن صمتها جعلني أتخلى عن الفكرة. لم أرغب في مفاجأتها أو جعلها في وضعية صعبة بتوريطها في فعلي. أبي أيضا ظل صامتا. كان سعيدا لرؤيتي وطلب من أمي إعداد وجبة جيدة احتفالا بقدومي. تعللت أمي بالتعب وقالت بأنها ستقوم بما يلزم نهار الغد. إلا أنني أخبرتهما بسفري صباحا. ظل أبي مغتاظا لأنه لم يفهم شيئا. صحيح أنه لم يكن من عادتي أن أقضي معهم وقتا قصيرا. إلا أنني بررت ذلك بامتحانات عليها اجتيازها، وسافرت. كنت حزينة لأبي، ولأمي التي لم تقل شيئا. أعرف أن أبي أصبح على علم بوضعيتي منذ زيارتي تلك. إنه مصدوم بالطبع. إخواني كذلك يعلمون. لم يعودوا يكلمونني، باستثناء واحد. لي خمس أخوات وخمسة إخوان. كلهم كبار ومستقلون. لم تعد لدي أخبار عنهم جميعهم. بمناسبة عيد الأضحى، فكرت في الاتصال بأختي للسؤال عن أحوالها، لكنها قطعت المكالمة بسرعة. كما لو أن التحدث معي جريمة. أصبحت البنت اللعينة. إلا أن علم والدي أراحني في العمق.
إذا كان هناك شخص ظل يبحث عني في كثير من الأوقات، فهو زوج أختي » أ م « من تيسة. لم يتقبل حكايتي. جعل منها قضية شرف. بل إنه ذهب إلى » م « وهدده. ما جعل الأمور تتعقد أكثر. لقد لا حظ زوج أختي أنني خرجت عن الطريق المستقيم، فكلف نفسه بمهمة إرجاعي إلى الصواب. اتخذ حكايتي مبررا لمخاصمة أختي، المسكينة. الغريب أنه يتصل بي أحيانا، في منتصف الليل، ليعرف مكان وجودي. ولحسن حظي أن المساعدة الاجتماعية، التابعة للجمعية، تدخلت لإيقافه عند حده. لي أخ بالدار البيضاء، وهو طيب، يقبل التحدث إلي، لكن هاتفيا لا غير. حين أطلب منه أن نلتقي، يوافق، إلا أنه يؤجل اللقاء باستمرار. اتصل بي بمناسبة العيد.
لم أر والدي منذ ما يزيد عن سنة. اشتقت إليهما. وددت لو أنهما يتفهماني. لو كانا يتصلان بي بين الوقت والآخر على الأقل. اتصلت بوالدي، مرة، لسماع صوته لا غير، لم أجرأ على التحدث إليه. حين أكون لوحدي وأتذكر والداي، تسيل دموعي رغما عني. تمنيت لو تعرفا على ابنتي.
أركز اليوم على دراستي، أقول لنفسي الدراسة هي التي ستنقذني أنا وابنتي. حصلت على إجازة أولى في علم الاجتماع من كلية فاس، وباقتراح من جمعية التضامن النسوي، أحضر إجازة في التواصل بين المنظمات. أريد الحصول بعد ذلك على عمل في الميدان الاجتماعي. بفضل الجمعية، اكتسبت تجربة مهمة، ولو أنني مجرد مستفيدة. أريد القيام بعمل يفيد الآخرين، مزاولة مهنة في مجال المساعدة. لن أنسى أبدا أن هذه الجمعية أنقذتني. أعلم اليوم مدى أهمية المساعدة؛ إنها تُخرجنا من المأزق. بالنسبة لي، كان ما حدث لي نهاية العالم؛ رغم دراستي، كنت أعتقد أنني ضيعت كل شيء. أما هنا، فقد استأنفت تذوق طعم الحياة، تجديد الأمل. وبإمكاني، اليوم، أن أقول بأن كوني أما خارج مؤسسة الزواج، لا يعني أنني فتاة سيئة وبأنه لا مكان لي في المجتمع. أعتقد أن بإمكاني أن أكون مفيدة للمجتمع، بل لدي ما يمكن أن أقدمه له.
أشعر بالارتياح حين أذهب إلى الكلية، أشعر أنني إنسان يشبه بقية الناس. لدي الإحساس أن لنا جميعا نفس الحقوق. كما تساعدني الدراسة على فهم الحياة أكثر. تعلمني التفكير بشكل أفضل، ترتيب أفكاري. إننا نشارك في ورشات التواصل، وأقول لنفسي بأن ذلك سيساعدني، في علاقتي بابنتي أيضا، كيف أتحدث إليها، كيف أساعدها لاكتساب الثقة في النفس، الثقة في.
بعد حدوث المشكلة، أصبحت سلبية وأكثر حذرا من الرجال طبعا. أرى أنهم لا يسعون إلا وراء مصالحهم. حدث لي أن التقيت شبانا آخرين، في الكلية مثلا، إلى أنني أهرب بمجرد أن يشرعوا في نطق كلمات جميلة. لا سيما حين يقترحون علي أن نلنقي في مكان ما، أعرف عندها أن العلاقة خاسرة مسبقا. الشيء الوحيد الذي يهمهم في الحقيقة، هو استغلال الفتاة جنسيا والتخلي عنها بعد ذلك. أرغب في التقاء شخص يحبني ويحب ابنتي، شخص يتفهم ما عشته. بل إنني فكرت، في بعض اللحظات أن أتزوج ليكون لي غطاء لا غير، لكي أحمي نفسي من المجتمع و، بوجه خاص، لأجل عائلتي، لكي يقل إحساسها بالعار. أختي هي التي قدمت لي هذه النصيحة. إلا أنني أخذت في التردد مؤخرا. لا أرى أنه الحل المناسب. لم تعد لدي أخبار عن » م «، لم أعد أرغب في الزواج منه هو نفسه؛ فقدت الثقة، كشفت لي هذه الحكاية وجهي الحقيقي. لا أريد الزواج من رجل يكون كذابا، عنيفا، أو يتخذ مني آمة له ولا يخصني بأي اعتبار. يلزمني رجل ناضج، يحترم المرأة ويوليها أهمية. هنا، ينبغي أن نكف عن الحلم.
هناك حفل زواج اليوم في الجمعية. إحدى الفتيات الأمهات، » م إ «، ستتزوج والد ابنتها، بعد مسطرة قضائية. إنها سعيدة جدا. سيتم تنظيم حفل بالمناسبة، وكل الفتيات ساهمن في شراء بعض الهدايا وشاركن في التحضيرات. إنه يوم عظيم تتمناه كل واحدة منا. أنا سعيدة لأجل » م إ «. أتمنى لها السعادة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.