هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابراهيم السعيدي الخبير الدولي والمتخصص في شؤون الحلف الأطلسي والسياسات الدفاعية والأمنية بالعالم العربي ل"التجديد" : العقيدة الأمنية للجزائر لا تزال تنظر إلى القدرات العسكرية على أنها أهم مصادر القوة
نشر في التجديد يوم 04 - 10 - 2010

يرى الدكتور إبراهيم السعيدي في هذا الحوار أن الإصلاحات التي عرفها المغرب تندرج ضمن تدبير الصورة في الخارج كما يعتبر أن الضغوط والاشتراطات التي تشترطها المؤسسات الدولية لا تمثل إلا عاملا ثانويا مساعدا بالمقارنة مع العوامل الداخلية المساهمة في الانتقال الديمقراطي، ويعتبر أن الديمقراطية هي نتاج تطور داخلي وخيار مجتمعي وأنها لا يمكن أن تستنبت من الخارج، كما يتعرض في هذا الحور لإشكالية سباق التسلح بين المغرب والجزائر، والسياسة الأمنية الدفاعية في كل من البلدين، والرهانات النووية للبلدين، ويرى أن الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن يتم فقط بالمراهنة غلى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
يطرح موضوع استعمال الطاقة النووية في منطقة المغرب العربي العديد من الإشكالات، منها ما يتعلق بالموقف الدولي خشية أن يتحول الأمر إلى تسلح نووي، ومنها ما يتعلق بالبعد البيئي، ومنها أيضا ما يتعلق بالخطر الإرهابي، في نظركم ما الذي يجعل مشروع الطاقة النووية في المغرب متأخرا في مجال التنمية المستدامة على الرغم من أن هذا المشروع بدأ مع سنة 1980 وتم إنشاء أول مفاعل نووي سنة 2007 من قبل الشركة العامة الذرية الأمريكية؟
من وجهة نظر الدراسات الإستراتيجية تدخل الطاقة النووية في إطار ما يسمى بالتكنولوجيا ذات الإستعمال المزدوج ، بمعنى أنه يمكن استعمالها لأغراض مدنية وأخرى عسكرية (أي امتلاك السلاح النووي بهدف الردع وتحقيق التوازن العسكري). ومن الناحية التاريخية، فإن الصناعة النووية المدنية قد تطورت بفضل التكنولوجيات التي استعملت لصناعة القنبلة النووية. ويعتبر الإستعمال السلمي للطاقة النووية حقا مشروعا يضمنه الفصل الرابع من معاهدة الحد من الانتشار النووي التي تم التوقيع عليها سنة 1968 ودخلت حيز التنفيذ عام .1970 والإمتلاك السلمي لهذه الطاقة له ما يبرره في ظل ندرة موارد الطاقة على المستوى الدولي، خاصة التحضير لمرحلة ما بعد البترول والغاز، والبحث عن الإستقلال الطاقي بفعل الإضطرابات التي يعرفها سعر البترول، إلى جانب الإعتبارات الإقتصادية الملحة كتحلية المياه، والصناعات الغذائية، دون أن ننس الإعتبارات الطبية بالتأكيد...
وتعتبر الأخطار الثلاثة التي طرحتها في سؤالك حول استغلال الطاقة النووية لأغراض عسكرية، والإعتبارات البيئية خاصة النفايات النووية، وكذا الخطر الإرهابي..جوهر النقاش السياسي على المستوى الدولي فيما يتعلق بالإعتراف لعدد من الدول بحقها في الإمتلاك السلمي لهذا النوع من موارد الطاقة خاصة بالنسبة للدول العربية والإسلامية.
وفي منطقة المغرب العربي، يمكن التمييز بين نوعين من الدول: الدول التي تثير شكوك المنتظم الدولي وهي ليبيا والجزائر، والدول التي تتمتع بقدر من الثقة وهي تونس والمغرب. وكل هذه الدول تمتلك تجارب بقدرات متفاوتة فيما يخص بناء محطات الطاقة النووية. وبالنسبة لأنشطة المغرب بهذا الخصوص، فإنه لا يثير أية شكوك من طرف الدول المانحة لهذه التكنولوجيا، وتحترم مقتضيات الوكالة الدولية الذرية فيما يتعلق بإجراءات التفتيش والمراقبة وشفافية المعلومات.. خاصة وأن السياسة الدفاعية للمغرب لم يكن لها أية طموحات للحصول على أسلحة الدمار الشامل، ولايمتلك الصواريخ المتوسطة أو البعيدة المدى الحاملة للرؤوس النووية.
