أعلنت الجزائر، في مثل هذا الشهر، قبل عشرين عاماً، من طرف واحد، إغلاق الحدود مع جارتها المغرب، لأنها رفضت اتهام وزير الداخلية المغربي، في حينه، إدريس البصري، لها بتصدير الإرهاب إلى المغرب، انطلاقا من أراضيها، فيما عرف بأحداث أطلس آسني، حيث قتل سياح أجانب على أيدي مسلحين جزائريين ومغاربة. منذ ذلك الوقت، القطيعة مستحكمة بين البلدين، حدود مغلقة إلا لأنشطة التهريب، وللاتهامات المتبادلة بينهما بالمسؤولية على تردّي الوضع في المغرب العربي. في سجل البلدين، منذ استقلال الجزائر 1962، مشكلات بلا حصر، من حرب الرمال إلى خلافات ترسيم الحدود، وصولاً إلى عقدة الصحراء التي تخفي عقدة أكبر، هي: من يحكم في المنطقة المغاربية؟ ومن يفرض أجندته على دول الجوار؟ من يملك الغاز والبترول ووراءه تاريخ ثوري ومليون شهيد؟ أم من يملك دولة عريقة وبلداً مستقراً واقتصاداً منفتحاً على أوروبا؟ لم يجد البلدان، منذ نصف قرن، لغة مشتركة للحوار بينهما، على الرغم من كل الروابط الدينية والثقافية والتاريخية والإنسانية والجغرافية التي تمتد أغصاناً وجذوراً بينهما. الساسة الجزائريون لا يرون أن بلادهم يمكن أن تصير قوية من دون إضعاف جارتها، والمغرب لا يرى أن في الجزائر عقلاً ومنطقاً وتقاليد دولة، يمكن أن يجلس معها إلى طاولة واحدة لإيجاد حلول للمشكلات العالقة. المشكلات التي لا تحل، اليوم، تتراكم فوقها مشكلاتٌ جديدة، وغداً تصبح عقداً كبيرة يصعب حلها. هذا حال الجارين المتباعدين اللذيْن نجحا في دخول كتاب غينس للأرقام القياسية في انعدام التعاون والاندماج بينهما. وكان البنك الدولي قد قال إنه لا توجد منطقة في العالم بلا تجارة ولا اندماج ولا حركة للبشر والسلع والخدمات، مثل منطقة المغرب العربي. ولهذا، يخسر البلدان خمسة مليارات دولار كل سنة (التبادل التجاري بين المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا لا يتجاوز 3٪ من مجموع المبادلات التجارية لهذه الدول). هل يوجد انتحار أكثر من هذا؟ هل يوجد خراب أكثر من هذا؟ هل يوجد تعصب أكثر من هذا؟ نعم. خسارة المليارات الخمسة كل سنة بسبب القطيعة بين الجزائر والمغرب، وغياب أي مشروع للتكامل الاقتصادي والتعاون السياسي، هما الوجه الأول للعملة المدمرة. الثاني هو مليارات الدولارات التي يصرفها الأخوة الأعداء على التسلح كل سنة، لأن البلدين معاً دخلا إلى سباق نحو التسلح منذ سنوات. الجزائر أبرمت، أخيراً، صفقة سلاح تعادل ميزانية الدفاع في المغرب سنة، وقريباً نسمع عن صفقاتٍ مغربية أخرى لشراء سلاح يعرف الجميع أن البلدين لن يستعملاه في حرب ساخنةٍ، لان الحرب الباردة بينهما كفيلة بإضعاف الطرفين معا. لا هم للدبلوماسية الجزائرية في العالم غير المناوشات ضد المغرب في نزاع الصحراء، وإفشال مشروع الحل السياسي بإعطاء حكم ذاتي موسع للصحراويين في الجنوب عوضاً عن مشروع الانفصال. وفي المقابل، لا هم للدبلوماسية المغربية إلا إفشال ما تعتبرها مؤامرات جزائرية تستهدف وحدة المملكة. وفي النهاية، يكتشف الجميع أن البلدين لم يعد لهما وزن في العالم، ولا في السياسة الدولية، ولا حتى الإقليمية، وأنهما أصبح مفعولاً بهما في خطط الآخرين، لا فاعلين في منطقتهم. العلاقات المغربية الجزائرية نموذج لانتصار الغريزة على العقل، والأحقاد على المصلحة والحسابات الضيقة على الاستراتيجيا، والأشخاص على الأوطان، والسياسة على الاقتصاد، والتاريخ على المستقبل. الدماء والحروب والصراعات والتاريخ الأسود الذي جمع بين ألمانيا وفرنسا لم يمنعهما من بناء الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر أفضل نموذج للتعاون المشترك والاندماج الإقليمي الناجح اليوم. لكن، في ألمانيا وفرنسا من هو غير موجود في المغرب والجزائر، أي المواطن الذي يضرب له الساسة ألف حساب. هذه القصة باختصار. - See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/f9110a9f-9ee1-47c8-8c13-9f55e47140a8#sthash.QDffNnZk.dpuf