لا لرخص التعليم الخصوصي أو لتوقف مؤقتا … لا لاحتلال السكن الوظيفي دون سند قانوني … لا للتوظيف المباشر … لا لعدم الاقتطاع في أجور المضربين … لاءات في مواجهة زوبعة من الاحتجاجات والردود المضادة. ابتدأ كل شيء منذ تسلم الوزير الوفا لحقيبة وزارة التعليم في حكومة بن كيران حين سطر الاستراتيجيات التي يجب أن تسير عليها الوزارة وتمثلت، أساسا، في ضمان استقرار المنظومة على مستوى تدريس اللغات والمناهج والبرامج الدراسية والكتب المدرسية والسير على نهج الاستمرارية للتفكير في إطلاق أوراش جديدة، تهُمّ مراجعة النظام الأساسي لنساء ورجال التعليم والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وإعادة النظر في مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية. ثم كان الإجهاز على ما عرف في زمن المخطط الاستعجالي ببيداغوجيا الإدماج التي قال عنها بالحرف أنها «أحدثت فتنة في المغرب ويرفضها أغلب رجال التعليم». بعد ذلك ، كشف محمد الوفا وزير التربية الوطنية أنه ليس هناك أية تنازل على التوقيت الذي تم تطبيقه في التعليم الابتدائي، وأكد على ضرورة إجراء حركة في صفوف مديري الأكاديميات والنواب الإقليميين، وأكد الوفا كذلك على أهمية الزيارات الميدانية للمؤسسات التعليمية من طرف المسؤولين في أصلاح المنظومة التربوية، مشيرا أن الوزارة قامت بإنجاز دراسة حول تطبيق التوقيت الجديد بالتعليم الابتدائي وقفت من خلالها على نقاط القوة والضعف في ما يتعلق بعملية تطبيقه. مؤكدا في السياق ذاته أن الوزارة لن تتنازل عن تطبيق هذا التوقيت الذي حقق نجاحا حتى في بعض المجموعات المدرسية بالعالم . الأستاذة المُبَرَّزين نالهم نصيب من قرارات الوزير الحاسمة، حين قال أن هذه الفئة التعليمية تطالب الوزارة المعنية ب8 فقط ساعات كحصة أسبوعية للتدريس، في الوقت الذي اتهم فيها هاته الفئة التعليمية بتوزيع النقط على تلاميذ المؤسسات الخصوصية التي يدرّسون فيها بعد قيامهم بمقاطعة التحضير للامتحانات الوطنية. تعليقات جرت عليه احتجاجات الأساتذة المبرزين دون أن يغير هذا في الأمر شيئا. «أنا مقتنع بأن مستوى المدرسة المغربية جيّد، غير أن المغاربة يحطّمون مدرستهم»، كان التصريح الذي يلخص فلسفة الوفا في الإصلاح، مضيفا أنه «إذا كان الوزير يبرهن على صحة المنظومة التربوية بقدرة منتوج التعليم العمومي المغربي على إدماج خريجيه في أكبر الجامعات والمعاهد الدولية». فلسفة اعتمدت المراقبة المستمرة للأساتذة والمعلمين، واعتبار جزءا منهم مسؤول عن الوضعية الحالية للمنظومة التربوية. وهو ما تراه النقابات ومعارضو الوزير الوفا تبسيطا للأمور، وعدم إلمام بطبيعة العملية التعليمية بالكامل، وتعقيداتها التي تتداخل من خلالها العديد من التفاصيل، فيها ما يخص الإطار التعليمي لكن فيها أيضا ما يخرج عن إرادته. رخص التدريس بالقطاع الخاص: قرار جريء سينتظر عاما آخر قبل التطبيق النهائي أحدث قرار وزير التربية الوطنية رقم 299/12 الصادر بداية شهر شتنبر الماضي القاضي بتوقيف العمل بمقتضيات المذكرة الوزارية رقم 109 في شأن الترخيص لأطر التدريس العاملة بمؤسسات التعليم العمومي بالقيام بساعات إضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي أول رجة قوية بين مهنيي القطاع الذين لم يتوقعوا جرأة من هذا القبيل. القرار الذي يعود لعهد حكومة الوزير الأول السابق جطو. القرار حرك المشهد التعليمي برمته. باركه الآباء وأولياء التلاميذ وخلف ردود فعل متفاوتة بين مؤيد ومعارض داخل المنظومة التربوية نفسها. أكثر من ذلك، أدى قرار محمد الوفا وزير التربية الوطنية، حول تشكيل لجان للتفتيش لمتابعة مدى التزام العاملين بالقطاع العام والخصوصي بالقرار الجديد، إلى احتقان مع المهنيين الذين لم يستصيغوا القرار ولا تداعياته التنظيمية. الرفض الواضح والمباشر كان الرد الساخن من رابطة التعليم الخصوصي التي هددت بمسيرة نحو الرباط بسيارات النقل المدرسي، كما التمست تدخل رئيس الحكومة لوضع حد للمشكل، ولترفع حدة التوتر بين الطرفين مما ينبئ بوقوع مزيد من التوتر خصوصا وأن الرابطة اشتكت من التأخر في منح التراخيص للأساتذة. الرابطة أكدت من جهتها تشبثها بمقتضيات الاتفاق الإطار الموقع مع الحكومة بتاريخ 8 ماي 2007 مع اعتبارها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقانون 06.00 كمرجعين أساسين لتنظيم القطاع. رفض آخر قابل قرار الوزير الوفا من باقي النقابات التعليمية ومهنيي القطاع وإن اتخذ طابع أقل حدة وأكثر حذرا. رد الوزير الوفا كان أكثر حدة. في كل الاجتماعات التي كان طرفا فيها مع النقابات، تشبث محمد الوفا بالقرار القاصي بتعليق رخص التعليم الحر متعللا بكونه أن. يصب في خدمة المدرسية العمومية على الخصوص مع العلم أن القطاع . الوزير محمد الوفا اقترح من جهة أخرى على أرباب التعليم الخصوصي الاستفادة من حاملي الشهادات الجامعية خصوصا الذين تقدموا لاجتياز مباريات ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين. أمام استعصاء التوصل لحلول نهائية في هذه النقطة، راسلت وزارة التربية والتعليم المؤسسات التعليمية والأكاديميات والنيابات، بإمكانية استكمال السنة الدراسية الحالية 2011 / 2012 بالطرق المعتمدة سابقا، أي بالسماح للمعلمين والأساتذة بالتدريس في القطاع الخاص، على أن يتم إيجاد صيغة ملائمة بين الأطراف قبل الدخول المقبل . التغيبات والشهادات الطبية: هجوم مضاد يلقى دفاعا نقابيا عنيفا حملت قرارات وزير التربية والتعليم الرامية إلى تضييق الخناق على تغيبات رجال التعليم وتقليص فرص الاستفادة من الشهادات الطبية المفبركة، مفاجأة غير متوقعة لمهنيي القطاع الذين رأوا فيها تطاولا على حقوقهم النقابية الشرعية وحقوقهم الدستورية. الوزارة قررت التدقيق بتنسيق مع وزارة الصحة والهيئة الوطنية للأطباء، حيث يصبح معها نساء ورجال التعليم مضطرين إلى إجراء خبرة مضادة للتأكد من صحة الشهادات الطبية. ففي غياب تأكيدات رسمية من الوزارة تعطي فكرة واضحة عن وقع الشهادات الطبية في تعطيل الدراسة، قدرت مصادر مقربة من وزارة التربية والتعليم عدد الشهادات بين 12 و 15 ألف عن كل موسم دراسي، تهدر مالايقل عن 7 آلاف يوم دراسي. وهي أرقام تتوقف عند الحد الأدنى للظاهرة، تقول مصادر وزارية، إذ أن الأرقام الحقيقية تتجاوز المذكوة بكثير، وتححق بالتالي هدرا مدرسيا واسعا. النقابات تعدد أسباب الرفض، مع التأكيد على عدم موافقة المتحايلين على القانون. مصادر من