وعلى المستوى العملي، يمكن وصف هذه الأنشطة من الناحية الزمنية بالقديمة إذ ترجع إلى عام 1980 في إطار التعاون الثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت وراء تأسيس المفاعل النووي سنة 2007 بفضل شركة جنرال أتوميكس). ويعتبر المركز الوطني للعلوم والتقنيات النووية الذي تم تأسيسه سنة 1986 الهيئة التي تشرف على الأبعاد التقنية لهذه الأنشطة... إلا أنها أنشطة جد متواضعة تسير بخطوات حثيثة ومحسوبة رغم تأخرها في أن تتحول إلى رافد من روافد التنمية المستدامة...ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى الرؤية الإقتصادية للدولة ومدى توفرها على حكامة جيدة في المجال السياسي. وحينما ننظر إلى المخطط الإستراتيجي لإستغلال الطاقة الذي سيعتمده المغرب خلال السنوات القادمة ما ببين 2020 -0302 نستخلص أن الدولة قد قررت رفع التحديات الكبرى لتكنولوجيات المستقبل، أي البحث في قضايا الطاقة البديلة والمستدامة والتحضير لما بعد المحروقات.. وأعتقد أن المغرب ليس له خيار آخر لأنه يعاني من عجز تام في هذا الميدان مادام أن 96% من موارده من الطاقة تستورد من الخارج، وأنه يواجه ارتفاعا متزايدا على طلب الطاقة بنسبة ما بين 8% إلى 10% في السنة. يضاف إلى هذا، رغبة المغرب الإستفادة من البرنامج الجهوي للوكالة الدولية للطاقة الذرية المرتبط باستعمال الطاقة النووية لتحلية مياه البحر، أخذا بعين الإعتبار أن الإنتاج الفلاحي يساهم ب 7,17% من الدخل الوطني الخام.
ومن جهة أخرى، لا ننس أن المغرب قد أصبح محط استقطاب دولي لإمتلاكه مخزونا هائلا من الفوسفاط يقدر ب 75% من الإحتياط العالمي ، مع التنبيه إلى أن الفوسفاط مادة استراتيجية في الصناعات النووية باعتباره مصدرا خاما لمادة اليورانيوم. ولهذا السبب عقدت المجموعة الفرنسية أريفا اتفاقا مع المغرب سنة 2007 (وهي من أكبر المجموعات في إنتاج الطاقة النووية على المستوى الدولي)، إلى جانب المجموعة الروسية
Atomstroyexport التي تسعى إلى تعزيز موقعها في السوق المغربي. وأمام هذا الوضع، فإنه لابد من التشديد على أنه من مصلحة المغرب تنويع شركائه وتقوية استراتيجيته بخصوص الإستخدام المدني للطاقة النووية حتى لا يفوته الركب، وليحافظ على موقعه التنافسي مع دول الجوار.. سيما وأن أنشطة المغرب في هذا المجال تعتبر محط اهتمام استخباراتي كبير من طرف إسبانيا والجزائر.
وعلى ذكر الجزائر، ماذا يمكن القول عن نشاطها في مجال الإستخدام السلمي للطاقة النووية والتخوفات التي تثار حول برنامجها النووي؟
مما لاشك فيه أن الجزائر تعطي اهتماما قويا للطاقة النووية لتنويع مواردها من الطاقة رغم أنها تمتلك خامس احتياط عالمي في مجال الغاز الطبيعي، وتحتل المرتبة 13 في الإحتياطات البترولية. وتمتلك حاليا مفاعلين تجريبيين، تم بناؤهما بفضل مساعدة أرجنتينية وأخرى صينية. وتنوي بناء 4 أو 5 مفاعلات نووية لتحلية مياه البحر. وقد عقدت منذ 2007 اتفاقيات جديدة للتعاون مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وعززت علاقاتها بهذا الخصوص مع كل من روسيا ومصر وإفريقيا الجنوبية وخاصة إيران التي أعلنت على لسان رئيسها أحمد نجاد في نونبر 2006 استعدادها لإقتسام تجربتها مع الجزائر في ميدان الطاقة النووية، ويبدو هذا واضحا من خلال دعم الدبلوماسية الجزائرية للطموحات الإيرانية في مجال الإستغلال السلمي للطاقة النووية خلافا للدول العربية الأخرى.. ولا غرابة في ذلك، مادامت إيران تعتبر نموذجا يحتذى به بالنسبة للعديد من الدول فيما يخص القدرة على امتلاك الخبرات المحلية دون استيرادها. وبناء عليه، فإن الإستراتيجية الجزائرية تقوم على امتلاك مفاعل نووي متكامل في سنة 2020 والإستمرار في بناء مفاعل نووي كل خمس سنوات.
