لا غضاضة في القول بأن جميع الحكومات بما فيها حكومة "بنكيران" قد فشلت في إصلاح قطاع التعليم ببلادنا ، وصرفت ملايير السنتيمات على مشاريع فاشلة ، وبدرت جهوذ وأوقات وأموال في دراسات لم تغن ولم تسمن من جوع ولم تنتشل هذا القطاع الحيوي من سحيق التخلف والجمود، بل تركته هذه الحكومات ينزف دون إنقاذ ولا إسعاف ، بدليل أن المنظومة التعليمية الآن تسير من سيء إلى أسوأ فاقدة للبوصلة وتائهة وسط صحاري الإصلاحات الترقيعية ، ولن نغالي إذا قلنا أن تعليمنا يحتضرويقترب من مصير مجهول. كانت حكومة بنكيران تسير في الطريق الصحيح في عهد محمد الوفا الوزير المثير للجدل ، رغم بعض الزوابع التي تثيرها تصريحاته وخرجاته ، إلا أن قراراته كانت جريئة و"أدويته " رغم مرارتها كانت ستعالج الجسد التعليمي من مرضه العضال . الوزير الوفا كانت له جراة سياسية قوية وإرادة صلبة في إصلاح التعليم ، وهو الوزير الوحيد الذي وضع أصبعه على مكامن الداء، لكن مكايد السياسة وأطماع القادة السياسين أجهضت المشروع الإصلاحي ، وجاءت النسخة الثانية للحكومة بالوزير بلمختار الذي لحد الآن لم نر منه إلا قرارات تروي فقط أشجار ونباتات بعيدة عن الحقل التعليمي، وإجراءات باردة تنم عن ضعف التسديد و التصويب، بل لنقل إنها قرارات روتينية لم تخضخض ولم ترجرج هذا القطاع الذي يعتبر الركيزة الأساس لكل الامم للترقي إلى مدارج الدول المتقدمة، إن أحسن تدبيره وأتقنت مشاريعه . عندما تتحدث الحكومة عن إصلاح التعليم تقول لنا " لم تعد هناك إضرابات وأبناؤنا يدرسون.."، وكأن الإضراب هو المشكل الحقيقي الذي ينخر الجسد التعليمي ويفت من عضده ، وتساءل في هذا الصدد:هل الإضراب سيعوق العملية التعليمية التعلمية... ؟ فكم من رجال التعليم مضربون داخل الفصل الدراسي ، حضورهم وغيابهم سيان ، وكم من رجال التعليم داخل الممارسة الصفية لم يجد مع من "يقرقب الناب" بسبب المستوى الدراسي المتدني جدا وبسبب سياسة التنجيح أو ما يمكن أن نسميه بسياسة "الترحيل من صف إلى صف جديد" .. صحيح أن الإضراب هذا الحق الدستوري قد تم تمييعه في السابق ، وأصبحت شريحة كبيرة من الأسرة التعليمية ، تخوض الإضراب ولو دعت إليه نقابة من كوكب المريخ ، بحثا عن الراحة والاستراحة، ولنقل أيضا هربا من واقع مرير ساهمت في تأزيمه الإصلاحات العرجاء والإجراءات التسكينية. فما يجب ان يعلم المسؤولون الكبارأو أصحاب زمام الأمور أنه لو اعيدت فرصة "المغادرة الطوعية " بقطاع التعليم لهرولت مجموعة أكبر بكثير من المستفيدين السابقين، ولبقيت العديد من المؤسسات التعليمية ولا أبالغ إن قلت هذا الكلام خالية على عروشها، بدليل أن العديد من المدرسين أصبحوا راغبين في الحصول على التقاعد النسبي لكنهم لم يجدوا إليه سبيلا . إن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء فشل جميع المشاريع الإصلاحية هو الإقصاء الواضح للمدرسين داخل الفصول الدراسية وعدم الاستماع إليهم وإشراكهم في صياغة القرار وفقا للمقاربة التشاركية التي أصبحت للأسف موضوعا استهلاكيا ومادة إعلامية لتأثيت الاجتماعات الرسمية ، فالعنصر المحوري في هذا الإصلاح هو المدرس الذي يكتوي بنار الوضع المتأزم لقطاع التعليم ، فهو الوحيد الذي يفقه جيدا حاجيات هذا الجيل "الرقمي"، وهو بمثابة المحرك لسيارة الإصلاح، لكن قياداتنا السياسية والتربوية إن صح التعبير ابتعدت عن العنوان الحقيقي للإصلاح وانبرت في طرق ابواب لم تزد المنظومة التعليمية إلا تأزما وتخلفا . سمعنا في الموسم الماضي عن انعقاد اجتماعات ببعض المؤسسات التعليمية من اجل الاستماع وصياغة قرارات، لكنها في اعتقادي تبقى لقاءات روتينية باردة ليست ذات جدوى. إصلاح التعليم يتطلب استنفار جميع الطاقات وخضخضة حقيقية تشعل جذوة الغيرة على هذا القطاع الحيوي ، بإشراك الأسرة التعليمية بجميع مكوناتها وعلى رأسها أصحاب الممارسات الصفية ، وان نشعر أ ن هناك ثورة حقيقية من أجل إصلاح جذري وعميق، وان تطرح المشاكل والحلول في إطار نقاش تشاركي، وان تشهد جميع المؤسسات التعليمية هذا النقاش من اجل الاستفادة من أبناء الميدان والتجارب والعارفين بامور الأجيال التي تتغير ثقافاتهم وقناعاتهم بشكل سريع .. بكلمة أيها المسؤولون اخرجوا من قوقعتكم ومن سجون مكاتبكم وانزلوا إلى الميادين لمعرفة الواقع التعليمي من أصحابه عوض التقارير المنمقة المطمئنة التي ضللت سبل الإصلاح.