النقابة الوطنية للتعليم التابعة للك. د. ش، تحسم النقاش في أربعة نقط، تعتبرها موجبة لرفض المذكرة الجديدة. لا منطقية الإخبار قبل المرض بأسبوع أو حتى بأربع وعشرين ساعة لأنها غير ممكنة إنسانيا. الأمراض المزمنة التي تعاني منها فئة عريضة من شغيلة القطاع. الحق في الاستراحة وإعادة التأهيل للعمل. ثم التدخل السافر في طبيعة العمل الطبي والتأثير على الأطباء في توجيه عملية الفحص المضاد. خريجي مراكز التكوين المعينين في المناطق البعيدة أو النائية من أبناء وبنات المدن هم الأكثر استعمالا للشواهد الطبية، لأسباب واضحة ومعروفة، تتركز في رفض الالتحاق بمقرات العمل أو الضجر السريع منها. واعترفت المصادر أن صعوبة المناطق النائية وتشتت الفرعيات ومجموعات المدارس وقلة بنيات الاستقبال وهزالة البنيات التحتية، كلها عوامل تساعد على ارتفاع ظاهرة تغيب المدرسات والمدرسين عن حجراتهم. بالمقابل، وجه مدراء المدارس الابتدائية والمؤسسات التعليمية الأخرى في باقي الأسلاك. تحذيرات للموظفين والأطر التعليمية بضرورة توخي الصدق أثناء الإدلاء بالشهادات الطبية، لأن لجان التفتيش التابعة للوزارة، تعمل هذه الأيام على التأكد من سلامة هذه الشهادات، ومطابقتها للواقع الصحي للأستاذ أو المعلم الذي يدلي بها. وقد شرعت بالفعل هذه اللجان في تطبيق مقتضيات القرار الجديد للوزارة، على أساس ضبط المخالفين، وإلزام كل المتغيبين بداعي الإصابة أو المرض، ممن تتجاوز رخصهم الطبية الثلاثة أيام، بإجراء فحص مضاد بصورة فجائية. اقتطاعات من أجور المضربين: سبق السيف العذل بعد محند العنصر في الداخلية، والرميد في العدل، والداودي في التعليم العالي، سار محمد الوفا وزير التعليم على منهج الاقتطاع من أجور المضربين، كشرط عقابي لكل الذين اعتبرهم مخلين بواجباتهم المهنية. خلال اجتماعه مع مديري الأكاديميات ونواب الوزارة بداية الشهر الماضي، أكد الوفا ضرورة اعتماد مسطرة الاقتطاع الفوري لأيام الاضرابات التي تخوضها الشغيلة التعليمية ، مؤكدا على أن هده الخطوة هي قرار حكومي لارجعة فيه. الوزير الذي بدا حازما خلال الاجتماع أكد على أنه لا وقت للتسامح مع كل من يعمل على الاخلال بمسار الاصلاحات التي تعرفها المنظومة التربوية. و أول المنتفضين، كانتا نقابتي للفيدرالية الديموقراطية للشغل و الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، وكانت أول خطوة للرد، بعد الاتفاق عليها من قبل المركزيتين النقابيتين، هي «تنظيم يوم احتجاجي سيتم تحديد تاريخه بقرار مشترك من المكتبين التنفيذيين». إلا أن الفيدراليين والكنفدراليين لم يقفوا عند هذا الحد، فحسب قيادي نقابي فيدرالي، الذي اعتبر قرار الاقتطاع « لا أساس قانوني أو دستوري له»، فقد سطروا برنامجا تصعيديا سيتم تنفيذه على مراحل ما «لم تتراجع الحكومة عن قرار الاقتطاع». رفاق الميلودي المخارق الكاتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل، في الاتحاد النقابي للموظفين دخلوا على الخط، ودعوا إلى «تكثيف المبادرات النضالية قطاعيا ومحليا ووطنيا والرفع من وتيرة التعبئة استعدادا لإطلاق مبادرات وطنية في الوقت المناسب». رفاق مخارق في الاتحاد النقابي للموظفين فلم يترددوا في وصف الخطوة ب «الهجوم غير المسبوق للحكومة الحالية على المكتسبات المادية والمعنوية للشغيلة وبالخصوص الحريات النقابية». نقابة واحدة شذت عن القاعدة، ولم تنسج على منوال الرافضين والمصعدين والمهددين. رفاق الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين حميد شباط، يرون أن «ممارسة الإضراب يجب أن تكون معقلنة وتراعي مصلحة المواطنين». الحكومة المغربية قررت مساندة الوزراء الذين دخلوا في صراع مع النقابات حول الاقتطاع، معتبرة أن القرار سيضع حدا للتسيب وفوضى الإضرابات، و يستجيب لمبدأ «الأجر مقابل العمل»، ثم قررت تشكيل لجنة وزارية لمناقشة موضوع الإضرابات ووضع سياسة متكاملة لمعالجة مشكلة الاحتجاجات، في وقت ترى عدد من النقابات أن هذا القرار يهدف إلى التضييق على حرية العمل النقابي، ولا يرتكز على أي سند قانوني، وغير دستوري ولا هدف منه سوى تصفية الحسابات بين السياسيين والنقابيين على أسس غير واضحة. فراغ من السكن الوظيفي: الحجة القانونية في مواجهة المستفيدين بينما الكل منشغل في مساندة أو مجابهة الخطوات الجديدة التي أقدم عليها الوزير محمد الوفا في قطاع التعليم، خرج الأخير بإجراءات مفاجئة وتصريحات تستهدف مستغلي السكن الوظيفي في المؤسسات التعليمية الوطنية دون وجه حق، على حد تعبيره. إنها الطلقة الجديدة من فوهة بندقية الوفا، التي يبدو أن لعلعاتها لن تتوقف في القريب. قائمتهم تطول لتبلغ أكثر من 1253 في ملك الدولة دون سند قانوني. هناك من أنهى مهامه التعليمية بالمرة، ومنهم المحال على المعاش، ومنهم الحاصلون على الإعفاء، ومنهم المنتقلون إلى العمل بمدن أخرى، لكنهم مصرون على الاحتفاظ بالمساكن الوظيفية ضدا على كل المساطر والقوانين. ولأن السياسة تقتضي استعمال العصا والجزرة للوصول إلى المطلوب، فإن بلاغ وزارة التعليم انتهى بدعوة المعنيين بالأمر إلى الالتزام بإرجاع الامتياز الذين يستفيدون منه دون وجه حق، وذلك أمام عموم المغاربة حسب القول المأثور « اللهم إني قد بلغت. اللهم فاشهد»، بل وتذكر الذين عادوا عن هذه الاستفادة إلى التبليغ عن أنفسهم حتى يتسنى حذفهم من اللائحة الشهيرة. تعتلى لائحة المستفيدين من السكن الوظيفي فئة المتقاعدين من التعليم أو المحالين على التقاعد. المزاولون للمهام المختلفة لا يشكلون أكثر من 20 بالمائة فيما تتقلص النسبة كثيرا عند الوصول إلى المزاولين الحاليين. ولأنها كبيرة وتهيمن على الجميع في كل المجالات، تحتل جهة الدارالبيضاء الكبرى الصف الأول في ترتيب، تليها جهة الشاوية ثم الجهة الشرقية، فجهة فاس ثم الرباط. المناوئون لخطوة الوفا والمشككين فيها، خرجوا إلى الرأي العام بأنباء تتحدث عن اقتصار لائحة الوزارة على أسماء دون أخرى. ويتعلق بالذين يحتلون السكن الوظيفي اليوم بدون نص قانوني ينص على حقهم في تملك سكن وظيفي من حيث الأصل، والمثال على ذلك مجموعة من رؤساء المصالح وكاتبات بعض النواب ومديري الأكاديميات وأغلب المقتصدين وبعض المتنفذين، وكل هؤلاء لاينص القانون على حقهم في السكن الوظيفي. الأمر يتعلق أيضا، حسب هذه المصادر، مجموعة من الدور المخصصة للسكن الوظيفي أو الاداري بمدينة مراكش لم تعد لها الصلة بنيابة مراكش نظرا لعدم إحصائها وإدراجها ضمن ممتلكات الدولة.