وبشأن التخوفات التي تثار حول هذا البرنامج وإمكانية استغلاله لأغراض عسكرية، فإني أعتقد أن الجزائر ليست لها طموحات لتسير في هذا الإتجاه سواء في المدى القريب أو المتوسط رغم علاقاتها المتوترة مع المغرب وليبيا، سيما أنها لا تواجه أي تهديد عسكري نظامي مباشر. ومن الناحية التقنية، فإن مفاعلاتها التجريبية ونشاطاتها في هذا الميدان لا تزال في مرحلة جد أولية، في حين أن امتلاك القدرات النووية يتطلب تخصيب اليورانيوم على الأقل بنسبة 90%. ولهذا أقول أن الشكوك التي تطرح حول الجزائر على المدى البعيد تعود إلى الإعتبارات التالية:
- رفض الجزائر التوقيع على البروتوكول الإضافي المكمل لإتفاقية عدم الإنتشار النووي.
- امتلاكها بنية تحتية، رغم تواضعها، مثل مركز العلوم للتكنولوجيا النووية.
- العلاقات التي تربط الجزائر في هذا الميدان مع دول تمتلك هذه الخبرة لكنها لا تراعي الشروط المتعلقة بنقل هذه التكنولوجيا.
- وهناك اعتبار جيوبوليتيكي مرتبط بسيناريو دخول إيران إلى النادي النووي، خاصة وأنها أعلنت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، مما سيدفع دولا أخرى مثل السعودية ومصر إلى السعي إلى إحداث التوازن بهذا الشأن، وفي هذه الحالة، فإن الجزائر ستحذوها نفس الطموحات.
- إلى جانب هذه الإعتبارات، يمكننا الحديث عن التقارير التي تؤكد أن الجزائر كانت له أنشطة خفية في هذا الميدان. وغالبا ما يتم الإستشهاد بالتقارير التي كان يعدها في بداية التسعينيات الملحق العسكري البريطاني بالجزائر الكولونيل وليام كروس.. كما أن الصحافة الأمريكية والإسبانية قد كتبت الشئ الكثير عن هذا الموضوع.وعلى أي حال، ومن وجهة نظري الشخصية، فإننا نجد أنفسنا بخصوص هذه التخوفات، أمام افتراضات وتوقعات احتمالية أكثر مما نحن أمام سيناريوهات حقيقية...
ذكرتم في إحدى دراساتكم أن المؤسسات الدولية التي انخرط فيها المغرب كان لها أثر كبير في الدفع بالدمقرطة لكنكم أكدتم بأن العامل الخارجي ليس كافيا في إحداث ديمقراطية حقيقية، ألا ترون أن الإصلاحات التي حصلت في المغرب ليست أكثر من محاولة التكيف مع متطلبات هذه المؤسسات وأنه لا توجد بموازاة ذلك حركية سياسية من قبل المجتمع السياسي والمدني لتحقيق الانتقال الديمقراطي؟
الدراسة التي تتحدث عنها كتبتها سنة 2007 حول العلاقات المدنية العسكرية بالمغرب، وأنا الآن في طور تكملتها بدراسة أخرى حول علاقة الجيش بالمؤسسة الملكية. انطلقت في الدراسة الأولى من الأطروحة التي تقول بأن المؤسسات الدولية تعتبر قوة موجهة نحو الديموقراطية بالنسبة للدول التي تتعامل معها أو تنتمي إليها. حاولت أن أطبق هذه الأطروحة على المغرب من خلال بعض المؤسسات الدولية التي يتعامل معها لمعرفة مدى موائمة التطور السياسي في المغرب مع القيم التي تنادي بها هذه المؤسسات. فمثلا الحلف الأطلسي كمؤسسة دفاعية/أمنية ساهم بشكل كبير في دفع عدد من دول أوبا الشرقية إلى دمقرطة سياستها الدفاعية واعتماد معايير الشفافية في ميزانية التسلح مقابل حصولها على العضوية داخلها. غير أن علاقة المغرب بهذا الحلف غير مبني على مبدأ الشرطية الديموقراطية لأنه ليس الهدف أن يصبح المغرب عضوا في هذا الحلف. لكن حينما ننظر إلى علاقات المغرب بالمؤسسات الدولية الأخرى خاصة الإتحاد الأوربي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية.. فإننا يمكن أن نلمس التأثير المباشر لهذه المؤسسات على المنظومة القيمية بالمغرب، فاتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوربي يركز على ترسيخ الديموقراطية لبناء تعاون مستقر، والبنك الدولي يربط التقدم الإقتصادي بمحاربة الفساد وضرورة الإصلاح الإداري والقضائي، ومنظمة التجارة الدولية التي انتمى إليها المغرب عام 1995 دفعت هذا الأخير إلى تعديل مدونة التجارة لمزيد من إلغاء الإجراءات الحمائية.
