الرباط: رئيس برلمان أمريكا الوسطى يجدد التأكيد على دعم الوحدة الترابية للمملكة    نسبة ملء السدود تقارب 40 %.. المغرب ينتقل إلى "إجهاد مائي طفيف"    ماكرون يرد على الجزائر باستدعاء سفير بلاده وبطرد 12 من موظفي القنصليات والدبلوماسيات الجزائرية    تيزنيت.. توقيف شخص سرق سيدة بالعنف بعد تداول فيديو يوثق الواقعة    مراكش: عملية أمنية نوعية تجهض محاولة تهريب 17 طنا و740 كيلوغراما من مخدر الشيرا    بيان الخارجية الفرنسية: فرنسا تجدد تأكيد موقفها الثابت الداعم لسيادة المغرب على الصحراء    وزير التجهيز والماء: السدود تفقد 50 مليون متر مكعب من الماء سنويا بسبب التوحل    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    إشعاع النسخة 15 من سباق النصر بالرباط يتجاوز حدود الوطن    بسبب تنامي العنف المدرسي الذي ذهبت ضحيته أستاذة بمدينة أرفود    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مصرع سائق وطفل في حادثتين متفرقتين بإقليم الحسيمة    توقيف سائق استعراضي لدراجة نارية في حالة عود    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    شهادة أممية تزعزع رواية الانفصاليين.. الروسي إيفانكو يفضح أكاذيب بوليساريو والجزائر    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    عمر هلال.. آمل أن تكون الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء نهاية نزاع الصحراء    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    إدريس علواني وسلمى حريري نجما الجائزة الكبرى للدراجات تافراوت    من يسعى الى إفساد الاجواء بين الجماهير البيضاوية وجامعة الكرة … !    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    "الاستقلال" يفوز برئاسة جماعة سمكت    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    الكوكب المراكشي يؤمّن صدارته بثنائية في مرمى "ليزمو"    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    وقفة احتجاجية للمحامين بمراكش تنديدا بالجرائم الإسرائيلية في غزة    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    تضمن الآمان والاستقلالية.. بنك المغرب يطلق بوابة متعلقة بالحسابات البنكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    غوتيريش: نشعر "بفزع بالغ" إزاء القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    









الاندماج الجهوي المغاربي : مقاربة تنموية تشاركية بديلة لسياسة المواجهة (2/4)
نشر في بيان اليوم يوم 05 - 12 - 2013

يأتي هذا المقال المحين في معطياته وتحاليله، لتسليط الأضواء والإجابة عن إشكالية ذات راهنية، تتطلب تحليلا معمقا موضوعيا، في سياق جيوسياسي مغاربي وعربي وإفريقي ملتهب، يهم مجالا حساسا يربط بين أوربا وإفريقيا، والشرق الأوسط، يتعلق الأمر بقضية «الاندماج المغاربي في إطار مقاربة تنموية تشاركية مندمجة، كبديل للمواجهة في إطارالحرب الباردة». وهي مقاربة يسودها منطق التعاون المثمر المفيد لكل الأطراف (رابح- رابح)، وتبادل التجارب بين بلدانها الخمس التي كانت ضمن ما سمي سنة 1989 ب» اتحاد المغرب العربي» الذي لم يعمر طويلا.
اقتراح هذه المقاربة التنموية عوض المقاربة الأمنية والحرب الباردة بين جارين حكم عليهما التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة للعيش في سلام وتعاون وطمأنينة، هو استجابة لضرورة مغاربية بعدما تبين فشل المقاربات الأمنية وعنف المواجهات الديبلوماسية في إطار الحرب الباردة خلال أزيد من أربع عقود خلت، بين بعض بلدانها، وأساسا بين المغرب والجزائر، اللذين يعتبران العمود الفقري لإنجاح الاتحاد المغاربي، إذا توفرت الإرادة السياسية والنضج لحكام بلدانه.