لهذا السبب أتفق معك بأن الإصلاحات الديمقراطية التي عرفها المغرب هي في جزء منها محاولة لكسب نوع من المشروعية الدولية أو ما أسميه بتدبير الصورة في الخارج. فالمؤسسات الدولية من وجهة نظري تعتبر عاملا مساعدا غير انه يظل ثانويا بالنظر إلى أهمية العوامل الداخلية. فالديمقراطية لا يمكن أن تستورد أو تفرض من الخارج وإنما يجب أن تكون نتاج تطور داخلي وخيار مجتمعي. وأهم دليل على صحة هذا المبدأ هو أنه رغم وجود تأثيرات خارجية قوية على المغرب فإن ضعف العوامل الداخلية بالمغرب هو الذي يحول لحد الآن دون إنتاج ديموقراطية حقيقية من شأنها أن تعزز حضوره في المنتظم الدولي المعاصر.
في موضوع التسلح، كيف تقيمون وضعية السعي نحو التسلح في دول المغرب العربي وبخاصة المغرب والجزائر؟
اسمح لي أن أستعمل مفهوم المأزق الأمني الذي استعمله John Herz والذي يصف من خلاله حالة دولتين أو أكثر في ظل علاقات تطبعها الحيطة والحذر وانعدام الثقة.. وتطبيق حمولة هذا المفهوم على حالتي المغرب والجزائر، مفادها أن سعي الجزائر المتزايد إلى التسلح يقوي الشعور بعدم الأمان والإرتياب لدى المغرب الذي يحرص بدوره على تطوير وتجديد ترسانته العسكرية لتحقيق التوازن العسكري في علاقته مع الجزائر التي ستكون مضطرة من جديد لعقد صفقات تسلح من نوع آخر لتحقيق تفوق نوعي على المغرب، وهكذا دواليك في علاقة لامتناهية بين الفعل ورد الفعل.. إلى أن يحين الوقت المناسب لإعتماد نظام إجراءات الثقة والأمن. وللإشارة أقول أن مسألة الحصول على أسلحة متقدمة هي من أهم الرهانات السياسية والإستراتيجية بين البلدين منذ عقد السبعينيات، وهو ليس بالأمر المستجد حديثا..
ومن ناحية أخرى تبرر الجزائر سعيها للتسلح ب الخطر الإرهابي. غير أنه من الناحية العملية، فإن مقاتلات MIG-29 والفرقاطات الحربية السريعة لاتفيد في مواجهة الإرهاب وليست بالأسلوب الأمثل لمواجهة الحركات الإرهابية. ولذلك أرى أن العقيدة الأمنية للجزائر لا تزال تنظر إلى القدرات العسكرية على أنها أهم مصادر القوة، وأن الحفاظ على قوات مسلحة مجهزة ومتطورة يعطي دعما للسياسة الخارجية. والخلل الذي يعتري مثل هذا النوع من الرؤى، هو أنها تفصل بين حاجيات التسلح وطبيعة التهديد، إذ لا مبرر لضخ هذه الميزانية الضخمة من أجل التسلح ما دامت الجزائر غير معرضة لتهديد وجودي حقيقي يعرض سيادتها ووحدتها الترابية إلى الخطر.
وإضافة إلى هذه الإعتبارات انطلق في فهم سياسة التسلح الجزائري من معطيين أساسيين: معطى تقلبات ثمن البترول، ومعطى الدولة الريعية Etat rentier. فأول برنامج تسلحي للجزائر يرجع إلى عام 1978 مع روسيا، وخلال فترة السبعينيات هذه، عرف العالم صدمتين بتروليتين: صدمة 1973 حيث ارتفع سعر البرميل من 3$ إلى 18$ أي ما يعادل 92$ بالقيمة الحالية. ثم صدمة 1979 التي أدت إلى ارتفاع ثمن البرميل من 13$ إلى 40$. وخلال هذه الفترة ارتفعت مداخيل الجزائر وارتفعت معها اعتمادات التسليح. غير أنه ما بين 1980 و 1985 لم يتم اعتماد أي برنامج تسلحي آخر لإعتبارات ارتبطت بإعطاء الأولوية للتنمية الإقتصادية. وبحلول عام 1986 إلى غاية 2000 وقع سوق البترول فيما يسمى بالوفرة، أي وفرة العرض على الطلب، الشيئ الذي أدى إلى انخفاض ثمن البترول إلى 12$للبرميل وأحيانا أقل.. وقد كان لهذا الأمر تأثير على مداخيل الدول المنتجة للبترول. وخلال هذه الفترة انحصرت سياسة التسلح بالجرائر بسبب قلة الموارد المالية، وكذا دخول البلد فيما يسمى بالعشرية السوداء من الإرهاب خلال عقد التسعينيات. لكن وبعد دخول السوق البترولي فيما يسمى بمرحلة القلق والتي لا تزال قائمة إلى الآن منذ ,2001 ستعود ميزانيات التسلح إلى الإرتفاع من جديد، حيث ارتفع ثمن البرميل بقيمة خمس مرات على ما كان عليه سنة 2001 ليصل إلى أعلى مستوياته في يوليوز 2008 بقيمة 147$ للبرميل. وخلال هذه الفترة ارتفع الدخل الوطني الخام للجزائر من 54 مليار $ سنة 2002 إلى 171 مليار $ سنة .2008 وارتباطا مع هذه المعطيات، فإن الجزائر تعتبر دولة ريعية لأن اقتصادها غير متنوع، ويعتمد أساسا على تصدير البترول، والدول الريعية غير الديموقراطية تحول جزءا هاما من مداخيلها الريعية لتقوية أجهزتها الأمنية وترسانتها العسكرية.
أما فيما يتعلق بالمغرب، فإنه من جهته قد حافظ على نسب جد مرتفعة فيما يخص الميزانية المخصصة للدفاع تصل أحيانا إلى 4% إلى 5% من الناتج الوطني الخام بسبب نزاع الصحراء وعلاقاته المتوترة مع الجيران سيما الجزائر وإسبانيا، ولم يسمح لنفسه أن يكون متجاوزا في سباق التسلح الذي تشهده المنطقة منذ السبعينيات رغم محدودية موارده المالية وعدم توفره على ثروة نفطية. وبسبب انتمائه إلى المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة، تمكن من تطوير علاقات تعاون عسكرية متميزة مع عدد من الدول الغربية خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت المغرب حليفا خارج حلف الناتو منذ عام ,2004 وهو بذلك يستفيد من البرنامج الأمريكي الدولي للتكوين والتدريب العسكري.
وخلاصة القول، يمكن القول أن هناك توازنا استراتيجيا بين البلدين، والقدرات القتالية للجيشين المغربي والجزائري تعتبر متقاربة إلى حد ما مع تميز القوات المسلحة الملكية فيما يتعلق بالتقارب العملياتي . وختاما، أشدد على مبدأ أن سباق التسلح بين البلدين لا يساهم إلا في تعميق أسباب عدم الإستقرار بالمنطقة ويكرس مشاكلها الإقتصادية والإجتماعية بشكل أكبر.. كما أتمنى أن يطور البلدين رؤية مغاربية جديدة لفض النزاعات بعيدا عن التحالفات الأمنية خارج المنطقة، وأن يتم الشروع لتطوير هذه الرؤية ببناء إجراءات الثقة المتبادلة بين البلدين...
ما الاستراتيجيات المتقابلة التي يعتمدها الطرفان فيما يخص السياسة الدفاعية؟
أعتقد أن المقارنة بين المغرب والجزائر في قطاع السياسة الدفاعية هي مقارنة صعبة، وهذا لا يعني أنها غير ممكنة. هناك قاعدة عامة في مجال الدراسات الدفاعية، وهي أن أية سياسة في هذا المجال تعكس بالضرورة طبيعة النظام السياسي القائم ، وطبيعة العلاقة بين المدنيين والعسكريين .