نقصد بالاندماج الجهوي المغاربي، خلق تكتل إقليمي مغاربي في إطار قانوني وحدوي، يضم البلدان الخمس المكونة من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريطانيا، من أجل تعاون مثمر بين شعوبها اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، عبر دينامية جديدة تسمح بحرية عبور الأشخاص، وانتقال البضائع والسلع والخدمات والرساميل، واستفادة كل طرف من خبرات وتجارب الآخر. والهدف من ذلك هو خلق تكامل اقتصادي في مرحلة أولى، ووحدة نقدية (عملة مغاربية للتداول) في مرحلة ثانية، في أفق وحدة سياسية في مرحلة نهائية، على شاكلة الاتحاد الأوروبي. هذا الاندماج الجهوي سيلغي الحدود بين المكونات الخمس للإطار الجغرافي الجهوي الموحد، مما سيساعد على حل معظم المشاكل العالقة المتراكمة، وخاصة تلك الموروثة عن الفترة الاستعمارية (مشاكل الحدود كالصحراء الشرقية، والغربية المغربيتين..)، ويدفع شعوب وبلدان المنطقة إلى تعبئة مواردها الطبيعية والبشرية من أجل خدمة التنمية المنشودة، عوض المواجهة والتسابق نحو التسلح، الذي بينت التجربة خلال أربع عقود، عقمه، وهدره لموارد تلك الشعوب هي في أمس الحاجة إليها لتحسين ظروف عيشها ونوعيه حياتها.
لكن بناء الكيان الموحد الجديد يقتضي إيمانا بالقضية وبالمصير المشترك لشعوبه؛ مما يحتم توفر نضج سياسي وسداد في الرؤى لدى مسئوليه، ودينامية قوية لمجتمعاته المدنية ونخبه، لرفع تحديات انعكاسات العولمة، وتمهيد الطريق نحو التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي والتنمية الشاملة. ويتطلب ذلك وعيا عميقا بأهمية الاتحاد، وتحضيرا عقلانيا وقانونيا وماديا له، وتوافقا لبناء المغرب الكبير الموحد على مراحل.
2 . سياسة التوتر والمواجهة، خاصة بين المغرب والجزائر، أضرت بشعوب وبلدان المنطقة المغاربية.
انطلاقا من تجارب الدول المغاربية الثلاث، وحتى الموسعة في إطار المغرب الكبير (ليبيا وموريطانيا) خلال الفترة التي مرت منها شعوبها منذ استقلالها، في علاقاتها مع دول الجوار، يمكن استخراج بعض الخلاصات التي تساعدها في المستقبل على تخطي العقبات التي حالت دون نجاح التجارب الوحدوية المغاربية، رغم توفر معظم عناصر النجاح.
1.2 سياسة المواجهة والتوتر:
أول سبب للفشل هو استمرار سياسة المواجهة لعدة عقود بين دول المنطقة بصفة عامة، ودول الجوار بصفة خاصة. وهي سياسة مفلسة معتمدة على محاولة إضعاف الجار للهيمنة عليه، ولذا لم تنعكس إيجابيا على شعوبها، وخصوصا بين المغرب والجزائر؛ بل زرعت الشك وعدم الثقة بين البلدين. وينطبق الحال أيضا على تونس- ليبيا، والجزائر- موريطانيا زمن سيادة الأنظمة الدكتاتورية. وهذا ما عطل انطلاق البناء المغاربي، وكرس بعض مظاهر التخلف التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي، سواء بالحواضر أو بالأرياف. _وسنورد مثالا يجسد سياسة الحرب الباردة بين المغرب والجزائر ومدى الخسارات المترتبة عن التوتر القائم بين البلدين والذي أهدر موارد المغرب والجزائر على السواء، خلال أزيد من ثلاثة عقود.
شعورا منه بالخطر الذي يتهدده من الشرق (يعني من الجزائر الشقيقة)، وظف المغرب ملايير الدراهم لتقوية جيشه وعتاده لحماية ترابه وتوطيد وحدته الترابية، وضمان سيادته على أقاليمه الجنوبية، وأساسا منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. لقد ظل المغرب في حالة طوارئ، مما استنزف جزءا هاما من موارده. فالمغرب كان يخصص 5% من ناتجه الداخلي الخام للنفقات الحربية (سنة 2004). إلى وقتنا الحاضر، ورغم التراجع والتقشف الذي مس قطاع ميزانية الدفاع فيما يخص الاعتمادات المالية المرصودة له في الميزانية ومناصب الشغل (حسب قانون المالية لسنة 2014) الذي انخفض من 47 مليار درهم و3000 منصب شغل في القانون المالي لسنة 2013 إلى أقل من 40 مليار درهم و1800 منصب شغل، في مشروع ميزانية 2014 ، رغم ذلك، فإنه يمثل الحساب الخصوصي الأكبر في الميزانية، الموجه أساسا لتمويل صفقات التسلح لضمان أمن الوطن، عبر شراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية. وكان بإمكان المغرب، توظيف %3,5 المخصصة حاليا في الميزانية للنفقات العسكرية (قانون المالية 2014)، لتمويل مخططات التنمية. وكنتيجة مباشرة، فإنه ظل يحتل رتبة متوسطة بين 124 و126 بين دول العالم في سلم التنمية البشرية، وبمؤشر للتنمية البشرية متوسط (0,582 المغرب) مقابل (0,698) بالجزائر حسب سنة 2011. ولا تزال نسبة البطالة مرتفعة في البلدين (10) (%8,8 بالمغرب، مقابل 10.2% بالجزائر سنة 2012.