وفي حالة الجزائر، فإن النظام الجزائري يندرج ضمن خانة الأوليغارشية العسكرية إذ يشكل الجيش المصدر المحوري للسلطة السياسية إيمانا منه أنه المؤسسة الوحيدة التي تمتلك المشروعية في الجزائر. والمقصود هنا، طبعا، المشروعية التاريخية، باعتبار الجيش قد انبثق عن حركة التحرير الجزائري ضد الإستعمار. ولفهم مؤسسة الجيش وتطورها يجب تناولها في الإطار التاريخي لنشوء النظام السياسي الجزائري المعاصر.. فالجيش هو الذي كان وراء بناء الدولة الجزائرية ومؤسساتها، وهو الذي يعين الرؤساء وأعضاء الحكومة، كما أنه المؤسسة الحقيقية التي تتحكم في الحياة السياسية عبر جهاز الأمن العسكري التابع لوزارة الدفاع. هذا الجهاز مكلف بتدبير الحياة السياسية لصالح الجيش، وكان ينظر إليه على أنه حزب سري أو الحزب الحقيقي، مع تغيرات طفيفة كان يشهدها من فترة رئاسية إلى أخرى. لهدا مثلا، لما حاول الرئيس بن جديد (1992-1979) إعادة بناء الدولة على أساس من المشروعية الديموقراطية بدل المشروعية التاريخية والريعية، تدخل الجيش لوضع حد لإنتخابات 1991 التي فاز فيها الإسلاميون. وعليه، فإنه على الرغم من النفوذ الذي يتمتع به الجيش داخل النظام السياسي الجزائري فإن الأمر، على خلاف الدول اللاتينية الأمريكية، يتعلق بنظام سلطوي يستمد مشروعيته من الجيش أكثر منه بنظام عسكري.
وانطلاقا من هذه الفكرة، نستطيع أن نفهم طبيعة الصراع الذي دخل فيه الرئيس بوتفليقة مع مؤسسة الجيش لإحداث التوازن بين هذه الأخيرة والسلطة المدنية خاصة فيما يتعلق باستقلالية مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة.، فهو كان يدرك أن هناك سلطتين داخل الدولة: سلطة حقيقية هي سلطة الجيش، وسلطة شكلية هي سلطة الرئاسة والحكومة. ويمكن أن نقرأ مدى تحقيق هذا التوازن من خلال المؤشرات التالية: منصب وزير الدفاع، التحكم في ميزانية الجيش والتسلح، تحقيق المصالحة الوطنية، تعيين العسكريين في مناصب سياسية.. (أما فيما يخص نزاع الصحراء الغربية فإن توجهات كلا السلطتين تصب في اتجاه الإبقاء على التوتر مع المغرب..) بل إن نجاح بوتفليقة في تمرير قوانين الوئام المدني مكنه من تقوية موقعه في مواجهة العسكريين، لأن مثل هذا النجاح يعني أن الرئيس لم يعد يتمتع بمشروعية عسكرية فقط، وإنما بمشروعية سياسية منحته نوعا من الكارزمية والتقدير من طرف الشعب الجزائري خاصة نجاحه في أن يفرض نفسه كوسيط بين الإسلاميين والعسكريين. ولتعزيز دور الرئاسة كمؤسسة مدنية كان لابد لبوتفليقة من إبعاد الشخصيات والجنرالات الذين أوصلوه إلى الحكم(العماري، خالد نزار، العربي بلخير)، وتعيين شخصيات جديدة من الضباط والجنرالات تؤيد فكرة خروج الجيش من الحياة السياسية وإعطائه الدور المهني المنوط به.
وبشكل عام، فإنه رغم كون المؤسسة العسكرية لاتزال تؤمن بالمشروعية التاريخية ومشبعة بثقافة سوفياتية..فإنه يمكن أن نزعم ببروز جيل جديد ونخب عسكرية تطمح إلى بناء دور مهني للجيش في علاقته بالدولة والمجتمع، ومن بين مؤشرات ذلك، أن مؤسسة الرئاسة لم تعد ملحقة من ملحقات هيئة الأركان أو وزارة الدفاع، بل أصبحت تتمتع باستقلالية كبيرة، وتعتبر الآن المختبر الرئيس لصياغة التوجهات الكبرى للسياسة الدفاعية. وهنا تجدر الإشارة إلى الصبغة المدنية لكل من الكاتب العام ومدير الديوان داخل هده المؤسسة، يضاف إلى هذا، أن التحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة يعتبر موضوع توافق بين الرئاسة والجيش. ومعنى هذا أن هذا الأخير لم يعد يمتلك السلطة المطلقة في تعيين الرؤساء.. وهذا تحول مهم يؤشر على اتجاه الجزائر نحو نظام رئاسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.