ورغم أن الجزائر قد أعلنت، رسميا ومنذ البداية، بأن لا أطماع لها ولا مطالب ترابية فيما يخص مسألة الصحراء الغربية التي كانت محتلة من طرف اسبانيا، فإنها مع ذلك تورطت في المشكل، وجندت سياستها الخارجية ودبلوماسيتها القوية والنشيطة، وتم هدر جزء هام من عوائد مواردها (البترول والغاز الطبيعي)، خلال عقود من الزمن، لمعاكسة وحدة المغرب الترابية. وفي هذا الإطار أنفقت أموالا باهضة من ريع بترولها في شراء العتاد العسكري الجد المتطور والمكلف (الطائرات الحربية المتطورة «ميج»، والمدافع الروسية...). فقد خصصت 3.6% من ناتجها الداخلي الخام للنفقات العسكرية، بميزانية بلغت أزيد من تسع مليار دولار أمريكي ( 9,3 مليارات دولار أمريكي) حسب سنة 2012 . وبالغت في إغداق الأموال في نفس الاستراتيجية، على عدد من الدول الفقيرة لاستمالتها قصد مناصرة حركة البوليزاريو، بما فيها شراء بعض الأبواق الصحفية وبعض العناصر في جمعيات موالية لها، تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان بالصحراء المغربية لاستغلالها ضد المغرب. وإلى عهد قريب( آخر سنة 2006 ) أدت الجزائر لروسيا فاتورة باهضة الثمن للتزود بأحدث الأسلحة بمناسبة ارتفاع ثمن البترول في السوق الدولية (12). وبعد سقوط جدار برلين نوعت الجزائر أسواق تسلحها لتشمل عدة دول و في مقدمتها : الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وجنوب إفريقيا، ويرفض حكام الجزائرفتح الحدود مع المغرب، بل صعدوا من لهجتهم وتحركاتهم الدبلوماسية في إفريقيا، في وقاحة غير منتظرة، آخرها الرسالة الموجهة للقاء إفريقي غير رسمي والتي أفاضت الكأس، لكونها موقعة باسم الرئيس بوتفليقة، رغم أنه طريح الفراش (شافاه الله) يطلب فيها حماية «الشعب الصحراوي» من المحتل المغربي، ويعطي فيها دروسا إلى المغرب في مجال حقوق الإنسان، رغم اختراقه لها في واضحة النهار بالجزائر نفسها، حيث يدعي بأنها مخترقة في الصحراء الغربية المغربية، كل ذلك، للتشويش على مخطط التسوية ذي المصداقية والواقعية «الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية المغربية» لإنهاء النزاع المصطنع، وهو الاقتراح الذي تبناه مجلس الأمن.
هذا الرصيد الهام من ريع البترول والغاز الطبيعي الذي يهدره حكام الجزائر في التصعيد ضد جارهم المغرب في الميدان الديبلوماسي والعسكري، كان يمكن توظيفه واستثماره في منجزات اجتماعية واقتصادية ما أحوج الشعب الجزائري لها لتجويد التعليم، والخدمات الصحية والسكن، ومختلف التجهيزات في المرافق المتعددة التي تعاني من نقص كبير باعتراف الجزائريين أنفسهم. فبلاد الجزائر شاسعة الأطراف ومحتاجة أكثر من باقي البلدان المغاربية الأخرى للتجهيزات الأساسية، كما أن مطالب الفئات الاجتماعية لتحسين عيشها لا حصر لها؛ والأخطر من ذلك، هو أن البلاد رغم غناها، ظلت تعاني من الديون الخارجية التي قدرت سنة 1991 ب 28,6 مليار دولار أمريكي وهو ما كان يمثل 70%من الناتج الداخلي الخام، وحوالي 74% من خدمة الدين التي تغطي صادرات البضائع والخدمات نظرا لانخفاض سعر البترول آنذاك، وهو المورد الأساسي للاقتصاد الجزائري (13)
وقد انخفضت ديونها إلى 17,5 مليون دولار أمريكي في الفترة الأخيرة (سنة 2005) بموازاة مع الارتفاع المهول لأسعار البترول. ومع ذلك كانت في ذمتها إلى حدود سنة 2006 ما يناهز 9 مليار دولار أمريكي، كدين عمومي، وخاصة تجاه مزوديها بالأسلحة؛ علما بأن روسيا الفيدرالية قد تخلت عن جزء هام من ديونها لصالح الجزائر، حين تم تجديد هذه الأخيرة لصفقات مربحة معها، لشراء الأسلحة المتطورة بمناسبة الزيارات التي يقوم بها مسؤولو البلدين لعواصميهما، ومنها الزيارة الشهيرة للرئيس الروسي للجزائر وما صاحبها من عقود مبرمة للتسلح. ولحسن حظها، أن ثمن البترول والغاز الطبيعي قد عرف ارتفاعا مطردا، وهو المورد رقم واحد الذي تعتمد عليه البلاد لإرجاع الديون واستيراد حاجيات البلاد.
والمفارقة العجيبة، هي أن التسابق نحو التسلح لم يعد له مبررا؛ خاصة وأنه يحدث في وقت وضعت فيه الكتل المتناحرة سابقا، وأساسا الدول العظمى، حدا للحرب الباردة التي كانت تستنزف ميزانياتها جراء تطوير الأسلحة والسباق نحو التسلح (14). وحسب مؤشرات التنمية البشرية 2004، كانت نسبة هامة من سكان البلدين تعيش تحت عتبة الفقر المادي إلى مطلع الألفية الثالثة (15% في الجزائر و14% في المغرب). وتواجهها عدة تحديات ديمغرافية بارتباط مع الفقر وانتشار الأمية والبطالة والسكن غير اللائق ، وبيئية، كتدهور الغابات والأوساط الهشة وتلوث المياه وندرتها.. وكلها عوامل تدعو إلى ترشيد الموارد والقيام بأوراش تنموية مشتركة لمواجهة تلك التحديات قبل استفحالها. ورغم التحديات المذكورة، لم تنشأ لحد الساعة الثقة المتبادلة بين المكونات المغاربية وخاصة بين الدول المتجاورة، حتى بعد سقوط الأنظمة ا لديكتاتورية بتونس وليبيا بعد اجتياح نسيم الربيع العربي على هذه البلدان. وفي الواقع، لم يحسم مسئولو البلدين، لحد الآن، بشكل نهائي، نزاعاتهم في عدة قضايا تعرقل جهود التنمية في إطار شمولي. هذا ما عطل قطار التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، والتنسيق على المستوى السياسي والدبلوماسي لحل المعضلات الثنائية، ومواجهة التكتلات العالمية والدول العظمى ككتلة بشرية واقتصادية مالية وسياسية واحدة. فنظرا لهذه الوضعية المتأزمة باستمرار بين المغرب والجزائر، فإن جل مبادلاتهما التجارية تتجه عموديا نحو الاتحاد الأوروبي (فرنسا خاصة)، وفدرالية روسيا وبلدان أمريكا الشمالية ودول أخرى كالبرازيل و المكسيك. إن معظم صادرات الدول المغاربية تتجه بالدرجة الأولى إلى الاتحاد الأوروبي بما يزيد عن الثلثين، وما يقرب من الثلثين من مجموع وارداتها تأتى من دول أوروبية.
2.2 كل بلد تبنى توجها سياسيا واقتصاديا لا يراعي الطرف الآخر.
عوض تنمية الموارد البشرية والاقتصادية في إطار تكاملي وتشاركي بين الدول المغاربية، سلك كل بلد طريقا خاصا به. ويمكن الإشارة إلى بعض الانعكاسات السلبية لهذا التوجه الفردي لكل دولة على حدة، وانعدام التنسيق بين دولها وبين الطاقات المغاربية حسب الميادين التي لها فيها السبق، أو لها مكانة دولية. ولذا لم تستفد الدول من تجارب بعضها البعض. وعلى سبيل المثال، لم تستفد الجزائر من تجربة المغرب الرائدة، على مستوى تعبئة الماء والسقي العصري؛ علما بأن ساكنتها - بما فيها التي تقطن العاصمة ووهران- تعاني من نقص خطير في مياه الشرب والاستعمال المنزلي والسقي؛ وهو ما يفسر ندرة الخضروات التي تنتجها، وتبعيتها الغذائية للخارج. كما أن المغرب لم يستفد من تجربة وثروات الجزائر في ميدان الطاقة، علما بأنه في حاجة ماسة للبترول والغاز الطبيعي لتطوير اقتصاده وأريافه. ولولا مرور أنبوب الغاز الطبيعي عبر تراب المغرب نحو أوروبا، لما استفاد حتى من هذه الإمكانية. كما أن المغرب يستورد النفط من دول بعيدة عنه، ويصدر فوسفاطه نحو دول بعيدة عنه كالهند وباكستان والصين، وحوامضه نحو فدرالية روسيا وخضرواته نحو أوربا. ولم يفكر في جارته الجزائر التي له معها حدود تمتد على مئات الكلمترات، نظرا لأن كل المعابر الحدودية مغلقة رسميا بإصرار من حكام الجزائر، إلا ما كان من تهريب متبادل بين الجانبين، فرضه الموقع و الجوار والاعتبارات الجيوسياسية. وحتى هذه الإمكانية (المقايضة في السلع عبر الحدود) حاول النظام الجزائري، وأساسا جنرالاته المعادين للمغرب، خنقها عبر التضييق على النشطين الجزائريين والمغاربة علي الشريط الحدودي المغربي الجزائري، إلى حد قتل الأرواح البريئة بالرصاص الحي من طرف حراس الحدود الجزائريين. كما أن صادرات الجزائر تتجه نحو فرنسا وروسيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا والبرازيل، ووارداتها تأتي من فرنسا وروسيا، وايطاليا وألمانيا واسبانيا والولايات المتحدة وتركيا..
3.2 المفارقة الكبيرة في علاقة المغرب بالجزائر: التحام الشعبين وتنافر البلدين.
تتجلى هذه المفارقة في كون أن أقوى اللحظات التاريخية تجسدت خلال فترة الاحتلال الاستعماري للجزائر وأثناء فتح الحدود. فنظرا لعدة عوامل تاريخية وحضارية وجغرافية، يمكن الإشارة إلى حركة التضامن التي أبدتها القبائل المغربية المتاخمة للحدود، مع الشعب الجزائري منذ بداية احتلال بلاده؛ بحيث شكل المغرب الشرقي بمختلف قبائله المتاخمة للجزائر (بنو يزناسن، بني بوزكو، قصور فكيك، ...) خلفية أساسية لدعم المقاومة الجزائرية خلال احتلال الجزائر، وكذا خلال قيام حركة الأمير عبد القادر الجزائري، مرورا من حركة التحرير الجزائرية خلال الخمسينات وانتهاء باستقلالها في مطلع الستينات، ورجوع الجالية الجزائرية المقيمة بالمغرب الشرقي- وجدة وأحفير أساسا- إلى وطنها الأصلي. ويشهد الجميع على عمق العلاقات الحميمية بين المهاجرين الجزائريين المقيمين في المغرب الشرقي خلال احتلال بلادهم، وإخوانهم المغاربة، بما فيهم أعضاء نافذين من قيادة جبهة التحرير الجزائرية التي كانت تخزن الأسلحة والذخيرة الحربية بمخازن لها في مواقع مغربية متاخمة للحدود (وجدة، أحفير، السعيدية، فكيك..) بل حتى في الأحياء السكنية (حي ظهر لمحلة أو لازاري وسيدي يحى بوجدة على سبيل المثال). وحتى في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، كانت حركات الهجرة المغربية الموسمية والمؤقتة جد نشيطة في اتجاه الجزائر، للاشتغال في مزارع الكروم التي يسيرها المعمرون أو في التجارة. كما أن فئة هامة من الفقهاء المغاربة كانوا يؤطرون السكان من الناحية الدينية في البوادي والمدن، عبر تدريس القرآن وإمامة الصلاة في المساجد الجزائرية.
لكن المتتبع للأحداث المغاربية يكتشف بأن هذه الحركة البشرية والثقافية والدينية والتجارية، قد انقطعت تماما، مباشرة بعد استقلال الجزائر في مطلع الستينات؛ وهو أمر غير طبيعي بين شعوب متجاورة، وتربطها عدة صلات عرقية ومصاهرة، باعتبار أن المجال الحدودي المغربي- الجزائري تقطنه نفس القبائل الموزعة على الجانبين (16). فهذا الانقطاع في العلاقات بين الشعوب والدول المتجاورة قد أخر لا محالة تسريع التنمية بين دول المنطقة. ومن الآثار السلبية التي انعكست على طلاب المنطقة، انعدام التواصل بين الجامعات المغربية والجزائرية، اللهم بعض الاستثناءات الناتجة عن التواصل بين باحثي هذه البلدان ونظرائهم وأساتذتهم في الضفة الشمالية المتوسطية، عبر الجامعات الفرنسية المهتمة بالدول المغاربية (باريس، تور، غرونوبل..).
لقد أكدت الأيام بما لا يدع مجالا للشك، بأن حل المشاكل الكبرى المعرقلة لتطور هذه البلدان وتنميتها، لن يتم عبر الحرب الباردة والتطاحنات، والتسابق نحو التسلح للحصول على أحدث الأسلحة، وهدر أموال شعوبها التي هي في أمس الحاجة إليها لرفع مستوى معيشتها وتنميتها البشرية. إن هذه المقاربة الهيمنية لا تفيد في شيء شعوب المنطقة، لا حاضرا ولا مستقبلا ، بل تضر بها. ويبقى السبيل الوحيد هو المقاربة التنموية التكاملية، في ظل استقرار تسوده الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، كمخرج بديل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان. ويتمثل في بناء اقتصاد جهوي متكامل ومندمج، وسوق واسعة تغري تكتلات دولية أخرى للتعامل مع الدول المغاربية. وفي هذه الحالة، تتفاوض هذه الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي وكذا مع بلدان وتكتلات أخرى أمريكية وأسيوية، من موقع قوة. وفي هذا الإطار الوحدوي المتماسك يمكن لهذا التكتل المغاربي مواجهة تحديات الطبيعة كجبهة واحدة متراصة : للقضاء على أسراب الجراد، والتخفيف من آثار الكوارث الطبيعية كالجفاف، وأحيانا الفيضانات والزلازل، وعقد اتفاقيات دولية خاصة مع الاتحاد الأوربي حول ظروف تشغيل اليد العاملة المغاربية وحفظ كرامتها، وتوفير شروط عيش جيدة للمقيمين بالخارج في احترام تام لحقوق الإنسان، والتنسيق بين الدول للتخفيف من حدة الهجرة السرية الإفريقية، ومساعدة شعوب بلدان إفريقيا لتنميتها واستقرارها (مالي وباقي دول الساحل). كل هذا سيفتح صفحة جديدة في العلاقات المغاربية التي سادها التوتر الداخلي والخارجي مع بعض دولها التي أغلقت حدودها منذ استقلالها «حدود الجدار» مع الجيران، حتى أصبح هذا الجدار يفوق في رمزيته «جدار برلين» المنهار. وهو ما أضر بدولها وبشعوبها وباقتصاديات مجالاتها الحدودية، كما هو حال شرق المغرب وغرب الجزائر.
هوامش
10 www.statistiques-mondiales.com
11 www.statistiques-mondiales.com
12 يمثل الغاز والبترول 98 % من صادرات الجزائر .
13 للمقارنة مع دول مغاربية وعربية أخرى راجع: جدول
Tableau : PNUD (1994) In Maghreb Moyen –Orient Mutations (1995), pp.50-51
14 اضطر المغرب أيضا بعد انخفاض سعر الفوسفاط إلى انتهاج سياسة تقشفية بوضعه مخططا تقشفيا في الفترة 1978-1980، وسياسة التقويم الهيكلي ابتداء سنة 1983.
15 يمكن الرجوع إلى الدراسات التاريخية حول المغرب الشرقي التي أنجزها الباحث عكاشة برحاب وخصوصا مؤلفه : المجال الحدودي بين المغرب والجزائر (في مطلع القرن العشرين 1900-1912)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، سلسلة الرسائل والأطروحات رقم (2)، 2002
( 387 ص)، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء..
16 يمكن الرجوع إلى أطروحة زروقي ميلود (دكتوراه دولة، 2004) حول المجال الحدودي للاطلاع على خرائط توطن القبائل المغربية الجزائرية (كلية الآداب، شعبة الجغرافيا ، وجدة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.